عن الإبادة الجماعية في فلسطين وصراع السرديات

بقلم: أحمد بلال القطّي

عالم على وشك التلاشي … مقدّمة خارج السياق

إنّ العمل الأكاديمي، في جوهره، هو ممارسة حرّة وعقلانية، تستبطن ما هو إنساني للمساهمة في خلق الفكر والإبداع من خلال البحث عن الحقيقة دون تكلّف أو ازدواجية أو مزايدة. إنّها بالفعل ممارسة حرّة للحقيقة بقدر ما هي ممارسة حقيقية للحرّية.

 وتختزل مواقف الباحث والمثقّف من قضايا الواقع المعقّد نظرته للعالم والعلاقات والبنى القائمة، كما تكشف عن مقارباته في فهم شروط الحياة البشرية. فمن خلال بحثنا عن الحقيقة، نعكس نظرتنا للعالم ونبني معرفتنا بالإنسان ونساهم في تأثيث وجوده في العالم.

وننطلق في تكوين مواقفنا من جملة المسائل والقضايا في واقعنا من نظرة إنسانية عميقة جوهرها البحث عن الحقّ وهدفها الأسمى تحقيق العدل بعيدا عن أي تأثير لعوامل دينية كانت أو عرقية أو أيديولوجية، أو على الأقلّ هكذا كنّا نظنّ.

فقد كشف العدوان الصهيوني الوحشي على قطاع غزّة والمستمر حتّى لحظة كتابة هذا المقال، بؤس هذا العالم وزيف شعاراته وتشريعاته. كما فضح ازدواجية المعايير فيه وأسقط الأقنعة من خلال المواقف المخزية للبعض، وأطلق جوقة المدافعين عن جرائم الاحتلال والمفسّرين للقانون الدولي وفقا لهويّة الجلاّد والضحّية، حتّى استحالت المقاومة إرهابا والبربرية والهمجيّة والتعطّش للدماء من طرف الاحتلال إلى دفاع مشروع عن النفس. وهو ما أطلق يد الاحتلال مستغلاّ ازدواجية المعايير التّي تحكم مواقف دول وجهات مختلفة لارتكاب المجازر والجرائم في غزّة والضفّة وفي كلّ فلسطين المحتلة.

فضحت دماء الفلسطينييّن في غزّة سياسة الكيل بمكيالين تلك، وكشفت الوجه الحقيقي لدعاة حقوق الإنسان والقانون الدولي من سياسييّن وناشطين وباحثين أكاديمييّن وغيرهم، كما كشفت عن هشاشة المفاهيم وسهولة التلاعب بها أو قلبها، وغلبة منطق أفضلية أو علوية فئة من البشر على حساب أخرى. 

إنّ السكوت على هذه الجريمة الهمجية التّي يشنّها الكيان الصهيوني على المدنييّن العزّل في غزّة، هو أبرز دليل على حاجتنا أكثر من أي وقت مضى لوضع سرديات ورؤى خاصّة بنا للعالم والشروع في بناء معرفة ثورية مقاومة. فالعالم لا يتكوّن من ذرّات فحسب، بل قوامه الأساسي هو القصص التّي تسرد فيه وعنه. وقد تبيّن للجميع أنّ أولئك الذّين يسردون القصص يحكمون العالم. فحقّ الشهداء ممّن قضوا في غزّة علينا، هو أن نحفظ أسمائهم ونسرد قصصهم، وأن نقدّمهم للعالم لا كما يصوّرهم العدوّ الصهيوني، بل كما كانوا، محبّين للحياة مقبلين عليها. يجب أن نذكرهم دائما لكيلا ننسى ولا نغفر ولكي يتذكّر الجميع وجه الشرّ ويفقهوا الفظاعات التّي تحدث عندما ينتصر الشرّ ويطغى.

تثبيت السردية الصهيونية… “العربي الفلسطيني الجيد هو العربي الفلسطيني الميت”

كلّما استعمل الكيان الصهيوني آلة القتل المخوّلة أمريكيا ليستبيح بها دماء الأطفال والنساء من الفلسطينيين، عادت عدد من السرديات التوراتية والتلمودية لتظهر إلى السطح في الأوساط الصهيونية داخل الأراضي المحتلة، وليتمّ تناولها إعلاميا لتغذية خطاب الكراهية الموجّه للاستهلاك الداخلي في كيان الفصل العنصري. وذلك لتبرير ما يحدث من تصفية عرقية وإبادة جماعية للفلسطينيين في غزّة والضفّة ولبنان في الماضي (مجزرة صبرا وشاتيلا). وهو ما يدفعنا إلى البحث في هذه السردية وتقديمها للرأي العام العربي، لا استنادا إلى سرديات أسطورية على غرار المجتمع الدولي وحقوق الإنسان واتفاقيات جينيف وتشكيلة واسعة من النفايات الصلبة الأخرى التّي تبيّن أنّها مجرّد شعارات للاستهلاك الإعلامي، بل من أجل فضح ممارسات هذا الكيان وإسكات أصوات النشاز المتصاعدة من المتصهينين بيننا من الداعين للتطبيع والمتربّصين بالمقاومة.

اعتمدت السردية الصهيونية التي أسست للحق التاريخي والديني لليهود في فلسطين، على عملية إنكار الآخر (العربي الفلسطيني) وتصويره بشكل بشع وتشويه صورته أمام الرأي العام العالمي، ووصفه بشكل دائم بالمخرب والمجرم والكاره للعلم والحياة. سردية وقع تكريسها واقعيا مع تسلل قيادة منظمتي الهاجاناه وإيتسل الإرهابيتين، اللتين ترجمتا هذه السردية لإجراءات محسوسة تتمثل في سياسة التطهير العرقي والإبادة والتهجير مجسّدين بذلك مقولة أنّ “العربي الفلسطيني الجيد هو العربي الفلسطيني الميت”، وهكذا رددوها لأجيال حتى يومنا هذا.

نسأل في هذا الصدد سؤالا محوريا، قبل الغوص في تحليل السرديات التّي يستعملها العدوّ الصهيوني لتبرير جرائمه من إبادة جماعية وتصفية عرقية في حقّ الشعب الفلسطيني. وهو سؤال مرتبط بالإصرار الصهيوني على تغييب الفلسطيني وحقوقه لا في الأراضي المحتلّة فحسب بل في كلّ أرجاء المعمورة، ومدى ارتباط هذه الحالة بالإيديولوجية الصهيونية ومقولاتها التّي تأصّل نظريا وعقائديا وممارسة موقفها من الفلسطيني خصوصا والعربي عموما. كما نسأل عن أيّ علاقة لهذه الإيديولوجية بالميكانيزمات الصهيونية المرتبطة بالدفاع عن النفس والبقاء المتوحشة.

وتقتضي منّا الإجابة عن هاته التساؤلات، تحديد العلاقة بين الصهيونية واليهودية والكشف عن الخيط الرفيع الفاصل بينهما من جهة وتحليل الأفكار المحورية والأساطير المرتبطة بالبناء الأيديولوجي الصهيوني الذّي لا يعترف بالآخر.

إنّ العلاقة التّي تربط الأيديولوجية الصهيونية بالديانة اليهودية علاقة استلاب بامتياز تقوم على ثلاثة مستويات مركّبة أوّلها مرتبط بالموقف الرافض للدين اليهودي، والثاني على علاقة باستغلال السرديات الدينية التوراتية لاكتساب شرعية الوجود وتجنيد الجماهير وتبرير القتل وارتكاب المجازر، وثالثها مرتبط موضوعيا وعضويا بالأفكار السياسية للإيديولوجية الصهيونية المستقاة من الأفكار الدينية اليهودية. تكشف هذه المستويات الثلاث محاولة الأيديولوجية الصهيونية استلاب اليهودية عن طريق إعادة صياغتها على أسس قومية وعرقية من أجل إضفاء شرعية على مشروعها الإحلالي في المنطقة.

إنّ الفكرة المحورية التّي تدور في فلكها الإيديولوجية الصهيونية تقوم في الأساس على منطلقات فرضية عنصرية، أساسها التفوّق العرقي اليهودي واختلافه عن بقية شعوب الأرض مكرّسة بذلك أسطورة “اليهودي الخالص والعربي الغائب”. فبقية شعوب الأرض حسب الإيديولوجية الصهيونية العنصرية هم “أغيار” لا يمكن الاندماج معهم، لذلك فإنّ قيام إسرائيل المتخيّلة يبدأ بتصفية وتغييّب الوجود العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلّة. حيث يرى عدد من المفكّرين الصهاينة بأنّ القبول بالأمر الواقع والاندماج مع العرب والفلسطينيين هو “خطر يهدّد الحياة اليهودية” وذهب البعض الآخر إلى أنّ الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلّة هو “خطيئة ” و”جريمة” و”عار” يحطّ من كرامة اليهودي.

لقد وظّفت الحركة الصهيونية تلك الأساطير العنصرية من خلال تقسيمها للعالم ليهود وأغيار في تبنّي موقفها المبدئي من الإنسان العربي الفلسطيني، وهي تكرّس ذلك المبدأ واقعيا لا فقط من خلال تشويه الصورة وتزييف الحقائق بل من خلال عمليّة تغييّب ممنهجة للعربي والفلسطيني سواء بالقتل أو الإبادة أو التهجير.

غزّة: إبادة جماعية تستهدف النساء والأطفال

إنّ الإبادة الجماعية متجذّرة في التاريخ الإنساني، وهي مرتبطة عادة باستهداف الذكور البالغين للجماعة والتّي عادة ما ترافقت بالعبودية للأطفال والنساء أو اتخاذ المحظيات من النساء. يصف البطل في أوديسا هومر ما فعله عقب غارته على الأزماروس بالشكل التالي:

«سلبت المدينة وقتلت الرجال. فيما يتعلّق بالنساء والغنائم … فقد قسمتها بصورة عادلة بقدر ما أستطيع فيما بين الجميع. «

وهي عملية تضمن للمعتدي القضاء على الجماعة المعتدى عليها من خلال قطع نسلها وتشتيته من خلال توزيع النساء والأطفال كعبيد ممّا يحدث خللا في الضمير الجمعي للجماعة ويتسبّب في قطيعة لاستمراريته.

كما نجد في التاريخ القديم والمعاصر عمليات إبادة للجذر والفرع، وهي عمليات إبادة تتوسّع إلى ما وراء الذكور البالغين، والجذر هو الأنثى التّي تلد الطفل (الفرع)، وهؤلاء يستهدفون عادة بسبب أنّهم قد يكبرون ليقاتلوا ويأخذوا بالثأر، والجذور من الإناث يستهدفون عادة لقدرتهم على ولادة جيل جديد من المقاومين.  

«الإبادة الجماعية «، تلك كلمة يجب أن تستخدم باعتدال دائماً. حيث هناك العديد من الفظائع والجرائم التّي ارتكبت عبر التاريخ والتي تعتبر بشعة بما فيه الكفاية بشروطها الخاصة دون أن تشكّل إبادة جماعية. لكن ما يحدث في غزّة من إجرام صهيوني، قد توفّرت فيه أركان جريمة الإبادة الجماعية كاملة، وذلك بشهادة عدد من المراقبين والحقوقيين حيث يقول مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان المُستقيل ” كريج مخيبر” الذّي استقال احتجاجا على صمت المنظمات الأممية أمام الأحداث في قطاع غزة بسبب الانفصال بين المعايير والنظم الإنسانية وحقوق الإنسان من جهة، والموقف السياسي للمنظمات من جهة أخرى والتّي تبلغ حدّ محاولات لإسكات الأصوات الداعية لاحترام حقوق الإنسان، الآتي:

عادة ما يكون الجزء الأكثر صعوبة في إثبات الإبادة الجماعية هو النية لأنّه يجب أن تكون هناك نية لتدمير مجموعة معينة كلّيا أو جزئيا. في هذه الحالة، كانت نية القادة الإسرائيليين واضحة للغاية وصرّح بها علنا رئيس الوزراء، الرئيس، كبار الوزراء في الحكومة، القادة العسكريين، ممّا يجعلها قضيّة سهلة الإعداد، إنّه أمر معروف للجميع. إذا تمكّنا من الادعاء بأنّنا نرى جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية كما فعلنا في كثير من الأحيان، فلا يوجد سبب لاستبعاد المكان الذّي نرى فيه أدلةّ قويّة للغاية على احتمال ارتكاب إبادة جماعية. وأعتقد أنّكم ستسمعون ذلك المصطلح أكثر فأكثر فيما يتعلّق بما نشهده في غزّة …  أشعر بثقة تامّة كمحام في مجال حقوق الإنسان عندما أقول أنّ ما أراه يحدث في غزّة وخارجها هو إبادة جماعية.

ولا يكاد يمرّ على بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة شهر واحد، وقد تجاوز عدد الشهداء من الأبرياء العشرة آلاف، بينهم أكثر من 3000 امرأة، كما تجاوز عدد الأطفال الـ 6000 بينهم أكثر من 260 مجهولي الهويّة كما أصيب 6400 ويتمّ الآلاف بالإضافة إلى أكثر من 1200 تحت الأنقاض والأعداد في ارتفاع مستمر، فآلة القتل الإسرائيلية لا تتوقّف مستهدفة كلّ أنواع الأهداف المدنية من مدارس ومستشفيات وكنائس ومساجد.

غزّة: جريمة الإبادة الجماعية استنادا للسرديات التوراتية

لطالما تعمّدت الحركة الصهيونية تمثيل نفسها بالنبيّ داود الذّي قتل بحجر ومقلاع جالوت الجبّار المتمثّل بالعرب، وهي سردية وردت في العهد القديم «وَمَدَّ دَاوُدُ يَدَهُ إِلَى الْكِنْفِ وَأَخَذَ مِنْهُ حَجَرًا وَرَمَاهُ بِالْمِقْلاَعِ، وَضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيَّ فِي جِبْهَتِهِ، فَارْتَزَّ الْحَجَرُ فِي جِبْهَتِهِ، وَسَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. « 1 صموئيل 17: 49. وقد تابع الوهم الصهيوني تثبيت هذه السردية التّي تزعم بأنّها قانون تاريخي منح “القوّة الأبدية لإسرائيل” و”الضعف الأبدي للعرب والفلسطينيين” ممّا دفع لترسيخ هذا الزعم الواهم من طرف القيادات الصهيونية السياسية والعسكرية أنّ قوّتهم في المنطقة تسمح لهم بوضع سقف حدود المسموح والممنوع دون رقيب أو حسيب. 

غذّت الاستعارة التوراتية من قبل الصهيونية آلة الحرب الإسرائيلية المتعطّشة للدماء، حيث ومنذ إنشاء هذا الكيان، سعى القائمون عليه للإشارة في كلّ صراع إلى جملة من السرديات التوراتية والتلمودية التّي تغذّي خطاب الكراهية وتبرّر القتل والإبادة في حقّ الفلسطينيين، وقد وثّق العديدون فتاوى يهودية تبيح للجيش الإسرائيلي قتل النساء والأطفال الفلسطينيين. وتستند تلك الفتاوى إلى أساطير وردت في العهد القديم على غرار قصة المجزرة التي تعرض لها شكيم ابن حمور والتي وردت في سفر التكوين كدليل على النصوص التوراتية التي تبيح لليهود فكرة العقاب الجماعي لأعدائهم وفقا لأخلاقيات الحرب. وقد وردت هذه القصّة في سفر التكوين على النحو التالي «فَحَدَثَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إِذْ كَانُوا مُتَوَجِّعِينَ أَنَّ ابْنَيْ يَعْقُوبَ شِمْعُونَ وَلاَوِيَ أَخَوَيْ دِينَةَ أَخَذَا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ وَأَتَيَا عَلَى الْمَدِينَةِ بِأَمْنٍ وَقَتَلاَ كُلَّ ذَكَرٍ. 26 وَقَتَلاَ حَمُورَ وَشَكِيمَ ابْنَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ وَأَخَذَا دِينَةَ مِنْ بَيْتِ شَكِيمَ وَخَرَجَا. 27 ثُمَّ أَتَى بَنُو يَعْقُوبَ عَلَى الْقَتْلَى وَنَهَبُوا الْمَدِينَةَ لأَنَّهُمْ نَجَّسُوا أُخْتَهُمْ. 28 غَنَمَهُمْ وَبَقَرَهُمْ وَحَمِيرَهُمْ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ وَمَا فِي الْحَقْلِ أَخَذُوهُ. 29 وَسَبُوا وَنَهَبُوا كُلَّ ثَرْوَتِهِمْ وَكُلَّ أَطْفَالِهِمْ وَنِسَاءَهُمْ وَكُلَّ مَا فِي الْبُيُوتِ. 30«سفر التكوين 34: 26-30.

 وقد وردت هذه القصّة بشكل مباشر وواضح في رسالة أرسلها مردخاي إلياهو، خلال عدوان 2008-2009 على غزّة -الذي يعتبر المرجعية الدينية الأولى للتيار الديني القومي في إسرائيل- برسالة إلى رئيس الوزراء إيهود أولمرت آنذاك وكل قادة إسرائيل ضمن نشرة عبارة عن كتيب أسبوعي يتم توزيعه في المعابد اليهودية كل يوم جمعة.

كما وردت أسطورة توراتية أخرى، اعتمد عليها الصهاينة لتبرير إبادة الفلسطينيين على لسان الحاخام شموئيل إلياهو الذّي أفتى في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية رداً على سؤال: هل يجوز قتل النساء والأطفال في الحرب؟ أنه «من الخطأ قتل الأطفال والنساء، لكن في حال كان هؤلاء الأطفال والنساء وسط الرجال من أعداء “إسرائيل”، فإنه من المباح أن يقوم الجيش بما قام به البطل التوراتي اليهودي شمشون من هدم المعبد فوق رأس الجميع بلا تمييز»، وقصّة شمشون هذا وردت في العهد القديم في إشارة واضحة إلى الفلسطينيين كأعداء لليهود وجب قتلهم حتّى إن أدّى ذلك لخسائر في أرواح الأبرياء «23 وَأَمَّا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ فَاجْتَمَعُوا لِيَذْبَحُوا ذَبِيحَةً عَظِيمَةً لِدَاجُونَ إِلهِهِمْ وَيَفْرَحُوا، وَقَالُوا: «قَدْ دَفَعَ إِلهُنَا لِيَدِنَا شَمْشُونَ عَدُوَّنَا». 24 وَلَمَّا رَآهُ الشَّعْبُ مَجَّدُوا إِلهَهُمْ، لأَنَّهُمْ قَالُوا: «قَدْ دَفَعَ إِلهُنَا لِيَدِنَا عَدُوَّنَا الَّذِي خَرَّبَ أَرْضَنَا وَكَثَّرَ قَتْلاَنَا». 25 وَكَانَ لَمَّا طَابَتْ قُلُوبُهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: «ادْعُوا شَمْشُونَ لِيَلْعَبَ لَنَا». فَدَعَوْا شَمْشُونَ مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ، فَلَعِبَ أَمَامَهُمْ. وَأَوْقَفُوهُ بَيْنَ الأَعْمِدَةِ. 26 فَقَالَ شَمْشُونُ لِلْغُلاَمِ الْمَاسِكِ بِيَدِهِ: «دَعْنِي أَلْمِسِ الأَعْمِدَةَ الَّتِي الْبَيْتُ قَائِمٌ عَلَيْهَا لأَسْتَنِدَ عَلَيْهَا». 27 وَكَانَ الْبَيْتُ مَمْلُوءًا رِجَالًا وَنِسَاءً، وَكَانَ هُنَاكَ جَمِيعُ أَقْطَابِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَعَلَى السَّطْحِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ رَجُل وَامْرَأَةٍ يَنْظُرُونَ لِعْبَ شَمْشُونَ. 28 فَدَعَا شَمْشُونُ الرَّبَّ وَقَالَ: «يَا سَيِّدِي الرَّبَّ، اذْكُرْنِي وَشَدِّدْنِي يَا اَللهُ هذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ، فَأَنْتَقِمَ نَقْمَةً وَاحِدَةً عَنْ عَيْنَيَّ مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». 29 وَقَبَضَ شَمْشُونُ عَلَى الْعَمُودَيْنِ الْمُتَوَسِّطَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَ الْبَيْتُ قَائِمًا عَلَيْهِمَا، وَاسْتَنَدَ عَلَيْهِمَا الْوَاحِدِ بِيَمِينِهِ وَالآخَرِ بِيَسَارِهِ. 30 وَقَالَ شَمْشُونُ: «لِتَمُتْ نَفْسِي مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». وَانْحَنَى بِقُوَّةٍ فَسَقَطَ الْبَيْتُ عَلَى الأَقْطَابِ وَعَلَى كُلِّ الشَّعْبِ الَّذِي فِيهِ، فَكَانَ الْمَوْتَى الَّذِينَ أَمَاتَهُمْ فِي مَوْتِهِ، أَكْثَرَ مِنَ الَّذِينَ أَمَاتَهُمْ فِي حَيَاتِهِ. 31 فَنَزَلَ إِخْوَتُهُ وَكُلُّ بَيْتِ أَبِيهِ وَحَمَلُوهُ وَصَعِدُوا بِهِ وَدَفَنُوهُ بَيْنَ صُرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ، فِي قَبْرِ مَنُوحَ أَبِيهِ. وَهُوَ قَضَى لإِسْرَائِيلَ عِشْرِينَ سَنَةً. «سفر القضاة 23 -31.

كما ورد على لسان الحاخام الأكبر لمدينة صفد شموئيل إلياهو «إذا قتلنا 100 دون أن يتوقفوا عن ذلك فلا بد أن نقتل منهم ألفاً، وإذا قتلنا منهم 1000 دون أن يتوقفوا فلنقتل منهم 10 آلاف. وعلينا أن نستمر في قتلهم حتى لو بلغ عدد قتلاهم مليون قتيل، وأن نستمر في القتل مهما استغرق ذلك من وقت»، معلّلا ذلك بما ورد في المزامير «المزامير تقول: سوف أواصل مطاردة أعدائي والقبض عليهم ولن أتوقف حتى القضاء عليهم»!

وكانت صحيفة «هآرتس» قد نشرت في مناسبات مختلفة فتاوى لحاخامات في “إسرائيل” أفتوا فيها بأنه «يتوجب على اليهود تطبيق حكم التوراة الذي نزل في قوم عملاق (أحد الأقوام الذين ورد في التوراة أنهم حاربوا اليهود) على الفلسطينيين، وهو الحكم الذي ينص على قتل الرجال والأطفال وحتى الرضع والنساء والعجائز منهم، وسحق البهائم. وقد ورد على لسان أحد الحاخامات «يتوجب تطبيق حكم عملاق على الفلسطينيين، حيث إن الرب كلف بني إسرائيل بعد ذلك بشن حرب لا هوادة فيها ضد العماليق»، وتلا الحكم الذي يقول: «اقضوا على عملاق من البداية حتى النهاية.. اقتلوهم وجردوهم من ممتلكاتهم، لا تأخذكم بهم رأفة، فليكن القتل متواصلاً.. شخص يتبعه شخص، لا تتركوا طفلاً، لا تتركوا زرعاً أو شجراً، اقتلوا بهائمهم من الجمل حتى الحمار»

وظّفت الإيديولوجية الصهيونية السرديات التوراتية في الدعاية الإبادوية ولا تزال، حيث كانت تلك السرديات ذات أهمّية مركزية في تعبئة السكّان والجيش لارتكاب الأعمال الوحشية ضدّ الفلسطينيين، ممّا يجعل من جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي مؤسّسة ومنظّمة في الفكر الصهيوني الذّي لطالما تعامل مع العربي الفلسطيني على مستويات عدّة، اتّسمت كلّها بأّنها تجرّده من وجوده المتعيّن تجريدا متزايدا حتّى يختفي كليّا ويتحوّل من “العربي المتخلّف” وهي الصورة التّي تصدّرها الدعاية الصهيونية عن الفلسطيني في الخارج إلى “العربي الغائب” وهو ما تطمح إليه وتضمره الصهيونية في الداخل.  


المراجع والمصادر العربية:

إسماعيل أحمد ياغي، الإرهاب والعنف في الفكر الصهيوني، العبيكان للنشر.‎ الرياض 2003.

رشاد عبد الله الشامي، إشكالية الهوية في إسرائيل، سلسلة عالم المعرفة (224)، الكويت، 1997، 245 – 256.

عامر حمزة حسين، ”الجذور التاريخية لثقافة العنف والإبادة الجماعية العهد القديم أنموذجا“، 2019،  Journal of Education College Wasit University, 1(34), 209-224‎

عبد القادر الجبارين، خليل محمد أبوعلان. (2017). ”التلمود وعلاقته بالعنصرية الصهيونية والسياسة الإسرائيلية (دراسة وتحليل)“ Kufa Journal of Arts, 1(31).‎

عبد الوهاب محمد المسيري، الأيديولوجية الصهيونية: دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة، سلسلة عالم المعرفة 60، الكويت، 1983.

عبد الوهاب محمد المسيري، البروتوكولات واليهودية والصهيونية، القاهرة، دار الشروق، الطبعة1، 2003.

عبد الوهاب محمد المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، المجلد 6، القاهرة، دار الشروق، الطبعة1، 1999.

الجزيرة نت. (2022, August 7). سامح عودة، “اقتلوهم جميعا حتى الرُضع منهم”.. الجذور الفكرية لعقيدة الإبادة الصهيونية. الجزيرة نت (ميدان). 

العربية نت. (17 يناير 2009). “فتاوى يهودية تبيح للجيش الإسرائيلي قتل النساء والأطفال بغزة”. العربية نت.

صحيفة العرب القطرية. (2 فبراير 2009). “فتاوى الحقد!”. المركز الفلسطيني للإعلام.

الجزيرة نت. (23 أكتوبر 2023). ” خبير بالقانون الدولي: إسرائيل تمارس “التطهير العرقي” و”الإبادة الجماعية” في غزة”. الجزيرة نت.

 

المراجع والمصادر الأجنبية:

Avnery, Uri. Israel without Zionists: A Plea for Peace in The Middle East. New York: The Macmillan Company, 1970.

Ben Ezer Ehud (Ed.). Unease in Zion. New York: Quadrangle/The New York Times Book Co.,1974.

Christison, K., & Christison, B. (2015). Zionism as a Racist Ideology: Reviving an old theme to prevent Palestinian ethnocide. In Globalization of Racism (pp. 111-127). Routledge.

Jones, A. (2016). Genocide: A comprehensive introduction. Routledge.

Massad, J. (2003). ”The ends of Zionism: Racism and the Palestinian struggle”. Interventions, 5(3), 440-448.

Neipp, D. (2012). The dilemma of genocide in the Old Testament. Liberty University.

Rashed, H., Short, D., & Docker, J. (2014). “Nakba memoricide: genocide studies and the Zionist/Israeli genocide of Palestine”. Holy Land Studies, 13(1), 1-23.

Trimm, C. (2022). The Destruction of the Canaanites: God, Genocide, and Biblical Interpretation. Wm. B. Eerdmans Publishing.

 

نُشر هذا المقال بمجلّة حروف حرّة، العدد 33، ديسمبر 2023.
للاطّلاع على كامل العدد: http://tiny.cc/hourouf33

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights