النائب أحمد السافي (حزب العمال): صياغة الفصل الأوّل من دستور 1959 قد تفضي إلى الدولة الدينيّة (1/2)
|شكل النظام السياسي المقبل…تقدّم عمل المجلس التأسيسي…مسألة الاستقطاب الحزبي. كلّ هذه المسائل تشغل الساحة السياسيّة في تونس اليوم. للحديث عنها، التقت “تونس الفتاة” الأستاذ أحمد السافي، عضو المجلس التأسيسي المنتمي إلى حزب العمّال عن دائرة صفاقس 1 وعضو لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما (لجنة تأسيسيّة) ولجنة الحقوق والحريّات والعلاقات الخارجية (لجنة تشريعيّة) فكان هذا الحوار.
تغيّرت تسمية حزبكم من “حزب العمّال الشيوعي” إلى “حزب العمّال”. ويعزو بيان المجلس الوطني للحزب المؤرّخ في 10 جويلية هذا التغيير بـ” إلى كون الأوساط الشعبية، الكادحة والفقيرة التي ينشط الحزب في صلبها والتي تمثل قاعدته الاجتماعية الطبيعية، تحمل أفكارا سلبية مسبقة على الشيوعية خصوصا في علاقتها بالدين وبالهوية”. هل يعني ذلك أنّ هذا التغيير كان براغماتيّا بحتا دون يأن يعني مراجعة إيديولوجيّة تفيد انتقال الحزب من اليسار إلى يسار الوسط؟
تغيير التسمية طرح منذ المؤتمر السابق. ووجد في الحزب شقّان.الشقّ الأوّل يؤيّد تغيير التسمية تماشيا مع طبيعة برنامج الحزب الإصلاحي والّذي يشدّد أوّلا على ضمان الحقوق السياسية و الاجتماعيّة. فالمرحلة الحالية مرحلة بناء وتأسيس لقيم الجمهوريّة التّي لا تنبع من اشتراكيّة أو شيوعيّة، وهو ما عبّرت عنه لوائح المؤتمر وبرامج قوائم البديل الّتي تتميّز بطابعها الإصلاحي، إذ لم تطرح شيئا من الآليات الاشتراكيّة: كالتأميم.ولحذف عبارة “الشيوعي” دلالة في المرجعيات الاشتراكيّة، فالأحزاب اليساريّة في مطلع القرن لم تكن تطلق على نفسها تسمية الشيوعيّة رغم أنّ الشيوعية هدفها النهائي. وفي تغيير التسمية كذلك تناغم مع خروج الحزب إلى المرحلة العلنيّة، ففي مرحلة السريّة، كانت هناك دعوة صريحة إلى المنهج الشيوعي باعتبار الحزب مقتصرا على جملة من المنخرطين وهم قلّة، باعتبار باب الانخراط غير مفتوح للعموم، وبالتالي فالتسمية لم تكن تطرح مشكلا في القواعد. أمّا العلنيّة فتستوجب تكتيكا جديدا وآليات عمل جديدة.فلتوسيع قاعدة الأنصار، كان لا بدّ تسمية جامعة لا تقتصر على بعض المناضلين وتتلاءم مع برنامج الحزب الإصلاحي.ووجد في الحزب شق آخر يؤيّد الحفاظ على التسمية وشعار المطرقة والمنجل. فخيّر المؤتمر الانحياز لشق الشباب وهو قرار اتّخذ بطريقة ديمقراطية و هدف إلى حفاظ على الوحدة وتفادي الخلافات. وهذا التغيير لا يعني تغييرا في المرجعيّة كما كان الحال مع حركة التجديد الّتي غيّرت تسميتها تأثّرا بالبيريسترويكا والجلاسنوست في الاتحاد السوفياتي. حزب مفتوح للشغالين والفلاحين والأجراء وأصاحب المؤسسات الشرفاء. والتسمية مسألة مطروحة حتّى في تحالفاتنا خاصة أنّ سيّء الجانب العقائدي وظّفه خصومنا ضدّنا، فرميت الشيوعيّة بالإلحاد ووجد من لا يقدر على التشكيك في تاريخنا النضالي مدخلا للقدح فينا من هذه النقطة، والحال أنّ الشيوعيّة هي مقاومة الاستغلال أينما وجد. لذلك رأينا تغيير الإسم احتراما لعواطف الناس المتمسكين بدينهم والمستريبين من لفظ الشيوعيّة وكنّا أكدنا في لائحة البديل الثوري على احترام الدين الإسلامي باعتباره دين الأغلبيّة. واليوم، كحزب طالما تماهى مع شعبه، نركّز خاصة على توسيع قاعدة المشاركة الشعبيّة وإدراج حقوق العمّال في الدستور والدولة المدنية.
ولكن هناك أجزاء من برنامج قائمات البديل الثوري تدعو إلى الاشتراكيّة كإلغاء المديونيّة وتأميم المصالح الحيويّة والاستراتيجيّة؟
برنامجنا يشبه ما هو معمول به في الدول الاسكندينافيّة الّتي تتّبع الاشتراكية الديمقراطيّة. وهي تكرّس الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة مع إقرار دور تعديلي للدولة إضافة إلى التوزيع العادل للثروات وإقرار حق العمل اللائق. هذه ليست قيما اشتراكيّة، بل بالعكس، هي قيم البرجوازية الوطنية منذ الخمسينات. ويبقى المبدأ هو المبادرة الفرديّة، لكن تتدخّل الدولة في القطاعات الحيويّة والاستراتيجيّة لتعدّل الميزان (الصحّة والتعليم…). وتكون الدولة مجبرة على توفير هذه الحقوق للمواطنين، وإلا يمكن مساءلتها. أمّا إلغاء المديونيّة فليست فكرة اشتراكيّة، فالتداين الخارجي لابدّ أن يخضع إلى ضوابط وإلا كان مسا من سيادة الدولة، كما حصل في تونس في القرن التاسع عشر، ونحن نرفض الاتفاقات غير المتوازنة الّتي تفرض علينا. وإلغاء ما يندرج في إطار منوال جديد نقترحه هدفه توفير مداخيل إضافيّة (تزعم الحكومة عدم توفّرها) لتحقيق التنمية، وذلك إلى جانب استرجاع الأموال المنهوبة وفرض ضريبة استثنائيّة على الثروات الكبرى واصلاح النظام الجبائي غير العادل حيث تخسر الدولة 15 ألف مليار سنويا من جرّاء التهرّب الضريبي لأصحاب الثروات بينما يقع حمل الجباية على الأجراء والموظفين. كلّ هذه المقترحات استقيناها من تجارب الدول الّتي مرّت مثلنا لمرحلة الانتقال الديمقراطي كالمكسيك والأرجنتين، وليست بالضرورة تجارب اشتراكيّة. وإلى الآن لم نجد جوابا علميّا يقارع الحجّة بالحجّة على هذه المقترحات، إذ يكتفي خصومنا بوصفها توصف بغير الواقعيّة دون أن يناقشوها ودون أن يقدّم مقترحات جديّة للخروج من الأزمة، في حين أنّ السياسة فنّ الممكن، فلم لا لا يقع اختبار مثل هذه الحلول؟
يبدو أنّ هناك توافقا بين مختلف الأطراف للمحافظة على صياغة الفصل الأوّل من دستور 1959. هل تعتبرون هذه الصياغة كافية لحلّ الإشكال بين الدين والدولة، لا سيما وحزبكم يدعو إلى الفصل بينهما؟
طرح الإشكال في دستور 1959، حيث أنّ صياغة الفصل الأوّل لم تكن واضحة، فعلى من تعود واو العطف في عبارة “والإسلام دينها”، أ على الدولة أم على تونس؟ هذا الفصل ذلك يتناقض مع فصل لاحق يكرّس حريّة المعتقد.ويبدو أنّه لم يكن سهلا على المجلس القومي التأسيسي في تلك الفترة التنصيص على الدولة المدنية. فصياغة الفصل الأوّل غامضة، وسنكون واضحين وندعو إلى إعادة صياغته للتنصيص بوضوح على أنّ تونس دولة مدنيّة. فصياغة الفصل الأوّل من دستور 1959 قد يقع توظيفها للعودة إلى الدولة الدينيّة خاصة إذا تمّ تكريس هيئة افتاء في الدستور الجديد.
برنامج البديل الثوري يدعو إلى نظام برلماني. هل نفهم من ذلك أنّكم تتوافقون مع حزب النهضة في هذه النقطة؟
نحن اقترحنا النظام البرلماني تجاوزا للنظام الرئاسي التقليدي الّذي تحوّل إلى نظام فردي دكتاتوري. وربطنا نجاح النظام البرلماني بتوسيع دائرة الانتخاب وإحداث مجالس جهوية منخبة وتكريس الديمقراطية المحليّة وإحداث مجلس وطني للجهات. نحن نلتقي مع النهضة في عديد النقاط، لكننا نرى أنّ البرلمان لا بدّ أن يكون ثنائيّ الغرف، ولا بدّ من ثنائيّة حزبيّة لكي ينجح مثل هذا المجلس كما لا بدّ من تكريس هيئات مستقلّة للإعلام والانتخابات وسنّ قانون للإعلام السياسي، كلّ هذا لكي لا نقع في وضعيّة كوضعيّة الترويكا الحالية المنبثقة عن أقل من نصف الناخبين. فحزبنا يدافع عن نظام برلماني يمكن فيه للحكومة حلّ البرلمان ويمكن للبرلمان سحب الثقة من الحكومة ولكن إذا لم تتوفّر الضمانات سابقة الذكر فلا بد من اختيار الرئيس من الشعب مباشرة بعد مدّة معيّنة من انتخاب البرلمان (حتّى يتاح للناخبين مراجعة خياراتهم) ويخضع لرقابة السلطة التشريعيّة والمحكمة الدستوريّة ويتدخّل في الأزمات بين المجلس والحكومة ويكون حكما بينهما، ليكون النظام المطلوب برلمانيّا معدّلا لا سيما وأنّنا لاحظنا أنّ التونسيين يريدون رئيسا قويّا. لكن النظام البرلماني ليس هدفا في ذاته، فالمهمّ بناء نظام ديمقراطي أساسه سيادة الشعب ويكرّس حق الاعتراض والاستفتاء الشعبي.والملاحظ أنّ جميع الأنظمة المقترحة أنظمة غربيّة لها ما يبرّر اعتمادها في تاريخ الشعوب. لا بدّ من نظام مستمدّ من الخصوصيّة الثورية التونسيةالّتي بنيت على قيم الشغل والعدالة والكرامة والحريّة والمساواة. فإذا نظرنا إلى النظام برلماني الخالص، نجد أنّه قد يؤدّي إلى تصدع كما هو الحال الآن عندنا. وهو يحمل في طيّاته بذور حالتين مرفوضتين: عدم الاستقرار إذا لم تكن هناك أغلبية واضحة من جهة وتغوّل الأغلبية الّتي تجمع السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة من جهة أخرى. النظام المختلط كذلك ليس هو الحلّ الأمثل، وتجارب حكومات التعايش في فرنسا مثال على مخاطر مثل هذه التجربة.
(يتبع: الجزء الثاني)