مجاز الحرية
|بقلم: نورس زريبة
تواجه الاثنان كأنهما زيوس رب الأرباب والكترا، تفصلهما فقط بعض الخطوات. كان الجو مشحونا بالتوتر، هادئا لكن بطريقة مزدحمة، وفوضويا كخصائل شعرها الأسود تكلله بغصن زيتون، ينسدل على أكتافها ثم على الكوفية التي تحب ارتداءها، أما هو فيرتدي بدلته العسكرية التي يعتز بها بل ويقدسها.
لابد أنك تعتقد أنك شيء مهم، يؤسفني أن أبلغك أنك مجرد وهم، مجرد كلب صغير مذعور في هيئة أسد.” قالت بطلتنا الساحرة هذه الكلمات دون تردد و لا تراجع، فهي من النوع الذي يجسد الشجاعة في كل تجلياتها، في بعض الأحيان لا أعرف إذ كانت الشجاعة هي حقا الكلمة المناسبة، فيمكنها أن تكون رعناء وطائشة للغاية.
وقف زيوس و الشرر يتطاير من عينه، كان مهيبا، رزينا وذكوريا، دينه القانون، مذهبه الاستقرار والروتين، سياسته تأديبية وردعية، يحمل عصاه مثلما يحمل الراهب كتابه المقدس، لكن رغم كل هذا عندما تنظر إلى عينيه الحادتين لا يمكنك إلا أن تريده، أن تشتهيه. يمكنني أن أجزم حتى أن العلاقة التي تجمعنا به تشبه في أبعادها الديناميكية العلاقة السادية المازوشية. فغالباً ما يهيأ لنا أن تلك اليد القاسية التي يثيرها أن تهتك كر امتنا هي نفسها اليد التي تحمينا.
حاول زيوس إخفاء غضبه بابتسامة مزيفة ثم أردف قائلا :
-” أفضل أن أكون كلبا مطيعا على أن أكون أسدا ميتا. لم لا يمكنك أن تختفي، سنعيش بسلام في هذا الوطن حينها”
-” عن أي وطن تتحدث؟ الوطن دون حرية سجن. لا يمكنك أن تبقى على هذا الوهم طويلا، سيفتقدني الناس، سيشعرون بغيابي عاجلا أم أجلا فانا أهم وأسمى منك ومن قوانينك، حتى أن الحيوان يعرف قيمتي، أتذكر يوما أني شاهدت دبا كانت قدمه عالقة في إحدى الفخاخ، مضغ عظام قدمه لكي يتحرر ومات بعدها بسرعة.”
-” أنت الآن تدعمين قولي فلقد مات ذلك الدب الغبي.”
-” بلى لكنه مات حرا.”
“-اه، لا يمكنك أن تكوني بهذه السذاجة، أتعلمين، كان جفرسون يقول دائما في خطاباته أن الحرية والأمن شيئان متضادان، وحسب رأيه إذا إقتضى الأمر التضحية بإحداهما فلا يجب أبدا أن تكون الحرية هي التضحية.”
اقترب منها أكثر وكان نظره مثبتا على عينيها ثم على شفتيها و سرق منها قبلة ثم مرر أصابعه على شعرها متأملا ملامحها البربرية وقال :
” لو كنا في مكان آخر غير هذا السجن، لكنت أشبعتك قبلا جهرا حتى أشفي غليلي، يمكن حتى أن أتخيل اقتراننا لكن للأسف جفرسون كان على حق ؛ ليعيش أحدنا يجب التضحية بالأخر، لكن يا عزيزتي حيث أن الإنسان هنا بلا حقوق، بلا أخلاق وبلا طموح، فأن التضحية بك تمسي الحل المنطقي والبرجماتي،”
قبل أن تتمكن الكترا من الدفاع عن نفسها أخذ زيوس العصا وهوى بها على رأسها معلنا نهايتها.
هي إذن معادلة بسيطة يا سادتي. في بلداننا العربية ليعيش الأمن يجب أن تموت الحرية.