حتى لا تتحول دماء الشهداء إلى أحمر للشفاه
|بقلم: وداد الحجري
نعيب زمـانـنا والــعــيب فــينـا ومــا لـزمانـنا عيــب ســــــوانا
ونـــهـجـو ذا الـزمان بغير ذنـب ولــــو نــطق الــزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب ويــأكل بـعــضنا بـعـضا عـــيانا
لا بقاء لأمّة يموت فيها سقراط مرّات تلو مرّات. لا بناء لوطن يجهل جيله التضحيات في سبيل الوطن.
سألت البارحة صدفة أحد الأجانب الذي لم يسبق له أن زار تونس ماذا يعرف عن الثورة التونسية فأجابني أنّه لم يسمع عنها قط. فأوهمت النفس أنّه قد يكون مجرّد اختلاف في التسميات وأعدت السؤال بطريقة أخرى علّي أظفر بإجابة تخفّف بعض صدمتي قائلة:” أحقا لم تسمع مطلقا عن ما تسمونها بالربيع العربي”. فكانت إجابته مرة أخرى بالنفي لكن رغم ذلك قال أنّه سمع عن جمال تونس حدّثه عنّه أحد أصدقائه اثر زيارته لبلادنا.
أعجبني التغزل بجمال وطني العزيز وحاولت أن أخفي ما في القلب من حسرة وألم. حسرة على جماله الملقى على قارعة الطريق يعبث به الجبناء يحاولون تحويله إلى فوضى، خراب وموت. فما معنى أن يقع الاعتداء على النصب التذكاري لشهيد الوطن الملازم سقراط الشارني رحمه الله وأسكنه فراديس جنانه. اعتداء على شارع الشهيد بالكاف على مقربة بعض أمتار من نقطة دورية للحرس والشرطة. وما معنى أن تشوه رخامة النصب وأن يمحى إسم الشهيد وتكتب كلمة طاغوت وغيرها من الألفاظ المشينة وعديد الشعارات كالبقاء لأنصار الشريعة، عاشت داعش، كلّنا بن لادن. . . ما معنى أن يدنس العلم التونسي؟ ماذا نسمي هذا الاعتداء الصارخ على حرمة الوطن فان لم يكن إرهابا وتحريضا عليه فهو إذن رقص على إيقاع صمتنا ومرح بقلوبنا الميتة ومتى كان القانون يعاقب الرقص والمرح. لنمرح جميعا وننعم بجمال الوطن. في الوقت الذّي نواصل فيه الحوار بشأن مشروع قانون الإرهاب وغسيل الأموال، يستغل الجبناء ضعف سلطة الدولة وهشاشة مؤسساتها وما يشوبها من فساد لازال ينخرها. من الضروري أن نحاول إيجاد معادلة صعبة بين مكافحة الإرهاب والحفاظ على الحقوق والحريات خاصة الحق في المحاكمة العادلة فلا يمكن لمتمسك ببناء الدولة الديمقراطية أن ينكره أو يتجاهله ولكن أن ينكّس العلم التونسي وترفع الراية السوداء ونقبع في صمتنا الرهيب ؟ !!!
في بلادي، يغتال الشهداء ثم تؤكل لحومهم أمواتا. أيا من تدّعون في الدين معرفة أما سمعتم عن قوله تعالى: ” لَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ” وغيرها من آيات القران الكريم، أم الدين عندكم ألوان تزركش بعد المغيب فتحمر ليلا عناقا لجسد النساء وتسوّد نهارا فوق قبر الشهداء؟؟ نمضي نحو المجهول ونقبع في صمتنا، نغرق في دمائنا،، نشرب دماء أبنائنا كؤوسا ونمضي سكارى نصفّق لثلة من زبانية توهمنا أن لا مصلحة فوق مصلحة الوطن، لا كرسي يعلو حب الوطن، عشق الوطن.
أحسست أن جمالك يا بلادي أشبه بجمال امرأة عذراء أهدت جسدها لأول مارق قابلها في صمت خانق مرير. ورغم المرارة فللوطن أبناء أحباب، رجال أحياء، رجال شهداء. سقراط : فلسفة، أدب وجمال كل ذلك عشق لهذا الوطن، نقش أزلي فوق راية الوطن.
سقراط الحكمة وسقراط تونس…قدر السقراطين أن يموتا غدرا. ولكن أتحسبون أن مات سقراط . سقراط تونس وتونس ستضلّ قيد الحياة. سقراط رمز العلم والمعرفة ومتى سمعتم أن قد انتصر الجهل على العلماء. الموت فقط لثلة الجهلاء رافعي راية السواد الحالك أسكنهم الله جهنم وبأس المصير. جرذان تساقط جبنا،جهلا وبؤسا. داعش ملاذكم وتونس وطننا الجميل فنموت نموت ويحيا الوطن.
فلنكتب ولنذكر ربّما نفعت الذكرى حتى لا تتحوّل دماء الشهداء لأحمر لشفاه صامتة.