الفصل 6 من الدستور : انفصام أم تمويه وإخفاء؟
|بقلم خالد الدبّابي
تمّ التصويت اليوم صلب المجلس الوطني التأسيسي على الفصل السادس من الدستور الذي ينصّ على ما يلي:” الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي“. وقد لاقى هذا الفصل استحسان العديد باعتباره أدرج حرية الضمير الى جانب حرية المعتقد منسجما بذلك مع النصوص الدولية في هذا المجال.
غير أنّه من السذاجة الكبيرة أن نرحب ترحابا حارا بالتصويت على الفصل السادس لمجرد أنّه أدمج حريّة الضمير إلى جانب حريّة المعتقد… فعند التمعن المستفيض فإننا يمكن أن نستنتج بسهولة أنّ هذا الفصل متضارب الاحكام ويتميز بانفصام وشرخ داخلي. فبقيّة منطوق هذا الفصل تناقض كليّا حرية الضمير وحرية المعتقد وحتى حرية الفكر والتعبير بما أنّه يجعل من الدولة التونسية “حامية للمقدسات” :
1- بما أنّ نفس الفصل يجعل من الدولة راعية للدين (الدين الاسلامي حسب الفصل الأول)، فإنّ المقصود بالمقدسات هي المقدسات الاسلامية دون الأديان الأخرى وهو ما يتعارض مع حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية الذي يفترض على الدولة عدم التمييز بين الأديان على الأقل السماوية منها ورعايتها كافّة وإيلائها نفس الأهمية.
2- حتى تتمكن الدولة من حماية المقدسات يجب أن تضبط قائمة في المقدسات التي لا يمكن المساس بها… وتحديد ما هو مقدس وما هو غير مقدس من قبل الدولة هو مساس صارخ بحرية الضمير والمعتقد… فكلّ فرد من حقه أن يحدّد بنفسه دون أيّ ضغط او اكراه ما يراه مقدسا وما يراه غير مقدس…
3- مصطلح المقدسات هو مصطلح فضفاض يسهل تطويعه … فحتّى بالنسبة للمقدسات الإسلامية نفسها، بخلاف القرآن الكريم المقطوع به فهناك اختلافات مذهبية جمّة حول البقية… فالصحابة مقدسون عند السنة وهم ليسوا كذلك عند بقية المذاهب… وحتّى عند أهل السنة والجماعة، وعلى عكس ما تمّ طمسه وإخفاؤه فإنّ الاختلافات عديدة وعديدة بين المذاهب الأربعة. فأبو حنيفة مثلا كان يعتبر أنّه لا يوجد إلاّ 17 حديثا صحيحا في حين انّ أحمد ابن حنبل كان يحفظ أكثر من 6000 حديثا صحيحا…. وهو ما يجعل مفهوم المقدسات مفهوما غير ثابت يتغيّر بتغيّر لون الأغلبية الحاكمة. وسيفا فتاكا بين أيديها تسلّطه على رقاب كل من تريد إلجامهم وإسكاتهم.
ووفقا لهذا المنطق، فإنّ هذا الفصل يتيح مثلا تتبع كلّ شخص يكتب مجرد مقال يعالج فيه حديثا ورد في البخاري أو مسلم بدعوى أنّ البخاري ومسلم “مقدسون” وعلى الدولة حماية المقدسات….
ضرب واضح لا فقط لحرية الضمير بل لحريّة الفكر والنشر والتعبير…