أطفال الشوارع في تونس: مشكل يبحث عن اعتراف…

atfalتعتبر ظاهرة أطفال الشوارع  من أهم الظواهر الاجتماعية  الأخذة في التزايد ليس فقط على مستوى البلدان النامية، وإنما أيضا على مستوى الدول الصناعية المتقدمة، ورغم وجود اتفاقيات دولية تضمن حماية حقوق الطفل إلا أنه لا يزال عديد الأطفال حول العالم يعانون كل مظاهر الانتهاك لحقوقهم الأساسية .

 ويمكن القول أن هذه الظاهرة متواجدة بكثرة في تونس إلا أن غياب الإحصائيات جعلها تصنف ضمن الظواهر المسكوت عنها. ولكن تفاقم ظاهرة أطفال الشوارع سيؤدي إلى العديد من المشاكل الاجتماعية خلال السنوات المقبلة، فهي تهدد بانتشار العنف والجريمة، فضلا عن تزايد عدد المنقطعين مبكرا عن الدراسة مما يعرقل مسيرة التنمية التي تعاني هي أصلا من عوائق سياسية واقتصادية واجتماعية .

و لا بد من القول بأن الدولة والمجتمع المدني بمؤسساته المختلفة معنيان بفتح حوار حول هذه القضية الخطيرة.

ويعتبر عدد من الأخصائيين الاجتماعيين، أن هناك صنفين من أطفال الشوارع  :

–         الصنف الأول يتكون من الأطفال الذين يعيشون في فضاء الشارع بشكل مستمر ومتواصل لأنهم بلا مقر إقامة ولا مصدر دخل.

–         الصنف الثاني يتكون من الأطفال الذين ينتمون إلى عائلات فقيرة ومعوزة مما يضطرهم للخروج إلى الشارع للعمل .

 وتعد هذه الظاهرة عالمية، فحسب المنظمة العالمية للعمل ومنظمة اليونيسيف فان عدد أطفال الشوارع في العالم يقدر بنحو 120 مليون طفل . ولكن في تونس لم تتوفر بعد أرقام رسمية حول نسبة أطفال الشوارع. غير أن غيابها لا يعني أن هذه الفئة غير موجودة، ولكن  ثمة أرقام في مجالات أخرى تشير إلى أن هناك ارتفاعا بنسبة 30 بالمائة في عدد التلاميذ المنقطعين عن الدراسة خلال السنة الدراسية 2012-2013 حيث بلغ عدد التلاميذ المنقطعين عن الدراسة 100 ألف تلميذ في المرحلة الأولى والثانية للتعليم الأساسي، وتعتبر هذه النسب مرتفعة وتدعو للقلق وتدفع للتساؤل عن مصير هؤلاء المنقطعين عن الدراسة ولكن من المؤكد أن نسبة هامة منهم أصبحوا أطفال شوارع .

كنت في كل مرة ألتقي فيها بأحد هؤلاء الأطفال في وسائل النقل العمومية أتساءل فيها عن أسباب تواجد أطفال في سن صغيرة بعيدا عن مقاعد الدراسة ؟  وكان سنّ أحد هؤلاء الأطفال المتواجدين باستمرار في القطار دون التسع سنوات، وكان يمتاز بروح مرحة وبفراسة وذكاء وفطنة، وخفة روح في إقناع الركاب بشراء العلكة …فلم أتمالك نفسي على  التوجه نحوه  وسألته  عن اسمه وسنه  وعن سبب بيعه لهذه المنتوجات في حين أنه يفترض أن يكون في المدرسة مع أقرانه فأجابني : “إسمي عمر. لقد انقطعت عن الدراسة لأنني لا أملك المال لكي اشتري الكتب المدرسية ووالدي مريض ولا يعمل ووالدتي أيضا مريضة وأنا ابنهم الأكبر ومن واجبي أن اعمل حتى أوفر لقمة العيش لعائلتي وإخوتي الصغار” .

استمعت له بانتباه شديد، ولا أعرف مدى صحة ما قاله لي، ولكن في قرارة نفسي  أردت أن أصدقه وأن أجد تبريرا لبيعه للعلكة في القطار وان أبحث معه عن حل ليعود إلى المدرسة وفي أوقات فراغه يعمل ليساعد عائلته، ولكنه كان رافضا لفكرة استئناف الدراسة وحجته أن عمله يتطلب التفرغ التام وأنه غير قادر على أن يجمع بين الاثنين  …وبعد أشهر طويلة، انضم طفل  آخر  لمجموعة  بائعي العلكة في وسائل النقل وتوجهت نحوه واشتريت من عنده علكة ثم سألته :  ألا يفترض بك أن تكون الآن في المدرسة مع أقرانك ؟ ولكن كانت قصته نفس قصة عمر …ثم اعتدت على سماع نفس القصة بأدق تفاصيلها من كافة الأطفال الذين أتوجه لهم بنفس السؤال.

أ لم يحن الوقت بعد لنعلن ناقوس الخطر ؟ أطفالنا الصغار يهجرون المدرسة وينقطعون سريعا عن الدراسة، يتفنون في استعطاف الناس، يستعملون جميع الوسائل لاستدرار الشفقة ويؤلفون قصصا مأساوية للحصول على حسنة يتسولونها …  أين حقوق الإنسان وأين حقوق الطفل من كل هذا ؟؟ أطفالنا غابت عن وجوههم البراءة وأصبحوا بارعين في  الاستعطاف، يتعمدون ارتداء ملابس قديمة ممزقة، يتعمدون التظاهر بالمرض بحرفية عالية في التمثيل، يتذللون بطريقة مهينة للكرامة البشرية، تعودوا على الحصول على المال في السن التي يفترض بأن يتعلموا فيها أن  الدراسة وحدها هي التي تفتح لهم أبواب الحصول على عمل يتقاضون مقابله على اجر يكفل لهم عيشا كريما…..

كبر عمر ودخل سن المراهقة ولكنه مازال يبيع العلكة ….كما كبر جميع أولئك الأطفال الذين يمتهنون التسول  وبيع  العلكة والحلوى في وسائل النقل …وكبرت أنا أيضا وتوقفت عن محادثتهم وتوقفت عن  طرح سؤال “لماذا لا تدرسون؟” واكتفيت بشراء العلكة والتفرج عليهم بصمت ….

Please follow and like us:
11 Comments
  1. وجدان المقراني
  2. وجدان المقراني
  3. وجدان المقراني

اترك رد

Verified by MonsterInsights