الدبلوماسية والسلطة السياسية محور ندوة جمعيّة الدبلوماسيين التونسيين
|بمناسبة الاحتفال بيوم الدبلوماسية التونسية الموافق لذكرى صدور الأمر العليّ المحدث لوزارة الشؤون الخارجية يوم 3 ماي 1956، نظّمت جمعيّة الدبلوماسيين التونسيين ندوة بأحد النزل بالعاصمة تحت عنوان ‘الدبلوماسية التونسية والسلطة السياسية: نحو علاقات جديدة” يوم الجمعة 25 ماي.
وقد بدأت الندوة بشيء من التأخير أشار إليه الأستاذ عياض بن عاشور الّذي ترأس الجلسة الأولى الّتي حملت عنوان “حياد الإدارة والدبلوماسية التونسية كمرفق عام” مؤكّدا ، بين الهزل والجدّ، أنّ أوّل إصلاح يجب أن يبدأ باحترام الوقت.
وبعد أن رحّب السيّد سليم بن جعفر رئيس الجمعية بالحضور، كانت الكلمة لغازي جمعة رئيس ديوان وزير الخارجية الّذي اعتذر عن غياب الوزير لالتزامات مهنيّة بالخارج وأكّد أنّ الدبلوماسية ليست بمنأى عن التغيرات الّتي تشهدها تونس.
وكان أوّل المتدخّلين في الجلسة الأولى صلاح الدين الجورشي الّذي تحدّث عن الرغبة في توظيف الدبلوماسية التونسية وهي موجودة منذ عهد بورقيبة لكنّها تفاقمت في عهد بن علي تجسّمت خاصة من خلال خضوع السفراء لسلطة الرقيب الأمني وأكّد أنّ القطيعة المطلوبة هي قطيعة مع آليات الاستبداد لا مع الدولة وشرعيتها. وقال الجورشي أنّ أنّه لم يلمس أيّ تغيير في السياسة الخارجية التونسية، وهو ما يمكن أن يقيّم ضمن النقاط الإيجابيّة حيث أنّ الدبلوماسية التونسية بنيت على أسس مرنة تضمن الاستمراريّة ولم تنزلق في الثوريّة حيث يكتفى بالاجتهاد ضمن التوجّهات العامة والدّليل على ذلك أنّ تونس لم تجد إلى جانبها خلال الثورة سوى أصدقائها التقليديين (كالدول الأروبية وبشكل أقل الولايات المتحدة) عكس دول الخليج الّتي قصّرت في حقّ تونس. وأشار إلى شروط نجاح الدبلوماسية التونسية الأربعة وهي:
– وضوح السياسات والتوجّه والمشروع المجتمعي
– وجود سياسة داخلية مستقرّة ومتجانسة
– تجنّب الدخول في أيّ أزمة سياسيّة مع أيّ طرف كان
– عدم تحزيب السلك الدبلوماسي.
وكانت المداخلة الثانية للأستاذ توفيق بوعشبة الّذي طرح التساؤل: هل يمكن أن تكون الدبلوماسية محايدة؟ وأكّد أن هناك مفهومين ممكنين تختلف حسبهما الإجابة:
– مفهوم وظيفي: وحسب هذا المفهوم، الدبلوماسية هي مجموعة من الوسائل والأنشطة ذات الطابع المميّز الّذي تخصصّها الدولة لسياستها الخارجية، وهي بذلك وظيفة من أقدم الوظائف العموميّة، ولا يمكن أن نتحدّث عن استقلالها بما أنّ دورها يقتصر على تنفيذ السياسة الخارجية المرسومة من قبل الساسة.
– مفهوم عضوي: حيث تعرّف الدبلوماسية كعدد من المصالح الإدارية المدعوّة بطبيعتها لتقديم خدمات للمتعاملين معها. وبالتالي فهي مرفق عام إداري خاضع لأحكام القانون العام الداخلي بما يترتّب عن ذلك من مبادئ الاستمراريّة والتأقلم والمجانية والمساواة، والمبدأ الأخير هو الأساس القانوني لمبدأ الحياد.
وأكّد الأستاذ أنّ مبدأ الحياد يستحقّ أن يرد ضمن ميثاق للمرفق العام الدبلوماسي ويعني ذلك عمليا أن لا يتم إصدار أيّ تعليمات ترسي أيّ تمييز إيجابي أو سلبي وحقّ الموظّف في رفض مثل هذه التعليمات إن صدرت. وشدّد توفيق بوعشبة على أنّه لا يمكن تكريس مثل هذا المبدأ إلا في إطار دولة قانون.
وتمّ فتح باب النقاش الذي تمحور أساسا حول إبقاء التعيينات الدبلوماسية بمنأى عن التجاذبات السياسيّة وعن الضمانات التّي يمكن منحها للدبلوماسي لكي يبقى محايدا ودور النقابات في ذلك وعن منح الفرصة للشباب. وختم الأستاذ بن عاشور الجلسة ملاحظا أنّ الضمان الأساسي نفساني ثقافي يتعلّق بالعقليّة.
وترأست السيدة سلوى البحري مديرة المعهد الدبلوماسي للتكوين والدراسات الجلسة الثانية حول العلاقة بين الدبلوماسية والسلطة السياسية في تونس. وتعرّض طاهر صيود، السفير والوزير في العهد السابق، في مداخلة خيّر، لأسباب غير مفهومة، أن تكون بالفرنسية على مسيرته الدبلوماسية وخاصة إلى الدور الّذي لعبه، حسب زعمه، ضد التخفيض في أجور الدبلوماسيين سنة 1991 في لاهاي وأكّد خاصة على أنّ دور الدبلوماسي مجهول تماما لدى الرأي العام وأشار إلى ضعف الإمكانيات الماديّة للسفارات وإلى التنافس بين تونس ودول أخرى على مستوى العلاقات الدولية خاصة مع أروبا حيث لم نتقدّم كثيرا منذ اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأروبي سنة 1995، على عكس المغرب.
وأكّد الأستاذ الجامعي غازي الغرايري أنّ العلاقة بين السلطة السياسية والدبلوماسية في مفترق طرق بعد الثورة. وأشار إلى أنّ دبلوماسيتنا عرفت عهدا زاهرا (جسّمه خاصة ترؤّس المنجي سليم للجمعية العامة للأمم المتحدة) ودور انحطاط عرف خوصصة لأجهزة الدولة وجوسسة على التونسيين في الخارج. وأكّد على أنّ ما يريده التونسيون هو دبلوماسية تقنية موضوعيّة مهنية موضّحا أنّ الدبلوماسية هي أداة بين أيدي السلطة التنفيذية خاصة. وذكّر أنّ تسمية السفراء وربط علاقات مع الدول الأجنبية هي من الحقوق السيادية للدولة على أنّ الدبلوماسية ليست مجرّد أداة بل هي الدليل على استمراريّة الدولة حيث لا يمكن أن تتغيّر بتغيّر الفريق الحاكم. وأكّد الأستاذ غازي الغرايري أنّ تسمية السفراء تاريخيا هي تدخل في إطار فعل الأمير، ولا يجب أن تنحرف لكي تكون صادرة عن نزوة الأمير مشيرا أنّ الضرورة السياسية قد تقتضي التعويل على غير الدبلوماسيين المهنيين في بعض المواقع في ظروف معيّنة مقترحا أن تكون تسمية الدبلوماسيين على أساس برامج وأن يتمّ تقييم عملهم على أساس النتائج الّتي يحققونها.
وكانت الكلمة بعد ذلك للسفير محمد السديري الذي أكّد خاصة على أنّ إرث تونس ورصيدها التاريخي هي المحفّز الأساسي للدبلوماسيين على التفاني في أداء مهامهم ذاكرا مثل حنّبعل الّذي كان سيجتاح روما لو قبل التحالف مع بيل غايتس (كذا !!) واستشهد بديكسيب اليوناني الّذي قال أنّ ممثّل الدولة في الخارج هو المحارب والمفاوض والتاجر.
وبعد النقاشات الّتي تمحورت خاصة حول ضرورة استشارة الدبلوماسيين في أخذ القرارات وعلى جعل تعيينات السفراء حصرا تتمّ ضمن الدبلوماسيين المهنيين، كانت كلمة الختام للسيد مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي الّذي تعرّض خاصة إلى تاريخ الدبلوماسية البرلمانية وتطوّرها والدور الّذي تلعبه بالنظر إلى مرونتها وعدم تقيّدها بضوابط الدبلوماسية التقليديّة مشيرا إلى ضرورة تحلّي الجميع باليقظة في هذه الفترة من تاريخ البلاد وأكّد على ضرورة أن تبقى التسميات في السلك الدبلوماسي بمنأى عن التجاذبات الحزبية.