تغيير
|“People are anxious to improve their circumstances, but unwilling to improve themselves. They therefore remain bound”.
James Allen.
قد تساورك الرغبة أحيانا في التغيير.تغيير عملك أو دراستك، أو تغيير دخلك الشهري، أو تغيير معاملة الآخرين لك، أو تغيير حال البلاد، أو تغيير وزارة الداخلية.. قائمة طويلة مما قد تريد تغييره.
ستبدأ بمحاولة تغيير ما من حولك، و لكن الأمر لن يكون سهلا: يصعب أن تجد عملا آخر أو دراسة أخرى و أنت لم تكد تجد ما أنت فيه. و يعسر أن تغيّر معاملة الآخرين لك و قد تعوّدت عليهم و تعوّدوا عليك. و قد يستحيل أن تجعل من أعوان الداخلية حمائم بيضًا و قد تدرّبوا لسنوات على التعنيف و الضرب و الارتشاء و التحايل.
ربّما تيأس. و ربّما تجد أن التغيير صعب و أنه يحتاج وقتا. و مع الوقت تسلّم أمرك و تعود إلى ما كنت عليه. بدون رغبة في التغيير.مختارا الحل الأسهل. قانعا بما أنت فيه. راضيا مكتفيا. غير طامع أو طامح إلى شيء ‘صعب’ و ‘مستحيل’.
ما دمت تفكّر بنفس الطريقة فلن يتغيّر شيء.
و لذلك فإن أغلب الناس تواصل الحصول على نفس ما كانت تحصل عليه دائما.
سيتقدّم بك الزمان و تعاودك الرغبة في التغيير من جديد. و ستنطفئ الرغبة بسرعة من جديد. لتبقى دار لقمان على حالها: نفس العمل الممل. نفس الراتب الذي لا يكفي. نفس الحي المزعج. و نفس البوليس الفرعوني.
و بالمثل، فإن وزارة الداخلية هي الأخرى قد تيأس من التغيير ما دامت ‘تفكّر’ بنفس الطريقة. هذا إن كان في هذه الوزارة من يعرف معنى للتغيير أو التفكير.
” أطلِــقِ الجرذان بالليل
و صِحْ ‘هل من مبارز؟’ ”
لم يكن ابن الرومي يقصد وزارة داخلية بلد بعينه. لا و لم يكن يقصد جرذان القذافي. و لكن وزارة الداخلية بتونس تعوّدت أن تسلك نفس ما قصده الشاعر: سلوك الادّعاء الباطل. سلوك افتعال المشاكل لإيجاد الحلول للمشاكل.و هي الطريقة التي يقع استعمالها لترويج و بيع السلع و المنتجات-الإشهار.
أن تخلق الحاجة في ذهن الفرد بالتكرار بكل الوسائل-الإعلام و الجدران و المحطات و حتى الأرض و السماء.
الحال هنا أن الوزارة تبحث عن الإشهار و تبحث أيضا عن بيع منتجها –الأمن – باختلاق الحاجة إليه: بافتعال الفراغ الأمني- بتغييب الأعوان عن الطرقات و الملاعب – بتسهيل السرقات و الحرائق و هروب المساجين – بالتباطؤ في النجدة –و تكرار كل هذا و غيره.
و بماذا ستشتري الأمن؟ بأي مقابل؟ ابحث عن الإجابة بنفسك:
يوم 14 جانفي عندما اشتدّت المطالبة بالتغيير، نُشرت القناصة في البلاد و أُحرقت السجون و المحلات و نُهبت المغازات و البيوت. ربّما تعتبر الأمر عاديا في البداية. و لكنه يصبح غير عادي عندما يتكرر في اعتصام القصبة 1 و 2 و 3. و ربما تفهم أنه مقصود عندما تتذكر الفيلم الشهير لسرقة البنك بالقصرين. و قد تنتبه إلى خطورته عندما تعود إلى الثمانينات حينما افتعل بن علي تفجيرات في المنستير و سوسة ليحكم الخناق على الأجساد و النفوس.
لا أرى استعدادا للتغيير في السياسة الأمنية للبلاد. سمعت حديثا عن رغبة في التغيير. و لكني لم أر فعلا. فالرغبة وحدها لا تكفي. لأنها سريعة الانطفاء.
تغيير الفعل يتطلّب تغييرا في العادات و هو ما يستوجب تغييرا في الأهداف ممّا يستلزم تغييرا في القيم.
أن تصبح قيم التعاون و المحبة هي حجر الأساس في ذهن كل عون أمن، لهو اليوم ضرب من الخيال.
إذ من غير الممكن لشخص أن يغيّر قيمًا آمن و تدرّب عليها لنحو ربع قرن-و ربّما نصف قرن- في ظرف شهر أو نصف سنة، خاصة مع غياب الاستعداد و الرغبة والدافع للتغيير.
لماذا سيتغيّر البوليس مادام في موقع ‘القوّة’ مسيطرا على الأجساد و النفوس؟ لا شيء يدعوه إلى التنازل عن هذه ‘النعمة’ التي افتكّها لنفسه و منحها له الناس.
و الأهم من ذلك: كيف سيتغيّر ما لم يتلقّ حثا على التغيير و متابعة لصيقة للتغيير و دروسا و تدريبا على التغيير؟
لا بد للإنسان أن يتفرّغ لتغيير نفسه كلّما شاء تغيير العالم من حوله.
إذ لن يتغيّر شيء في حياتك ما دمت تنتظر أن يتغيّر لوحده.
لا و لن يتبدّل التعامل الأمني ما لم ترغب أنت في تغييره و تطالب و تعمل على ذلك.