تونس: ديمقراطية ناشئة أم دكتاتورية ناشئة ؟
|[et_pb_section admin_label=”section” fullwidth=”off” specialty=”on”][et_pb_column type=”3_4″ specialty_columns=”3″][et_pb_row_inner admin_label=”row_inner”][et_pb_column_inner type=”4_4″ saved_specialty_column_type=”3_4″][et_pb_text admin_label=”النص”]
بقلم: محمّد حمدي
1- مدخل
ورد في تقرير اللجنة العلمية لدراسة الشخصية المستبدة بالولايات المتّحدة الأمريكية ما يلي :
“إنّ الاستبداد ظاهرة تعويضية فتتوفر الشخصية المستبدة بشكل عام في الأشخاص فاقدي الثقة بأنفسهم الّذين لم ينجحوا أبدا في تكوين شخصيتهم تكوينا متكاملا مستقرّا يدفعهم النقص الذي يعرفونه من أنفسهم إلى محاولة تعويضه في العالم الخارجي…ويؤدي كل هذا إلى نزوع عدواني مختلط بالحقد على كل من لا يوافقهم الرّأي…وهم عندما ينشؤون أحزابا فإمّا أن تكون أحزابا إرهابية وإمّا أن تكون من الإمّعات من الناس من ضعاف الشخصية …”(1)
هكذا عرّفت الدراسة الاستبداد والشخصية المستيدة التي تنعكس سلوكاتها على الحكم والدولة وتعادي أي تمظهر ديمقراطي بالمفهوم الديمقراطي السليم أي حكم الشعب نفسه بنفسه …
قد يرى البعض إن زمن الاستبداد ولّى بإنتشار الأفكار الديمقراطية كآلية للحكم تسمح للشعب بالتعبير عن رغبته وإرادته في إختيار حاكمه …لكن هل أن الاستبداد ولّى فعلا وأنّ زمن الطغاة انتهى كظاهرة لحكم المجتمعات والدول ؟؟ أم أنّ للاستبداد تمظهرات أخرى تجعله يستمر تحت أسماء مستعارة ؟؟ هل تلبّي الديمقراطية الغربية حاجة الانسان للحكم الديمقراطي ؟؟ هل ما نراه الآن في تونس تحوّل ديمقراطي أم إستمرار للدكتاتورية بشكل آخر؟
2- من الاستبداد المتخلف إلى الاستبداد الديمقراطي
الاستبداد بمعنى حكم الفرد المطلق هو نمط حكم تقليدي لا زال متواصلا في عدة دول أبرزها ممالك الخليج حيث يسود الطغاة الذين يحكمون بإطلاقية كاملة ويتصرّفون في الدولة كملك خاص وفي الشعب كعبيد ورعايا وهم أعلى من القانون ومن المحاسبة وهذا النمط يسمّى بالاستبداد المتخلف وقد كان سائدا في معظم أنحاء العالم إن لم نقل كله إلاّ أن ظهور حركات معادية للنمط السائد تاريخيا في الحكم غيّر نمط الاستبداد وظهر الاستبداد البرجوازي حيث تغيّر النمط الاقتصادي من الاقطاعي الى ظهور الملكية الفردية وحرية رأس المال وظهور فئة إجتماعية وإقتصادية جديدة تتناقض مع النمط الاقتطاعي فخشي المستبدّون أن يخسروا نفوذهم فطوّروا من نمط الاستبداد وصار نمطا برجوازيا متحضرا خاضعا لعدة قوانين تضبطه وتخضعه لمفردات جديدة وهي الديمقراطية والقانون والعدالة والاخاء …
فحين كانت فرنسا تحتفل بالعيد المئوي للثورة قال أحد الكتاب معبرا عن المفهوم البرجوازي للديمقراطية” إنّ الدولة الديمقراطية تستلزم أن يكون الحكم للصّفوة” هكذا يرى البعض النمط الديمقراطي ” حكم الصفوة ” هذه ” الصفوة التي كانت في الاصل ” صفوة إقطاعية تمارس الاستبداد على العامة ..عدّلت نفسها وواكبت التغير الاجتماعي الحاصل وإبتكرت مفهوما للديمقراطية وأخضعتها لغاياتها وأعادت إنتاج نفسها لتستبد بإسم الديمقراطية وتنظر للشعب على أساس” ان مستقبل الحكم الشعبي يتوقف على شرط صريحه هو أن تكتسي الجماهير الديمقراطية بالتعليم والممارسة”(2)
الديمقراطية على الطريقة البرجوازية هي حكم الأقلية اي الصفوة وبهذا ظهر الاستبداد المتحضر فهي صفوة على أساس مالي. “يقول موريس ديفرجيه: “إنّ صعود البرجوازية في ق 19 قد خلق انطباعا أن السلطة ستقوم فيما بعد على أساس مالي..”ويقول “شومبيتر”ارتقت الطبقة البرجوازية التجارية والصناعية على أنقاض السادة الاقطاعيين بفضل مهارتها في شؤون المال” (3)
إنّ التعبير الحالي عن الديمقراطية يكون بواسطة المجالس النيابية ومجالس الشيوخ والجمعيات المدنية والأحزاب والمنظمات مع هامش من الحريات الفردية المقنّنة والخاضعة جميعها لقوانين ضبطتها ” الصفوة” للحفاظ على مصالحها وإستبدادها.
لونظرنا إلى ما حصل في تونس منذ حراك 17 ديسمبر ولو تأملنا في أسبابه العميقة ثم مآلاته وما وصلنا إليه الآن فإنه يحق لنا أن نطرح سؤالاً ..هل نحن في طريق الديمقراطية ولو على الشاكلة الغربية أم في طور إعادة رسكلة الاستبداد ؟
3- حراك 17 ديسمبر: الأسباب، الغايات، المآل
قبل أن نحدد هل نحو في طريق الديمقراطية ام لا ؟ علينا أن نلقي تظرة بسيطة وموجزة حول إرهاصات الوضع الحالي وأسبابه.
إنّ حراك 17 ديسمبر كان بالاساس حراكا اجتماعيا نتيجة عوامل إقتصادية وسياسية انعكست على الوضع الاجتماعي وولدت حالة من الاحتقان أدّت إلى تفجيره. إن السياسات الاقتصادية المتبعة منذ الاستقلال كانت تستثني الدواخل من أي عمل تنموي واعبرها مجرد أماكن للمجبى واليد العاملة والمواد الأولية وقد استمر هذا التهميش لعقود مما ولّد فجوة اقتصادية واجتماعية بين الجهات أو بين تونس المفيدة وتونس المستفيدة وبدت ملامح هذا التهميش تبرز عقدا تلو آخر مما أدّى الى هذا الحراك الاجتماعي الذي كانت مطالبه واضحة: التشغيل والتنمية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجهات وهو ما يحيلنا تاريخيا على أنتفاضة 1864 التي رفعت شعارات ” لا للمجبى، لا للدستور، لا لحكم المماليك” نفس الشعارات تقريا ترفع مجددا بعد عقود عديدة إلاّ أن المآل كان متشابها تقريبا: إجهاض الحراك وتحويل وجهة مطالبه في كلا الفترتين، وعادت الفئة الحاكمة لتلتف على أهداف الحراكين وتعيد الامر لبدايته…
إن المطالب لن تتحقق لتعارضها مع مصالح فئة حاكمة لها ارتباطاتها الداخلية والخارجية ولها مصالحها المالية أساسا فهي تتعارض تماما مع اهداف الحراك وتتناقض معه.
لقد سعت هذه القوى إلى امتصاص حالة الغليان وأجهضت بأساليب عدة الحراك ولعل أكبر طريقة للإجهاض هي مفهومها للديمقراطية، إذ سعت إلى خلق مفهوم سطحي للديمقراطية يقتصر على شكليات مثل تعدد الاحزاب حريات فردية محددة حرية اعلام نسبيا حرية تعبير شكلي … دون المساس من أصل المشكل والحديث عن الديمقراطية الاجتماعية التي تطال أساسا المنوال الاقتصادي وتغيره وبه تتحقق. فلا يمكن الحديث مطلقا عن ديمقراطية حقيقية دون تغيير النمط الاقتصادي السائد. لذلك سعت هذه القوى إلى تحويل المطالب ووجهتها إلى مطالب شكلية لا صلة لها بأسباب الحراك وأهدافه. إذ جعلت السقف الأقصى دستورا وانتخابات وحريات شكلية وتعدد احزاب… حيث أعادت المنظومة الرأسمالية وبارونات المالية تشكيل نفسها وتأقلمت مع المتغير وتبنّته شكلا لا مضمونا… حتى جاءت مهزلة 23 اكتوبر 2011 لتنهي الحلم في إنشاء ديمقراطية حقيقية شعبية تلبي طموح الجماهير في الاستفادة من السلطة والثروة. واستمرت المهزلة إلى الآن وظهر دستور يخدم فئة دون أخرى فئة تتبنّى الديمقراطية على النمط البرجوازي…
هل بعد هذا يمكن أن نتحدث عن نشأة ديمقراطية في تونس؟؟
إنّ الحكومات المتعاقبة منذ 14 جانفي تاريخ الانقلاب وتاريخ بداية إجهاض الحراك كانت كلها قوى من المنظومة القديمة معادية أصلا للحراك وأهدافه وسعت بمساعدة أشباه المثقفين الذين تواطؤوا معها وكانوا إصلاحيين الى اجهاضه وقتل أهدافه وحتى حكومات مابعد 23 أكتوبر كانت قوى ردة طامحة للحكم لا غير ذات ارتباطات خارجية راهنت على القوى الغربية ولم تراهن على الشعب…لقد تم إجهاض السعي لإنشاء تجربة ديمقراطية في تونس وسعت هذه القوى بتحويل الاهتمامات من تنمية وتشغيل وعدالة الى مسائل أخر كالكفر والإيمان …
4- عودة الحرس القديم
إنّ أكبر دليل على فشل محاولة إنشاء ديمقراطية في تونس هو عودة المستبدين القدامى وعودة المنظومة القديمة التي سعت بكل جهدها لإعادة الرسكلة والتكيف وإعادة إنتاج نفسها لجل الاستدامة والهيمنة كما يرى بورديو وباسرون.
لقد ساهمت حكومات مابعد 23 اكتوبر في غعادة الحرس القديمة وذلك بـ:
- عدم المحاسبة والملاحقة
- السماح لبعضهم بمغادرة البلاد
- الدفاع عن بعضهم وإعادتهم لمراكز في الدولة
- السماح لهم بالظهور العلني في وسائل الاعلام
- السماح لهم بإنشاء أحزاب
إنّ قوى الرّدة هي التى كانت بألأساس عدوّة للتجربة الديمقراطية في تونس وأجهضتها وأنشأت بدلا منها دكتاتورية رجعية ناشئة تكرّس الاستبداد والفساد بإستعمال الدستور والقانون…
تلك هي ديمقراطية البرجوازية المعادية للديمقراطية الشعبية التي تكرّس حكم الشعب لا حكم الصفوة.
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــ
(1) و (2) و (3) عصمت سيف الدولة، الاستبداد الديمقراطي، دار البراق للنشر.
[/et_pb_text][/et_pb_column_inner][/et_pb_row_inner][/et_pb_column][et_pb_column type=”1_4″][et_pb_sidebar admin_label=”Sidebar” orientation=”right” background_layout=”light” area=”sidebar-1″ remove_border=”off”] [/et_pb_sidebar][/et_pb_column][/et_pb_section]