الحب في زمن الثورة
| ما الذي يجمع بين الحب كإحساس إنساني راقي أو كحالة عشقية لا إرادية و بين الثورة كفعل إرادي تستفيق فيه عزيمة الفرد والجماعة من سباتها العميق و تواجه أعتى المخاطر و الأهوال. و هل يمكن أن يقع الإنسان في الحب في اللحظة الثورية التي يستعيد فيها قدرته على الفعل؟ أليس في الأمر تعارضا بين أن ينهزم الفرد العربي الشرقي بكل تعقيداته و تركيباته المحيرة أمام الحب في نفس اللحظة التي يصنع فيها ثورات تدهش العالم؟ أليس في محاولة الجمع بينهما تعسفا على المعنى و تغييبا مشوبا بسوء النية للمفردات الأخرى التي طالما تستعمل لتفسير الثورة أو لوصفها مثل الظلم و القهر و التعطش للكرامة و البحث عن الشغل و غيرها من الكلمات التي استعادت معانيها على هامش الفعل الثوري.
لكن أليس بوسعنا التفكير في الأمر بطريقة أخرى كأن نقول مثلا أن الثورة هي صنيعة الحب و ذلك لسببين على الأقل:
- السبب الأول هو أن البلدان التي بادرت بالثورة (تونس و مصر) هما البلدان اللذان يعرفان أكبر معدل عنوسة و عزوف قسري عن الزواج. و بالتالي فإن الملايين من الشباب بهذين البلدين في بحثهم المستميت عن الحب ومللهم من الوحدة ومن الواقع المزعج الذي أنتجها داسوا على أعناق بن علي ومبارك ومن معهم من قطاع لطريق الوطن وأجمل ما فيه أي الحب.
- السبب الثاني هو أن الثورات العربية ما كانت لتنجح لو لم تفلح الشعوب العربية في تجاوز الأحقاد و الضغائن التي زرعتها الأنظمة البالية بين أبناء الشعب الواحد. فاللحظة التي أحب فيها التونسيون بعضهم البعض بكل صدق و دون حسابات جهوية أو كروية أو قبلية كانت مؤشرا لولادة قوة عاتية عصفت ببن علي و سلطانه الذي أقامه على المسافات الفاصلة بين مختلف مكونات الشعب التونسي. كذلك شكلت لحظة التقاء الصعايدة بأهل القاهرة و تراضي الأقباط و المسلمين السيف الذي قصم ظهر مبارك و زبانيته. وأخيرا و ليس آخرا فقد ذهل القذافي و هو يرى أبناء مصراته والجبل الغربي يخرجون عن نطاق كل الحسابات الجهوية و الجغرافية و يقولون بأعلى صوت “نحبك بنغازي، لا نحبك قذافي”. واليوم و نحن نعيش على نبأ الوقائع المؤسفة في المتلوي لايبقى لي شخصيا أدنى مجال للشك بأن في ضياع الحب ضياع للثورة وفيه أيضا هلاكنا.
من ناحية أخرى ألا تشكل الثورة فرصة ذهبية يستعيد فيها الفرد العربي قدرته على الحب النقي بعد أن شوهت فيه سنوات العسف كل شيء حتى العواطف فصار الحب أسيرا للحسابات العائلية و المادية و السياسية فترى الرجل يعشق من زوجته منصب أبيها و يهيم بسيارتها الفارهة ويقول شعرا في حسابها البنكي. ألم تكن الثورة فرصة رفعت الحجاب عن صفات رائعة في أشخاص كانوا يعيشون معنا ولكننا لم نتفطن لقيمتهم عندما كنا ننام و نصحو على إعلام فاسد أبدى لفتيات تونس أناقة لاعبي كرة القدم و غيب عن عيونهن بهاء رجال الجيش و الرجولة الطافحة في وجوه شبان يتحدون كل شيء ليصنعوا من العدم قصص نجاح باهرة وأفسد قلوب رجالها فتعلقت بالجنس الرخيص وبفتيات السينما لتعوض عجزها عن إيفاء الحب ما يقتضيه من صدق مع النفس ومع الحبيب.
ألا تشكل الثورة فرصة كي يستعيد فيها الفرد العربي قدرته على فهم نفسه و مصارحتها بضلالها حينا و بتطرفها حينا آخر فيصبح بذلك أكثر قدرة على قراءة علاقته بالآخرين فلا يخلط بين الحب و بين الرغبة و يميز بين الزواج و المبادلات التجارية ويكتشف الفرق بين حسابات النسب و دقات القلب حين يمسه جن الغرام.
ومهما كان الأمر فالحب في كل حالاته قيمة إنسانية رائعة تزداد ألقا على وقع الثورة ومن أجلها ولا يسعنا أمام هذا التماهي إلا أن نقول “كل ثورة ونحن نحب ونحب، و نحن عشاق للعيون الجميلة و لبهاء الأنثى ولسحر الرجولة. كل ثورة ونحن نحب وطنا تبين أننا لا نستطيع فعل شيء دون أن يكون ساكنا فينا فنثور من أجله كي نحب أيامنا و ليالينا”.