أوديب مازال بيننا
|بقلم: أمين الزقرني
سواء كان واعيا بذلك أم لا، فإن علاقة الابن بأمه تبقى النموذج الذي ينسج عليه في كل علاقة يبنيها مع امرأة تقريبا. في بعض الأحيان يكون الأمر بيّنا (اسألوا زوجته أو صديقته)، وفي أحيان أخرى يكون مخفيّا، ولكنك عندما تنتبه لذلك، فإنه يصبح واضحا وضوح الشمس.
ولهذه العلاقة خصوصية في مجتمعاتنا البشرية. إذ تجد المرأة صعوبة في الكينونة في هذا العالم. وربّما أفضّل الحديث عن تضييق على الأنثى -وليس المرأة، بما أن المرأة قد تختار في أحيان كثيرة دورا ذكوريا- حتى تجد لنفسها مكانا وتنال اعترافا من باقي العالم. من هنا كان إنجاب الذكر هو ما يجلب لها شهادة الرضا بأنها زوجة صالحة، ليس من زوجها وحماتها وباقي عائلتها فقط، ولكن من ذاتها نفسها. ينتج هذا عن التكييف والبرمجة المتواصلة في مجتمعاتنا البشرية على دونية الأنثى. من هنا كان إبنها الذكر هو علامة ذكورتها وطابع وجودها. ولذلك تدافع الأم بكل ما أوتيت من قوة وجهد على ذَكَرها. أو شهادة الكينونة. وهي تدلله وتحميه وتفضله على باقي أخواته الفتيات.
قد لا يكون الأمر ناتجا دائما عن إحساس بالدونية، ولكن عن شعور بالنقص والغياب. ربما يكون الأب قد توفي ولا تجد الأم تعويضا سوى في ابنها فتبني معه شكلا غير صحي للعلاقة. أو ربما يكون الابن هو الذي أحس بغياب والده فحاول تعويض ذلك لأمه بأن يمنحها الاهتمام الذي من المفترض أن يقدمه الأب. أو ربما يسيء الأب معاملة زوجته، تعنيفا أو تقصيرا (كما هو الغالب دائما) فيسعى كلاهما إلى التعويض. قد يكون من علامات فشل الزوجين هو تعمّق هذه العلاقة الأوديبية بين الأم وابنها.
وأحيانا يتطوّر الرابط إلى علاقة مرضية. في الواقع فإننا كثيرا ما نلحظ صعوبة قطع الحبل السري من الطرفين. هذا إن فكّر أحدهما في ذلك من أصله. فالأغلبية هي غير واعية بعد بالمسألة، وحتى إن وعت بها، فإنها ترفض تغيير حالة الراحة التي تغنمها من علاقة التبعية هذه.
ربما تجد المرأة بعضا من الجاذبية في الرجل الذي يعامل أمه بشكل جيّد ويساعدها (مؤشر على احترام المرأة بشكل عام)، ولكن أكثر ما ينفّر المرأة في الرجل هو عدم قدرته على الوقوف أمام أمه التي تسيطر عليه، أو خشيتُه منها أو تفضيلها على صديقته أو زوجته.
أعتقد أن هناك الكثير والكثير من الرجال الذين لا يعرفون أي نوع من العلاقة يستحسن أن تكون مع الأم ما إن يصبحوا على علاقة مع صديقة أو يتزوجون. وفي الكثير من الأوقات، تكون لعلاقة الرجل بأمه تأثير كبير على الزواج، إلى حد الطلاق في بعض الحالات.
متعددة هي الأشكال الممكنة التي بها يمكن أن تكون هذه العلاقة. ولكني سأطرح هنا 3 حالات والتعامل غير الصحي في مقابل المعاملة الصحية:
- الالزام مقابل الاختيار
غير صحي: الابن يشعر دائما بأنه ملزم لرؤية والدته. وبعبارة أخرى، فهو يضع كل مشاغله جانبا ما إن تستعمل معه أمه لعبة التحسيس بالذنب. وهذا يسبب مشاكل كبيرة مع صديقته / زوجته.
الصحي: الابن يريد أن يرى أمه، فإن حدث أن طلبت منه أمه أن تقابله في وقت ما وكان له مشاغل حينها، يعتذر ويخبرها بأنه سيزورها بدلا من ذلك صباح اليوم الموالي.
- الخوف مقابل الصدق
غير صحي: الابن يخشى دائما أن تغضب والدته لو أنه خيّبها أو لم يفعل كل ما تطلبه منه. وهنا تشعر الزوجة أو الصديقة بالإحباط وسوف يؤدي هذا بالتأكيد إلى توتر في العلاقة بينهما.
الصحي: لا يخشى الرجل الشخص الذي من المفترض أن يحبه دون قيد أو شرط، والتي من المفترض أنها تدرك بأنه لا يوجد ابن في التاريخ لم يخيب أمه ولو لمرة واحدة. بدلا من ذلك، إذا كان لديه ما يفعله أو يقوله ويعلم أنه سيخيّب أمه، فإنه يكون صادقا بشأن الموضوع لأنه يعلم أن والدته ستتجاوزه في النهاية.
- التبعية مقابل الاستقلالية
غير صحي: يظن الابن أنه تابع لأمه. أو تظن الأم أن ابنها تابع لها. فلا يتخذ أحدهما أي خطوة مهما كانت بسيطة قبل التنسيق والتأكد من موافقة وقبول الطرف الآخر. ستشعر الصديقة أو الزوجة حينها بأنها لم ترتبط مع الابن، بل مع أمه.
الصحي: يعوّل كل من الابن والأم على ذاته، فلا يتنازل أحدها عن سلطة لصالح الآخر. بل يقوم الابن باختياراته باستقلالية عن أمه ويلاقي تحديات الحياة بكل ثقة وبدون الحاجة للاتكاء عليها.
ما إن يعي الابن بهذه الوضعية المعقّدة، فإنه سيكون من الشجاعة بمكان العمل على تجاوزها. غالبا ما يحتاج كلا الطرفان إلى نوع من العناية النفسية لإنجاح الانتقال من علاقة الحبل السري إلى علاقة متوازنة بين راشديْن. خاصة إذا تم هذا الانتقال في سن متأخرة وبعد برمجة مكثفة.