النائب أحمد السافي (حزب العمال): النهضة والسبسي يكرّسان نفس خيارات العهود السابقة (2/2)
|فيما يلي بقيّة الحوار الّذي جمع “تونس الفتاة” بالأستاذ أحمد السافي، عضو المجلس التأسيسي المنتمي إلى حزب العمّال عن دائرة صفاقس 1 وعضو لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما (لجنة تأسيسيّة) ولجنة الحقوق والحريّات والعلاقات الخارجية (لجنة تشريعيّة).
لم ينضمّ نوّاب حزب العمّال الثلاثة إلى أيّ كتلة نيابيّة. هل يعني ذلك غياب التقارب مع جميع الأطراف داخل المجلس التأسيسي؟
نحن دخلنا إلى المجلس ككتلة 14 جانفي الّتي تضمّ عددا من الأحزاب، لكن لم نتحصّل على العشر مقاعد الضروريّة لتكوين كتلة حسب النظام الداخلي. طرحت إمكانيّة التحالف مع بقايا الكتل الّتي تشابهنا في التوجّهات، لكن نائب حركة الوطنيين الديمقراطيين منجي الرحوي خيّر الانضمام إلى القطب الحداثي. أمّا النائب اليساري المستقل فؤاد ثامر فقد انضمّ إلى الكتلة الديمقراطيّة. وبقيت مجموعتنا متكوّنة من ثمانية أعضاء: نائبان من حركة الشعب، ثلاثة من النضال الوطني، ثلاثة من العمّال. بقيّة المشهد من خارج الكتل لا يشمل إلا حزب المبادرة، والتحالف معه مرفوض من العديدين لأصوله التجمّعيّة. أمّا فيما يخصّ الكتل الموجودة، فقد طرحت إمكانيّة التحالف مع التكتّل الديمقراطي، لكن رأينا أنّ دخول هذا الحزب في الترويكا الحاكمة يجعل التحالف معه يحدّ من حريّة نوّابنا. كما أنّ رؤانا تتقارب مع رؤى القطب الحداثي، لكنه هذا الأخير اختار التحالف مع الديمقراطي التقدّمي طمعا في اقتسام الغنائم كرئاسة اللجان. صحيح أنّ عدم انضواءنا تحت لواء كتلة يحرمنا من بعض الامتيازات من ذلك ترؤس اللجان والمشاركة في الوفود البرلمانية وندوة الرؤساء. لكن بقايا الكتل فاعلة أحيانا أكثر من الكتل خصوصا مع موجة الانقسامات الّتي شهدتها بعضها وما ذلك إلا لغياب أرضيّة مشتركة تجمعها عكس ما هو الأمر فيما يتعلّق بمجموعتنا.
مع تأسيس حزب نداء تونس، يبدو أنّ الاستقطاب الثنائي بين النهضة والحزب الجديد سيهيمن على المشهد السياسي. كيف ترون موقع حزبكم في ظلّ هذا الاستقطاب؟
الشعب الآن يبحث عن بديل إذ أنّ أداء النهضة على المستويين الحكومي والتشريعي مثّل خيبة أمل للتونسيين. وبقيّة الترويكا تضمّ مؤتمرا متصدّعا (كان البعض يعتبره بديلا للنهضة) وتكتّلا فقد الكثير من رصيد من الثقة. المواطنون يبحثون عن الخيار الثالث: هل هو الحزب الجمهوري (الّذي كان محاولة توحّد سرعان ما أدّت إلى انقسام) أم المسار الديمقراطي الاجتماعي أم سيجدونه في الماضي القديم؟ ثمّ اتت مبادرة قائد السبسي الّتي تشكّلت من ضعف حركة النهضة وما اتّسم به أداؤها من تردّد وغموض وضبابيّة. فللتونسي طبيعة براغماتيّة وربّما يرى في من يحترفون السياسة منذ زمن طويل حبل النجاة للخروج من الأزمة وإيجاد حل للبطالة وباقي المشاكل. لكن في حقيقة الأمر، الدساترة أخذوا حقّهم طيلة أكثر من خمسين عام، و رغم بعض نقاط الضوء في فترة حكمهم (رغم بعض المكاسب في البنية التحتية والاجتماعية وهي انجازات من أموال الشعب) فإنّ سياستهم أنتجت عدم توازن جهوي و 14 ولاية فقيرة للغاية و تفاوتا اجتماعيا وفسادا متشفّيا و بطالة مستشرية. ماذا سيضيفون ؟ التونسيون يجب أن يكونوا أذكياء ولا يكرّروا خيارات فشلت ولتجسيم أهداف الثورة، الخيارات موجودة، فهذه الثورة هي ثورة الفقراء والمحتاجين والفئات المهمّشة وهي طبقة تعبّر عن طموحاتها الجبهة التقدّميّة اليساريّة وهي خيارها الوحيد. مبادرة قائد السبسي تكرّس نفس الخيارات الليبرالية للعهود السابقة فقد أكد قائد السبسي على عدم تعليق المديونيّة الخارجيّة وعدم فرض ضريبة استثنائية على الثروات. ونفس الآليات الليبرالية تكرّسها حركة النهضة، لا يمكن أن تكون مع دسترة حقوق العامل وغيرها من الحقوق الاجتماعيّة. فجميعهم يرفضون إحداث مجلس وطني للجهات (بدعوى أنّ تونس بلد صغير لا يحتاج إلى غرفة برلمانيّة ثانية وينبغي الحفاظ على استقراره وتفادي كلفة إضافيّة). وفي نهاية الأمر، هذه الخيارات تعني أنّنا أمام بورقيبة جديد وين علي جديد.
ولكن حكومة الباجي قائد السبسي أقرّت منحة أمل الّتي خفّفت من وطأة البطالة على الآلاف؟
هذه المنحة سدّت بعض الرمق ولم تبعث الأمل. وهي حل ترقيعي غير عادل: فمن انتفعوا بها منهم من لا يعمل ومنهم من يعمل. ومع احترامنا لهذا الحل، فطابعها المؤقّت لا يجعلها اجتثاثا للمشكل. وقائد السبسي إذا حكم سيحافظ على نفس النمط الاقتصادي الموجود سابقا بما فيه العلاقة غير المتوازنة مع الأجنبي. ولو كان سيضمن حقوق العامل والحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة، فلا شيء كان يمنعنا من التحالف معه.
كان من المفترض أن تكون مسودّة الدستور جاهزة في شهر جويلية. ما الّذي عطّل أشغال كتابة الدستور؟
كان هناك عمل كبير على مستوى اللجان لتكون المسودّة جاهزة في شهر جويلية. ولئن تقدّمت أعمال معظم اللجان، فإنّ خلافا يعطّل أعمال لجنة السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة والعلاقة بينهما حول انتخاب رئيس الجمهوريّة وصلاحياته. ووقع التوافق على أن تحال هذه المسألة الخلافيّة إلى الجلسة العامة. ورغم ذلك، لم يحترم نائب رئيس الجنة هذا التوافق وحاول استغلال غياب الرئيس وبعض الأعضاء للتصويت بما يتّفق وخيارات النهضة. المصادقة على الدستور ستتمّ، كما هو معلوم، بالتصويت فصلا فصلا بالأغلبية البسيطة، والتصويت على كلّ الدستور بأغلبيّة الثلثين مع إمكانيّة اللجوء إلى الاستفتاء في حالة عدم الحصول على هذه الأغلبيّة. حركة النهضة تدفع نحو نظام برلماني فيه صلاحيات شرفية للرئيس. لكن الخبراء أجمعوا أنّه من الأفضل لتونس أن يكون الرئيس منتخبا وله صلاحيات سياديّة. وأعضاء النهضة يظنّون أنّه يمكنهم أن يجيّشوا الشارع في حالة اللجوء إلى استفتاء لصالح خياراتهم. في حين أنّ بإمكانهم إذا أرادوا أن تتماهى مع خيار الأغلبية (جميع الأطراف في المجلس مع نظام برلماني معدّل، بما في ذلك بقيّة أعضاء الترويكا) ويجدوا حلا توافقيّا. لنتصوّر نظاما برلمانيا كما تريده النهضة…تفتّت الأصوات داخل المجلس قد يؤدّي إلى حكومة لا يملك أكبر أحزابها إلا نسبة محدودة من أصوات النواب قد لا تتجاوز 18 أو17 % !!!فالنظام الحالي شبه برلماني وهو لم يستجب لطموحات الشعب إذ أنتج رئيسا فلكلوريا دون مخالب ينظر إليه على أنّه أحد أبناء النهضة الشرعيين، حضوره رمزي إذ عبثت به النهضة كأنها تعبث على الركح. وأنتج كذلك رئيس مجلس تأسيسي يعلم أنّ حزبه مفكّك وينتظر منّة من الحزب القوي لكي يكون رئيس جمهوريّة في نظام برلماني. وهنا تكمن أهميّة الضمانات الانتخابية فالفصل بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية يعطي للمواطن فرصة ثانية لإبداء رأيه، ومازال التونسي غير ذي خبرة ويتأثّر بالأهواء والدليل ما حدث في الانتخابات الأخيرة من صعود غير منتظر للعريضة و المؤتمر.
منذ بداية 2012، لم تقع المصادقة إلا على عدد قليل جدّا من القوانين. كيف تفسّرون تثاقل المجلس في أداء دوره التشريعي؟
عدد كبير من القوانين يحتاج إلى إصلاح جوهري، والنظام الداخلي أعطى الحقّ في المبادرة التشريعيّة للحكومة. المشكل أنّ اللجان التشريعيّة للمجلس التأسيسي لا تجتمع بصفة دائمة في ظل العمل التأسيسي المتراكم. الملاحظ أنّه ليست للنائب آليات العمل التشريعي المضني كما أنّ بعضهم يفتقد إلى الجديّة اللازمة. وتدخل كذلك الظروف المادية في الحساب: ” ناس تخدم في 3 لجان وناس ما تخدم في حتّى لجنة”. في اللجنة الّتي أنشط بها (لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية)، وجدنا أنّ بعض المشاريع، رغم اختصاصنا بالنظر فيها، لا تعرض علينا أو تعرض بطريقة ارتجاليّة…المجلس الآن يحمّل أكثر من طاقته، وقد كان ثمة مقترح ممتاز من قبل مصطفى بن جعفر للجنة خبراء تتفرّغ لدراسة القوانين مع استشارة أعضاء المجلس، لكن لم يقع الأخذ بهذا المقترح. بالتالي ستبقى نقائص في العمل التشريعي ينبغي تداركها من البرلمان القادم. ومقارنة مع العهد السابق، كان هناك مختصّون في الماضي يعدّون مشاريع القوانين ويعرضونها على مجلس النواب الّذي يكاد دوره يقتصر على المصادقة. أمّا اليوم، فإنّ تضخم عمل الحكومة أثّر على ممارستها لحقّ المبادرة التشريعيّة، فمشاريع القوانين الّتي تقدّمها هي ذات طابع سياسي (كمشروع قانون إقصاء التجمعيين) وكان من الأجدى مثلا أن تقدّم مشروعا حول هيئة الانتخابات. وتغييب العمل التشريعي هو مقصود من الحكومة، والدليل هو هذا التعامل الانتقائي مع مشاريع القوانين. هنا أعيب على النواب، وأنا منهم، غياب الآليات الضروريّة لعملهم. وقد كان علينا إحراج الحكومة بتقديم مشاريع جادة لقوانين بالتشاور مع المجتمع المدني.
بعيدا عن المسائل التقنية، وفي ظلّ عزوف عدد كبير من التونسيين عن ممارسة حقّ الانتخاب والاغراءات الّتي قد تكون أثّرت على خيارات بعض الناخبين، كيف تمكن عقلنة الخيار السياسي للمواطن التونسي بما يمكّن من تعزيز مشاركته في الحياة العامة؟
المسار الانتقالي الأول فيه نقائص ينبغي على الحكومة تداركها في المسار الثاني. ولعلّ أهمّ الأخطاء يكمن في مستوى الإعلام إذ تمّ تضخيم الثورة والنفخ في صورة انتخابات 23 أكتوبر ممّا أوقعنا في خطاب ديماغوجيّ. قيل عن الانتخابات أنّها “حرة ونزيهة”، وهي كذلك، ولكن مع ضرورة التنسيب والالتفات إلى النقائص العديدة الّتي شابتها. ورغم مجهود الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات لتكوين الجسم الانتخابي، إلا أنّ المشاركة السياسيّة للتونسيين كانت محدودة، وذلك شيء مفهوم، فهم لم يعرفوا بعد من هم القنّاصة وكيف ستتم المحاسبة، كما أنّ الشعب يضمّ مليوني تجمعي انضمّوا بعد الثورة لحدائق النهضة الخلفيّة أو العريضة أو غيرها من الأحزاب أو كوّنوا جمعيات أو نقابات أو اختاروا البقاء في بيوتهم. يجب تحقيق مصالحة بين أفراد الشعب، علما وأنّ البعض ممّن يتحدّثون دوما عن الاستقرار هم من الّذين كانوا منتفعين من الفساد مع المنظومة القديمة. يجب توفير ضمانات قانونيّة كافية عبر سنّ قوانين لتنظيم الأحزاب وتجريم المال السياسي وتحيد المساجد وذلك لمقاومة كلّ أشكال التلاعب بالناخب، بما في ذلك التلاعب بعواطفه. من شأن ذلك أن يغرس الأمل والثقة في المواطنين لكي يذهبوا طواعية للانتخابات، ومن لم يشارك في المرحلة الأولى يمكنه أن يشارك الآن في مرحلة البناء. ولا ينبغي أن ننسى الدور الّذي تقوم به الطليعة لمقاومة الإحباط الّذي أصاب التونسيين وجعلهم يرون العهود السابقة والزمن الحاضر سواء.