الإعلام العربي والثورات: الانحياز الدائم
|يعيش العالم العربي مند أشهر على وقع ربيعه الزاهر الذي نجح في الإطاحة ببعض الأنظمة وفي زعزعة الأرض تحت أخرى انتظارا لالتحاقها بركب الزائلين … وفي هذا الربيع تزامنت عديد العوامل لحدوثه وإنجاحه واستمراره … منها طبعا النضالات الشعبية الصادقة و الثورية ضد هذه الأنظمة والدور البارز في بعض الدول لمؤسسات داخل الدولة كالمؤسسة العسكرية في حالتي تونس ومصر وأيضا والأهم برأيي هو العامل الإعلامي الذي استطاع أن يوصل إلينا صور هذه النضالات وساهم في إخراجها للعلن…
غير أن الملاحظ أنه وإن كنا عانينا لسنوات من إعلام وطني منحاز ذي لون واحد لا يعرض من الأخبار إلا تلك التي تهم تمجيد وتقديس أنظمة الحكم فإن إعلام الثورات العربية خصوصا في قنواته الإخبارية “كالجزيرة” و”العربية” أثبت هو نفسه أنه منحاز وبشكل واضح إلى الجهة الأخرى .. أي إلى منطق الثورة..
وبغض النظر عن نبل المقصد هنا، فإن الملاحظ أن هذا الإعلام يبدو أكثر من موجّه واعتمد في عمله على خطة عمل قد تبدو مفيدة في إنتاج الثورات، غير أنها لم تكن معبّرة أيضا في الكثير من الأحيان لحقيقة الواقع…
الخطة الإعلامية للثورة قد ارتكزت على ما يبدو على النقاط التالية :
– استثارة واستدعاء العامل الفعلي و العشائري كعامل أساسي في الدلالة على عزلة تلك الأنظمة… ولعلنا جميعا نذكر الساعات الأولى من الثورة الليبية حيث توالت وبتواتر سريع أخبار انسلاخ القبائل وانضمامها للثورة. وكذلك الأمر في سوريا مع وقوف ما عرف بالعشائر مع الثورة، و هو أمر وإن كان موجودا فإنّه ينبغي الإقرار بعملية تضخيمه إعلاميا وهو ما ظهر جليا مع مرور الزمن في تلك البلدان.
– تضخيم بعض الانشقاقات السياسية والعسكرية ودفعها للمواجهة الإعلامية لإبراز ترنح النظام وافتقاده لكل أدوات التحكم فيها، فالأخبار أصبحت تفرد نشرات شبه يومية لحادثة انسلاخ جندي أو ضابط صغير من جيش تعداده بمئات الآلاف كما هو حال الجيش السوري والتي ثبت يوما بعد يوم اصطفافه التام واللامحدود خلف النظام…. كذلك الأمر في ليبيا في بداياته… و كل هذه الأحداث أثبتت ومازالت بأن هذه النظم لم تفقد شيئا من قوّتها العسكرية الغاشمة.
و في السياسة كما في الجيش وقع تضخيم حالات الانسلاخ والردة السياسية و بشكل مبالغ فيه للأسف – وهو ما يبرزه الواقع- بالتركيز على انسلاخ بضع عشرات من حزب مليوني هو حزب البعث السوري الّذي حكم البلاد لعقود طويلة وتدخل في مختلف أجهزتها ومؤسساتها وهو ما لا يعبر عن حالة ضعف أو وهن يصيب ذلك النظام والدليل على ذلك هو صموده المتواصل في وجه انتفاضة شعبه وقس على ذلك الحال في ليبيا واليمن أيضا.
– محاولة إنتاج البديل ودفعه للساحة السياسية ودعمه بما يمكنه في الوصول إلى الاعتراف الدولي بشرعيّته وتجهيزه للأخذ بزمام الحكم في مرحلة ما يعد الأنظمة العربية بعصر الدكتاتورية الطويل وفقر المحلل السياسي من بدائل حقيقية وصادقة معروفة وضعف التأطير الحزبي للثورات العربية جعل من إنتاج هذا البديل والذي غالبا ما يكون من داخل النظام نفسه أمرا ضروريّا. وقد اهتم الإعلام العربي بتسويقه وتقديمه للداخل والخارج في صورة هذا البديل الجاهز وهو حل المجالس الانتقالية في ليبيا واليمن مثلا والمجالس العديدة التي شكلت وتشكل كل مرة في سوريا.
إن نضالات شعوبنا العربية ما كانت لتنضج وتحقق ما وصلت إليه لولا الدعم الإعلامي الممنهج والمخطط له ، ورغم نبل هنا الهدف ومشروعيته ربما لنا كشعوب في مواجهة أنظمة القمع فإنه لا سعنا إلا التأكيد على أن قدرنا إلى الآن أن نعيش في ظل إعلام منحاز على الدوام مع اختلاف الاتجاهات يمينا و شمالا.
وإن هذا الإعلام المنحاز الذي طالما مثل أداة قمع في زمن غابر ومحركا أساسيا لهذا الربيع العربي الزاهر يثير مخاوف من مواصلة انحيازه ليرسم لنا وكما يريد مستقبل أوطاننا في مرحلة ما بعد الثورات.