نحو ولاية فقيه حنفية بشتونية؟ طالبان ومشروع الحكم
المصدر: Wakil Kohsar, AFP
بقلم: أنيس عكروتي
” أقول للناس في كابول وفي كل أرجاء أفغانستان، لا تقلقوا فممتلكاتكم وحياتكم في أمان، نحن خدّام الشعب والوطن.” بهذه العبارات وجهّت طالبان – عبر الناطق بإسم المكتب السياسي للحركة في قطر سهيل شاهين – رسالة طمأنة للشعب الأفغاني.
الرسالة لم يلتقطها آلاف الأفغان الذين تجمهروا في محيط مطار كابل راغبين في الخلاص ولو عبر التعلّق بأجنحة الطائرات، هؤلاء وغيرهم خبروا الحركة الأفغانية وعاش أغلبهم تجارب مريرة خلال فترة حكم طالبان التي امتدت بين سنتين 1996 و2001 تاريخ احتلال القوّات العسكرية الأمريكية وحلفائها للأراضي الأفغانية.
طالبان كذلك تدرك جيّدا أنّ عليها الاستفادة من أخطاء الماضي، فمرحلة الحكم الأولى تميّزت بضعف كبير في الأداء السياسي والاهتمام المبالغ فيه بجزئيات الحياة اليومية للشعب الأفغاني مثل قصة الشعر وتحريم حلق اللحية وفرض البرقع على المرأة على حساب توفير الحد الأدنى من الخدمات الاجتماعية والصحية.
التكوين الديني البدائي لقادة الحركة كان مساهما بشكل كبير في غياب رؤية شاملة لإدارة الشأن العام والنهوض الاقتصادي بالبلد، زد إلى ذلك تصلّب المواقف السياسية المتصلبة الّتي أدّت إلى عزلة دولية لبلد يرزح منذ عقود تحت وطأة حروب لا تنتهي.
لكن هل تغيّرت طالبان فعلا؟ هل علينا أن نتفاءل خيرا بما أبدته الحركة من رسائل إيجابية أم أنّ ما بالطبع لا يتغير؟ وما هو شكل النظام السياسي المرتقب لأفغانستان تحت حكمها؟
قبل كلّ هذا ولفهم المشروع السياسي لحركة طالبان، من المهم تسليط الضوء على جذورها الفكرية وتقاطعاتها مع حركات إسلامية أخرى.
طالبان التي تأسست سنة 1994 على يد الملا عمر وعشرات الشباب من طلاب المدارس الدينية، انطلقت مسيرتها نحو الحكم من مدينة قندهار والتي تعتبر المعقل الأبرز للجماعة.
طالبان وعلى عكس ما يتناقله العديدون، ليست حركة سلفية علمية ولا حركية ولا جهادية، بل ينتمي أغلب أفرادها إلى المدرسة الديوبندية، إلى المذهب الحنفي فقهيا، إلى الماتريدية عقيدة وإلى الطريقة الجشتية تصوّفا (إضافة إلى بعض الطرق الأخرى كالنقشبندية والقادرية السهرودية).
الخلل المنهجي الذي وقع فيه العديدون – في علاقة بالانتماء الفكري للحركة – يعود أساسا إلى جنوح طالبان نحو تأويل ديني تقليدي جدّا يجعلها قريبة مع جماعات سلفية بدائية رغم أنّ المذهب الحنفي يُعرَف بمذهب أهل الرأي في مواجهة مذهب أهل النقل، هذا التناقض مردّه الواقع الاجتماعي والبيئة القبلية، خاصّة وأنّ الشخصية القندهارية شخصية متصلّبة تراثية ولا تميل إلى الاجتهاد في التأويل، وقندهار كما نعلم هي الحاضن الأبرز للحركة الأفغانية والمنشأ الأوّل لها.
طالبان هي إذن حركة إسلامية تقليدية حنفية بنزعة قومية بشتونية غالبة (لذلك وجدت في باكستان امتدادا جغرافيا لها) إضافة إلى البعد الصوفي الطرقي الذي يذكّر بجيش الطريقة النقشبندية في العراق كمثال على الحركات الصوفية المقاتلة.
على مستوى الخطاب الجديد للحركة، لنا في المؤتمر الصحفي الأول للناطق الرسمي باسمها ذبيح الله مجاهد أبرز دليل. وجّه مجاهد خطاب طمأنة للشعب الأفغاني بكامل مكوّناته الاجتماعية والعرقية والمذهبية والدينية وأيضا إلى دول الجوار وكافة دول العالم، خطاب في ظاهره مطمأن ولكنّه مفخّخ. فعلى مستوى عمل المرأة وضمان حريّاتها، تعهّدت طالبان بالسماح للمرأة الأفغانية بمزاولة العمل لكن في إطار الشريعة الإسلامية، والشريعة الإسلامية عبارة تحتمل الكثير من التأويل ويمكن التلاعب بها على حسب ما يمليه الحاكم.
وضع الإعلام لا يختلف كثيرا عن وضع المرأة، فقد جاء في كلمة مجاهد أنّ الإعلام حرّ مستقلّ ولكن لا يجب أن يعمل ضدّنا وألا يخالف قيم الإسلام والمجتمع، وهو ما يعني باختصار إعلاما مقيّدا بسلطة طالبان.
الجديد في حركة طالبان هو تطوير قدراتها التفاوضية وتحسين أداءها السياسي وخاصة الإعلامي، إذ تلفت الانتباه صور ضخمة لقادة سابقين وحاليين من حركة طالبان تزيّن شوارع كابل، بينما كان التصوير أمرا محرّما في وقت سابق.
دوليا، تعهدت طالبان بالحفاظ على علاقات جيدة مع كافة الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، تعهد ردّت عليه عدة دول بالمثل على غرار الصين المستثمر القادم على مهل وإيران الجار الذي يحرص على تطوير العلاقات وروسيا رغم بعض الاحترازات.
مجتمعيا، تحرص طالبان على كسب ودّ شيوخ العشائر والشخصيات الفاعلة المنتمية لعرقيات أخرى وشخصيات وطنية أخرى منها من كان وجها بارزا في النظام السابق مثل حامد كرزاي وعبد الله عبد الله. نظّم قادة طالبان اجتماعات مكثّفة قصد تشريك ممثلي أغلب العرقيات والمحافظات في مؤسسات الحكم المقبلة حتى إن كان حضورهم رمزيا لإضفاء شرعية وطنية واسعة على منظومة الحكم.
لم تتغيّر طالبان فكريا، والملفت للإنتباه غياب أدبيات مدونة للحركة رغم مرور قرابة 3 عقود على تأسيسها. لكنّ الحركة أصبحت تنظر إلى الماضي بأكثر عقلانية ولا تريد توسيع دائرة أعدائها. قادة طالبان واعون جيّدا بحجم الثروات الطبيعية التي يحتويها البلد ويعتبرون أنّ من الغباء التفريط في هذا المخزون.
لكن هل سيكون حكم طالبان شبيها بالإمارة الإسلامية السابقة؟
” ستكون حكومة إسلامية نقيّة“، هكذا علّق زعيم حركة طالبان هبة الله أخوند زاده على مضمون وشكل الحكومة المقبلة. أخوند زاده هو الأمير الثالث للحركة بعد مقتل الملا محمد عمر مؤسس التنظيم والملا أختر منصور الزعيم الثاني.
حسب دستور طالبان يمثلّ “أمير المؤمنين” رأس الهرم القيادي في الحركة ويعدّ صاحب السلطات المطلقة، يقابله في النظام الإيراني منصب مرشد الثورة الإسلامية.
يشترط في زعيم طالبان أن يكون أفغانيا من والدين أفغانيين ويعتقد في المذهب الحنفي مثلما ما يحصر الدستور الإيراني منصب المرشد في المذهب الإثني عشري.
من المرجح أن يتشكل مجلس حكم أو مجلس شورى لن يتجاوز دوره مجال الاستشارة، يقابله في النظام الإيراني مجلس تشخيص مصلحة النظام.
بالنسبة للبرلمان، فمن المحتمل ألا تشهد أفغانستان انتخابات نيابية بل سيتم تعيين أعضاء مجلس الشورى من قبل “أمير المؤمنين”.
نقلا عن وكالة رويترز، قال القيادي في الحركة وحيد الله هاشمي: ” لن يكون هناك نظام ديمقراطي على الإطلاق لعدم وجود قاعدة له في بلدنا“.
أمّا عن رئيس السلطة التنفيذية (يقابله رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران)، من المرجّح أن يكون معيّنا من قبل الأمير، سيتولى هذا المنصب غالبا الملا برادار أحد نواب زاده ورئيس المكتب السياسي للحركة في قطر. يعتبر برادار الشخصية الطالبانية الأكثر انفتاحا ومرونة على الصعيد السياسي وقد قاد بنجاح المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية وهو يحظى باحترام من قبل طهران وبكين وموسكو. سيكون دوره متعلقا أساسا بالعلاقات الخارجية، لكنّه يظلّ دائما مقيّدا بسلطة الأمير/المرشد.
الإشكال ذاته، ظهر في مصر أيام حكم الإخوان في العلاقة بين الرئيس والمرشد، في تونس كذلك لطالما كان تأثير راشد الغنوشي حاضرا بقوة في سياسات حكومتي الجبالي والعريّض.
تذهب طالبان الجديدة إذن نحو شكل قريب من نظام ولاية الفقيه بإيران مع بعض التعديل خاصة في النقطة المتعلقة بالإنتخابات، هذا على مستوى الشكل أمّا مضمونا فهي تريد أن تتجاوز أخطاء الماضي عبر تشريك خبراء تكنوقراط على رأس وزارات تقنية وشخصيات عشائرية من قوميات أخرى في المجالس الاستشارية حفاظا منها على الاستقرار.