الشعب يريد إسقاط النظام… وبعد؟
|
الأصوات الشعبية المتعالية التي تندد اليوم في تونس بأداء الحكومة في الفترة الأخيرة و المعتصمة في بعض منها في ساحة باردو والتي أحببنا أو كرهنا تعبر عن فئة هامة من حيث الكم من الشعب التونسي، ترفض أداء الحكومة الحالية ومطلبها الرئيسي هو إسقاطها. حسب رأيي، هذا المطلب فيه خللان أحدهما موضوعي والآخر شكلي.
فمن حيث المضمون هذا المطلب يمثل بالنسبة للمعارضة الشعبية، و إذا استثنينا منها “النخبة” الصادقة، هدفاً لا وسيلة لتحقيق أهداف أكثر واقعية. وهذا خطأ إذ كيف يمكن أن يكون الحل في ذهن الفكر المعارض الشعبي قائماً بالأساس على تغيير منظومة حكمية دون أن تكون هنالك مطالب، ومن ورائها شعارات مقنعة، تدل على حد أدنى من معرفة الطريق الذي سيؤدي إلى تحقيق الأهداف التي ينتظر تحقيقها اثر كل ثورة شعبية؟ لماذا تغيب كليا مطالب مثل تطوير الإدارة، المطالبة ببرامج واقعية للحد من البطالة، تطوير المنظومة القانونية للتشغيل قصد حماية المشغل، برامج لمقاومة الرشوة و الفساد المالي، برامج لتحسين الأمن العام…إلخ. فشعارات مثل الشعب يريد إسقاط النظام و “شكون قتل شكري” هي شعارات حماسية ظرفية وقد تصبح يوماً آخر عبئا على من طالب بها. فلا شك بأن المطالبة بإسقاط النظام كهدف مباشر وإن كان مقترنا في بعض الأحيان بمطالب عامة ومجردة كالحق في الشغل والكرامة (والتي أشك في دراية حاملها بها (الشعارات) وسعيه لمعرفة عمل الحكومة في ميدان التشغيل إن كان سلبياً أو إيجابياً)، إلا أنه كان شديد الارتباط في الفترة الأخيرة بوقائع الاغتيالات السياسية خاصة. وهذا خطير إذ أصبحنا نربط الربط الوثيق بين عمل الحكومة بأحداث قتل يصعب فك لغزها في فترة قصيرة، وقد تستفحل الأمور أكثر من ذلك من خلال مطالبة كل معارضة مستقبلية إلى نفس نوعية المطالب أي إسقاط النظام لمجرد وقوع حادثة قتل، ولا يستبعد أن تكون المعارضة هي طرفاً فيها! وتكون خاتمة ذلك صراعا همجيا على الكرسي تكون فيه أخطاء الحاكم من إنجاز المعارض وبأي طريقة تحبك خطط الانقلاب على السلطة، بالقتل! لتكون بذلك مطالب الثورة شعارات دون أن يقترن نجاح صاحب السلطة بتحقيقها، بل نجاحه مرتبط بحبك خطط يواجه بها تحركات “العدو” في المعارضة، قصد البقاء في الحكم. نمر…
من حيث الشكل، المطلب الشعبي لإسقاط الحكومة يندرج في إطار المنهج الفكري اللاديمقراطي. و لتسهيل المعنى، نذكر عبارة “عدم إحترام الآخر”. فكيف تريد أو ترنو ، أيها المعارض، إلى تغيير حكم تم اختياره من الشعب ليحكم، دون إلتماس أو طلب ذلك بطريقة فيها القليل من التحضر أو التمدن. قد يكون أكثر لباقة وأناقة أن تطرق الباب قبل الدخول وأن تطلب على سبيل المثال استفتاء شعبيا على الحكومة الحالية، أو مؤتمرا وطنيا للإنقاذ، بطريقة تتيح للأغلبية إن وجدت أن تسحب “الثقة” من الترويكا دون أن تمس بمكسب حصل بعد 14 جانفي 2011 ألا وهو الانتخابات الديمقراطية. ولكن لسائل أن يسأل، منذ متى كان للاحترام والأخلاق شأن في هذا الوطن؟ نمر…
إذا كانت هنالك أغلبية معارضة ترفع شعار ” الشعب يريد إسقاط النظام” فإن ذلك لا يخفي وجود أقلية معارضة شعارها ” وينو بن علي”. تخيفني هذه الأقلية نظراً للجوئها لحل يستسيغه الفكر التونسي. هذا الحل وإن كان عريقا في المنظومة الفكرية التونسية إذ كثيراً ما كنا نسمع في عهد الحكم السابق عبارات مثل “يا حسرة على بورقيبة” و “يا حسرة عالحاكم كي كان نظيف” و “يا حسرة عالحشمة مشات مع سفساري” فهو حل خطير إذ يمكن أن يؤدي إلى حضور التجمع الدستوري من جديد وقبوله بشكل أخر “بحيث” تكون ثقافة “يا حسرة” مرسخة لعودة ما ثار عليه الشعب التونسي. وأنا على أتم اليقين بأنه سيأتي اليوم الذي سيقف فيه “جماعة يا حسرة” على أطلال… الترويكا. فالجمود الفكري هو أسهل طريقة للرجعية الفكرية فطالما أن الذاكرة تحن لماضيها ولو كان تعيساً و طالما يستمد العقل أفكاره من الذاكرة الشخصية لرسم مشاريعه المستقبلية لن يكون الغد أفضل من الحاضر. نمر..
أنا لا أريد إسقاط النظام، أنا أريد إسقاط التخلف. أنا أريد إسقاط الهمجية. أنا أريد دولة عصرية متقدمة تعطيني حقي وتضمن حقوقي وتنهض بي وبأفكاري، ولو كان النظام في نظري وفي نظر الأغلبية أسوأ ما يكون ففي نهاية المطاف سيسقط بانتخابات لاحقة، وتبقى مكاسبي خطا أحمر لا يمكن تجاوزه …والمرور فوقه.