الحالمون يرحلون باكرا: ملامح من مسيرة مالك الصغيري (الجزء الأوّل)

المصدر:  صفحة ”جيل جديد“ على فايسبوك

بقلم: سوسن فري

فجعت الساحة النضالية والسياسية والثقافية في الناشط مالك الصغيري يوم 10 جوان 2021 إثر غرقه بقنال وادي مجردة بمدينة فوشانة عن عمر يناهز 36 سنة.

من سخرية الاقدار أننا كنا قد اتفقنا مع الراحل على اجراء مقابلة مباشرة في شهر فيفري من سنة 2020 لكتابة سيرته التي نعتبرها مميزة وحافلة بالتجارب وتمثل شهادة عن سيرة جيل كامل من الشباب آمن بالشارع والتغيير انخرط قبل الثورة في النضال وظل يحلم إثرها وانخرط في اغلب التحركات، غير ان ظروفا خاصة حالت دون اجراء المقابلة في تلك الفترة، فأرجأنا الموعد إلى أجل غير محدد إلى أن صُدمنا بخبر وفاته ينتشر على شبكات التواصل الاجتماعي.

هزّنا الخبر واتخذنا قرارا باستئناف ما عزمنا على انجازه مع مالك وتواصلنا مع زوجته السيّدة عزّة الدربالي التي رحبت بالدعوة. أنجز هذا البورتيريه إثر مقابلة مباشرة أجريناها معها، وهو تعبير عن رغبتنا في تخليد ذكرى الراحل الذي كان رمزا من رموز النضال الشبابي قبل وبعد ثورة 2011.

 

النشأة

بدأت عزة رحلة تعريفها لمالك بالقول بأنه من مواليد سنة 1985. تعود جذور عائلته إلى مدينة تالة التابعة لولاية القصرين. كان مالك، رحمه الله، معتزا للغاية بانتمائه إلى “الأرض الحرشة” كما كان يحلو له ان يدعو تالة. يبدو أن فرط تعلقه بها جعله يتماهى معها ويكتسب بعضا من صفاتها، كصلابته وجلده وعلو همته.

 تقول عزة بأنها كانت تدعوها تندرا بـ”تالة الشقيقة” لفرط ما كانت حكايات مالك عنها تغذي خيالاتها بصور عن مدينة ساحرة طوباوية، لا تنتمي فعلا إلى هذا الوطن.

 ولد مالك بمدينة القصرين ولكن عائلته سرعان ما انتقلت إلى تونس العاصمة، حيث ترعرع ونشأ وخطا فيها خطواته الاولى في عالم المعرفة والحب والسياسة.

كبر مالك في حي التحرير قرب العاصمة. تتكون عائلته من والدين وثلاثة إخوة كان هو اوسطهم. اختار له والده “عم الصادق” من الأسماء اسم مالك، تيمنا باسم المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي، أحد رواد النهضة الفكرية العربية الاسلامية في القرن العشرين. فنشأ مالك غاضبا، قلقا، مفكرا، يسائل كل البديهيات بعقل هادئ ورصين.

كانت عائلة مالك تؤمن بالالتزام السياسي وينهل أفرادها من مشارب فكرية مختلفة. فتجد بينهم الإسلامي والقومي والماركسي. مختلفون جدا ولكن يتفقون بشدة على معارضة النظام القائم ومناهضته.

 دخل والده السجن مرتين متتاليتين بسبب آرائه ومواقفه السياسية، الاولى في عهد بورقيبة والثانية في عهد بن علي، وقضى بين جدرانه سبع سنوات مجتمعة.

دفعت العائلة الموسعة غاليا ثمن التزام ابنائها. حتى أنه اتفق في احدى السنوات أنّه لم يبق مع جدته من أبنائها الخمسة سوى أصغرهم سنا، بعد أن سُجن كل من والد مالك وعمه وجنّد ثالثهم قسرا بمحتشد رجيم معتوق وعاش رابعهم في المنفى.

الله وحده يعلم مقدار الألم الذي عاشته جدته المسكينة في تلك الأيام القاسية” تقول عزة بتأثر.

عرف مالك مرارة الحرمان منذ نعومة أظافره، حيث أمضى جزءا كبيرا من طفولته دون حضور والده، الذي مكث طويلا في غياهب السجون حتى أنه يقول بأنه عرف تونس من خلال سجونها.

يكتب مالك في أحد نصوصه “لماذا لا أحضن ابي مثل بقية الاطفال؟ لماذا أزور ابي اسبوعيا وسط الزحام والبوليس والعصي الغليظة والكلمات النابية التي لا اعتقد ان طفلا في مثل سني سمعها يوما؟ لماذا يار بي ليس لنا حق الذهاب مع والدينا إلى البحر أو حديقة الحيوان أو مدينة الالعاب، لماذا لا نسهر امام التلفاز ككل العائلات التي تظهر في التلفاز، ونحن نضحك ملء شدقينا في بيت دافئ جميل؟

شكّلت كل هذه الظروف مجتمعة وعي مالك السياسي في سن مبكرة جدا. كان يعي أنّ والده سجين سياسي، يدفع ثمن أفكاره الحرّة، وكان يسرّ لأصدقائه المقربين بأن أكثر ما يخشاه أن يحيا ابنه اديب بعيدا عنه.

“هل يمكن أن أصف ما حدث بأنه سخرية الأقدار؟ لقد تحققت جميع مخاوف مالك وها أنه يغادر اديب، ابن الخمس سنوات، إلى الأبد…” تقول عزة وقد تهدّج صوتها.

وجد مالك في بيتهم الصغير مكتبة كبيرة تحوي بين رفوفها أمّهات كتب الفكر والنقد والأدب العربي والأجنبي، فنشأ قارئا نهما، يلتهم الكتب بلهفة شديدة حتى أنه لا يصبر احيانا على الشروع في مطالعة كتاب يغريه عنوانه، قبل الانتهاء من كتاب آخر يحمله بين يديه، فلا يتوانى عن مطالعتهما في نفس الآن.

لطالما أربكت هذه الصورة عزة وابهرتها في نفس الآن، فأي عقل ذاك الذي يملكه ليسمح له باستيعاب كتابين في الآن نفسه وأي شغف معرفي ذاك الذي يحرّكه فيجعله لا يكاد يصبر على سبر أغوار الكتب؟

 لمالك جانب آخر في شخصيته لطالما استظرفته عزة، حيث تذكر بأنه عندما كان صغيرا، كان مجنونا بحب النادي الأفريقي ومتعلقا للغاية بأجواء الفيراجات، التي كان يضطر أحيانا لقضاء ليال بأكملها في ملاعب كرة القدم لأجلها.

هكذا هو مالك، قصووي في كل شيء ويلاحق شغفه بجنون، مثلما كان في حبه لي” تقول عزة التي تعتقد بأن الفيراج كان مساحته الوحيدة للتنفيس عن غضبه في تلك السنوات.

الدخول إلى الجامعة ومسيرة الالتزام الطلابي

انتقل مالك إثر حصوله على شهادة الباكالوريا سنة 2004 إلى المعهد التحضيري للدراسات الأدبية والعلوم الإنسانية بالقرجاني أين اختار أن يتخصص في التاريخ والجغرافيا. مثّل انتقاله إلى الجامعة منعرجا حاسما في حياته حيث يقول عن ذلك في إحدى تدويناته: “اعتدلت في جلستي وقد انتهيت من احتساء القهوة، اعدت التفكير فيما ينتظرني قادم الأيّام، كانت فكرة أنّي “ايتيديان” تسيطر عليّ منذ اسابيع، العائلة وولاد الحومة وصحابي يعلمون الآن أني طالب، نقرا في الفاك (…)، يخفق قلبي بشدة كلما سرحت بأحلام يقظتي، في كل مكان منذ نجاحي في الباك وأنا نخمم كان في الفاك والجو والسياسة وكرهبة الحاكم…”

دخل مالك الجامعة ماركسيا ملتهبا على حد تعبيره ونضج وعيه بسرعة. التحق منذ ولوجه عتباتها بالاتحاد العام لطلبة تونس، وانتمى إلى اتحاد الشباب الشيوعي، الفصيل الشبابي لحزب العمال. لم تكن رحلته بالمعهد التحضيري يسيرة، حيث اضطر لدفع ثمن التزامه الطلابي بإحالته على مجلس التأديب إثر سلسلة من الاضرابات التي قادها مع رفاقه لدمج ملحق حي الخضراء مع المعهد التحضيري بالقرجاني وجملة من المطالب الأخرى التي تعنى بحقوق الطلبة. كلّفته هذه التحركات عقوبة بالطرد النهائي من المعهد في سنته الاخيرة ممّا حرمه من اجتياز مناظرة دخول دار المعلمين العليا التي كان يتطلّع إليها بفارغ الصبر.

أثّرت حادثة الطرد على نفسيته وسبّبت له الكثير من الحزن والقلق. لحسن حظه، تمكّن بعد محاولات عدة من الترسيم ورفاقه المطرودين بكلية 9 أفريل بالسنة الثالثة بقسم التاريخ.

 اجتاز مالك إثر ذلك مناظرة الدخول إلى الدار بنجاح باهر وتمكن من الالتحاق بمدارجها باستحقاق متحديا بذلك سلطة مجلس التأديب التي نكّلت به لقمع صوته الغاضب ولبث الرعب في نفوس الطلبة حتى لا يفكروا مجددا في خوض التجربة النقابية داخل معهد طالما عرف بـ”انضباطه”.

كانت عزة شاهدة على لقاء مالك بالمديرة سنة 2007 التي أصابها الذهول عندما لمحته وسط الساحة في دار المعلمين العليا. بادرها مالك بالتحية قائلا “أستاذة شنية احوالك؟” فجزعت وصاحت فيه بهلع “آش تعمل هنا؟” فما كان من مالك إلا أن أجابها بكل هدوء “نقرا مدام”. لم تنس عزة نظرات عينيه التي كان يرمق بها المديرة حينها، كانت مزيجا من التحدي والفخر ومفعمة بروح الانتصار.

في نفس تلك السنة 2008، كان لقاؤها به لأول مرة إثر اجتماع عام حضره مالك بكلية 9 أفريل، دفاعا عن طالبة تمّ اعتقالها على خلفية نشاطها النقابي بسوسة.

تقول عزّة بأنها أعجبت به منذ لمحته أوّل مرة، إذ “كان مميزا في كل شيء، حتى في العبارة التي يفتتح بها الاجتماعات العامة. كان يفتتح كلمته على عكس بقية الرفاق بالقول “باسم الرافعين الفؤؤس فوق الرؤوس، باسم الصانعين من السيوف مناجل. لقد كنت اعتبرها تعويذته.”

حفرت كلماته اثناء ذلك الاجتماع في نفس عزة عميقا، حتى أنها تذكر إلى اليوم باسترسال قوله عن الطالبة المعتقلة “أجمل وأنقى وأرقى وأعظم فتيات تونس تلك التي تقبع في السجون، لا تلك التي تقوم بحثا عن حذاء يلائم احمر الشفاه.”

 لا يمكن لعزة أن تنسى ذلك اليوم، كان مالك جامحا ثائرا، يخطب تارة، يضرب على الطاولة التي يقف فوقها تارة اخرى في مواجهة “قوات القمع” كما كان يدعوهم.

 تقول محدثتنا بأنه كان يتحوّل تماما في لحظات المواجهة المباشرة مع البوليس، يتغير ذلك الهدوء واللطف ليتحول إلى شراسة مخيفة. يبدو أنّ تلك كانت طريقته في الانتقام من سنوات الظلم والتنكيل والهرسلة التي عرفها في طفولته.

تعود الذكريات بعزة لتقول بأنه على عكس انفعاليتها، كان مالك حليما هادئا وصاحب عقل راجح. كان خطيبا مفوها كذلك، وصاحب كاريزما عالية وقادرا على تجميع الطلبة حوله بيسر.

في نفس تلك السنة، غادر مالك صفوف اتحاد الشباب الشيوعي وانخرط في الحزب الديمقراطي التقدمي. أين استمرت تجربته داخله لسنتين، ثمّ استقال مع المجموعة التي عرفت بمجموعة الـ27.

خرج من الحزب لأنه كان يرفض أن يكون مجرد حطب لمعارك البعض أو دمية يحرّكها البعض الاخر لخدمة أجنداتهم. كان مالك يرفض الوصاية بشدة. إثر خروجه من تلك التجربة بدأ يفكر في ضرورة خلق حركة شبابية افقية تتجاوز معضلات التنظيمات الكلاسيكية وبقية التجارب الموجودة على الساحة حينها.

كان مالك على قلق كأنّ الريح تحته، دائم الشكّ والسؤال، لا يكاد يستقر في تنظيم حتى تعصف الشكوك برأسه فيغادره. تقول عزة بأنه كان طوباويا وحالما، كأنما لا ينتمي إلى هذه الحياة.

انتقل إثر ذلك إلى تأسيس حركة “جيل جديد” التي بدأت ارهاصاتها الأولى في شكل نقاشات داخل أسوار الجامعة سنة 2008 تم الاعلان عنها في 28 افريل 2011.

توطدت صداقة مالك بعزة منذ 2008، حيث كانت تجمعهما نقاشات ولقاءات يومية.

“كنت حذرة للغاية، ظللت أراقب المشهد عن بعد حتى افهم ما يدور حولي ثم انخرطت كمستقلة في اتحاد الطلبة. كان لمالك دور مهم في تحديد خياراتي، ولكن لا يعني هذا أننا لم نكن نختلف في رؤيتنا للأمور وتقديرنا للمسائل. على العكس تماما، كنا نختلف ونتخاصم بشدة أحيانا بسبب ذلك …”

“استعر الحب وبدأت علاقتنا في جانفي من نفس تلك السنة، كنا نشعر بأننا نحلق فوق السحاب. حب ونضال وأحلام كبرى وورود حمراء ونجاحات واخفاقات..” قالت عزة بكثير من الحنين.

 إثر تخرجه تعرض مالك للفرز، حيث لم يتم انتدابه للتدريس في المعاهد الثانوية رغم تخرجه من دار المعلمين العليا التي كان أبناؤها يتمتعون بحق الانتداب الآلي. كان يعلم بأنه يدفع ثمن نشاطه السياسي.

إثر الثورة، تم انتدابه أستاذا للتعليم الثانوي وعيّن بولاية القيروان، غير أنه لم يتحمل قيود الوظيفة والابتعاد عن العاصمة في تلك الظرفية الحساسة، فترة ما بعد الثورة، فتخلى عن عمله وعاد إلى العاصمة أين التحق بقناة تي ان ان كمعد ومقدم لبرنامج “جدل في الفكر والسياسة والدين”. غير أنّ التجربة لم تدم طويلا لأن القناة توقفت عن البث ولم يسع بعدها إلى العمل في بقية القنوات التي كان يعتبر أنّها محسوبة على أطراف معينة.  

من أكثر المسائل التي كانت تشغل فكر مالك مسألة الزعامات داخل البنى التنظيمية الهرمية، والوصاية التي يمارسها البعض خاصة على الشباب ومن هناك كان تمسكه بفكرة الافقية ومحاولته لخلق فضاء للتفكير فيها من خلال تجربة جيل جديد. كان يرفض أن تتم مصادرة عقله من قبل الشيوخ والزعماء. كان حرا جدا ومستقلا جدا، لقد قتل الاب كما تقول عزة.

 ” كان يكن لوالده الكثير من الحب والاحترام ولكنه كان حرا، مستقلا، وفيا فقط لنفسه. فنحت لنفسه مسيرة خاصة به لا تتماهى مع مسار والده، الذي لم يسع يوما للتأثير على توجهاته. لقد كانت عائلة تحسن ادارة الاختلاف ببراعة مدهشة.”

 كان شجاعا كذلك، حتى أنّ عزة كثيرا ما كانت تسأله مندهشة “ألا تخاف؟ ألا تخشى بطش البوليس؟” فكان يجيبها “نعم أخاف، الخوف شعور طبيعي ولكني لست جبانا. الجبن هو المرفوض“.

ترشّف مالك الحياة بشغف وعاشها بكل تجاربها، فكانت ثرية مليئة بالحب والإخفاقات والنجاحات والأحلام الكبيرة. تقول عزة أنّ مالك قد عاش كل شيء بشكل مبكر، ففي عمر صغير خاض عدة تجارب ثرية داخل اتحاد الطلبة والديمقراطي التقدمي وجيل جديد وكان يجد نفسه في مواقع قيادية رغم عدم حرصه على ذلك

مالك والثورة

إثر اشتعال شرارة الثورة، التهب مالك واعتبرها لحظته الموعودة فانخرط فيها بكل حماس يؤلب على النظام في الاجتماعات العامة داخل الكلية ويشارك في التحركات في الشارع في تلك الأيام الملتهبة، حتى أنه سافر متخفيا في شاحنة إلى تالة اثناء محاصرتها من قبل البوليس ليفهم ما يحدث هناك ويساهم في التحركات.

تعرّض مالك للاختطاف من قبل سيارة أمنية أثناء مروره بالقصبة في اتجاه الكلية، حيث وضعوا كيسا فوق رأسه وحشروه في السيارة. أنزلوه في منطقة تدعى جبل الرصاص أين انهالوا عليه بالضرب المبرّح وطلبوا منه أن “يريض” لأن الآتي سيكون أفظع ان استمر على نفس سيرته. ولكنه لم يتوقف.

تقول عزة بأن فرحة مالك بالثورة كانت عارمة وتفوق الوصف، فالثورة التي طالما حلم بها وكان يراها بعيدة المنال قد قامت وأضحت قريبة جدا، فعاشها بكل جوارحه.

ولكنه دفع ثمن ذلك غاليا، حيث تم إيقافه يوم 10 جانفي إثر تحرّكات حي التضامن واقتيد إلى الداخلية التي قبع في دهاليزها ثمانية أيّام، عرف فيها كل أنواع التنكيل والتعذيب. أخذ مالك بتهم ثقيلة حينها كالتحريض على قلب النظام وسب الرئيس وغير ذلك من التهم التي تجزم عزة بأنها كانت ستجعله لا يرى النور مجددا لولا انتصار الثورة.

كان يتوقع ذلك، حتى أنه رفض الإقامة في بيتهم في تلك الأيام لأنه كان يخشى أن تتم مداهمته واعتقاله أمام أعين عائلته التي مازالت تعاني من صدمات الاقتحامات التي ذاقوا ويلاتها في فترة سابقة.”

 تعرض مالك لتعذيب فظيع داخل أقبية الداخلية. تقول عزة أنه كان يتجنب الخوض في الموضوع ولم يحدثها يوما عمّا شهده هناك ولكن رفاقه أكدوا لها أنّ الجلادين تعمدوا التنكيل به بعد أن تعرف عليه أحد الأعوان وصرخ “هاو زميمهم يخطب في 9 أفريل”.

من الطرائف التي رواها مالك لعزة أنّ المفتش سأله عن صلة قرابته بصادق الصغيري، فأجابه أنّه والده. ولمّا قال له أنّه حقّق معه سنة 1991، ردّ عليه مالك “ربي يطوّل في عمرك وتبحث ولدي”.

كان مالك يسخر من سذاجة الاعوان مثلا حيث كانوا يسألونه عن أسماء المجموعة التي استقالت من الديمقراطي التقدمي، فكان يوهمهم بأنها معلومات سرية سيطلعهم عليها مقابل الحصول على سجائر في حين كانت القائمة منشورة. كان مالك يقول أنّها ألذّ سيجارة يدخّنها في حياته.

داخل أقبية الداخلية، كان مالك معزولا تماما مع رفاقه عن مجريات الاحداث، يستوي الليل عندهم بالنهار وينعدم إحساسهم بالوقت. حتى أنّ الجلادين امسكوا بهم ليلة 13 جانفي وأخرجوا رؤوسهم من الشبابيك المرتفعة ليستمعوا إلى هتافات السيارات المأجورة التي خرجت إلى شارع الحبيب بورقيبة تهتف بكل حماس “يحيا بن علي”. وصاحوا فيهم قائلين “انتهت اللعبة، انتصر النظام. اسمعوا، اسمعوا”.

دخل مالك ورفاقه في حالة من الاكتئاب ليلتها وأدركوا انهم لن يروا نور الشمس مجددا. استمر اكتئابهم إلى يوم 18 جانفي، فلم يكونوا يعلمون شيئا عمّا حدث قبلها بأربعة أيّام، حتى أطلّ عليهم أحد الاعوان وقال لهم بسرعة بعد أن فتح اقفال الزنزانة قبل أن يغادر على عجل “الرئيس تبدل”…

نشر هذا المقال في مجلّة حروف حرّة، العدد السابع، سبتمبر 2021، ص.ص. 16-19

للاطلاع على كامل العدد: http://tiny.cc/hourouf7

 

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights