الإسلام السياسي: هل هي بدايات النهاية؟

-1-

islamsiassiاشرأبت الأعناق و شخصت الأبصار و تطلعت أعين المراقبين ظهيرة يوم الأحد 14 جويلية إلى شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة ترصد باهتمام أصداء المليونية الضخمة التي دعت إليها حركة النهضة الإسلامية في تونس للدفاع عن الشرعية المستباحة للرئيس المصري المخلوع محمد مرسي وللتنديد بالإنقلاب العسكري السافر الذي أطاح بحكم الإخوان في مصر على حد تعبيرهم فكانت النتيجة مخيبة لآمال النهضويين و لانتظارات أنصارهم في مرحلة عصيبة كانت الحركة في أمس الحاجة فيها إلى التعبئة الجماهيرية و إلى حشد الأنصار لاختبار قدرتها على التعبئة و التنظيم وتجييش الشارع أولا ولإرسال رسائل مضمونة الوصول إلى خصومها السياسيين المتربصين بعرشها وإلى مناهضيها من مختلف مكونات الشعب التونسي الذين ضاقوا ذرعا بالنهضة وبحكمها وبدستورها، الحالمين بتصحيح مسار ثورة ١٤ جانفي و بانقشاع غيمة الخريف الإخواني مفادها أن النهضة لا تزال هنا و أنها تمثل رقما صعبا في المعادلة السياسية في البلاد إلا أن النتيجة خالفت التوقعات كما سبق لنا و ذكرنا فالحركة لم تتمكن من حشد ما يزيد عن الأربعة آلاف متظاهر كأقصى تقدير فكانت ضربة قاسية و سابقة خطيرة لم تشهدها النهضة من قبل مما يفسر حجم التوتر و التشنج الذي صاحب خطابات قياداتها ووصل بالصحبي عتيق حد تهديد التّونسيين بأن يداسوا بالأرجل و بأن تستباح دماؤهم إن هم فكروا في الخروج عن حكمهم.

-2-

درجة التخبط و الوهن غير المسبوقة التي وصلت إليها النهضة اليوم بعد ممارستها لتجربة الحكم لا تلغي حقيقة أنها وباعتبارها فرعا من فروع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الأقدر هيكليا و تنظيميا مقارنة بإخوان فلسطين و سوريا وليبيا و المغرب و اليمن … على خلافة إخوان مصر في قيادة التنظيم على الأقل في هذه المرحلة العصيبة و الدقيقة جدا من عمر الجماعة التي لم تعرف حتى في سنوات السجن و الملاحقة و الحصار و الإبادة الجماعية (مجزرة حماة) تهديدا حقيقيا لوجودها  كالذي تعرفه اليوم في ظل ارتفاع موجة الرفض الشعبي لهم بعد أن فشلوا فشلا ذريعا في تجربة الحكم وفي الإيفاء باستحقاقات ثورات الربيع العربي و في ظل إعادة القوى الإقليمية و الدولية لحساباتها و رفعها يدها عن دعم الإخوان . أغلب المؤشرات تدل على أن قيادة التنظيم ستؤول إلى حركة النهضة التونسية بعد ورود أنباء عن تصدّر  زعيمها راشد الغنوشي تصدرللاجتماع الأخير للتنظيم الدولي في تركيا الذي عقد لمناقشة ملفات مخطط التنظيم للمرحلة القادمة و للتعامل مع تطورات الوضع في مصر . كما أنه و باعتباره النائب الأول لرئيس ما يعرف باتحاد علماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي الذي ابتعد أو أبعد عن الواجهة في الفترة الأخيرة المرشح الأبرز للعب دور الزعيم الروحي للجماعة كما أنها الأقدر تنظيميا كما سبقت الإشارة. ويبقى السؤال مطروحا: هل ستتمكن الحركة من رفع هذا التحدي في ظل الأجواء المحتقنة التي تعرفها تونس و ما مدى تأثير هذا التغيير على توجهاتها السياسية خاصة أنها طالما تشدقت بخروجها عن جلباب الإخوان و بتجاوزها النسبي للإرث الأدبي للجماعة في ظل المحاولات التجديدية لرئيسها راشد الغنوشي؟

-3-

تعالت الأصوات المناهضة لحكم الإخوان في تونس في الفترة الأخيرة تزامنا مع التحركات الشعبية في مصر للإجهاز على حكم الجماعة و خلع الرئيس السابق محمد مرسي استكمالا منهم لثورة الخامس و العشرين من فيفري المجيدة التي حاد بها المرشد و جماعته عن مسارها وأخذت معالم هذا الحراك الشعبي التونسي المناهض تتبلور بعد تأسيس حركة” تمرد “و “خنقتونا ” وتبني أغلب أطياف المعارضة لمطالبها خاصة نداء تونس و الجبهة الشعبية، ولعلّهما أهم مكونين سياسيين للمعارضة في تونس، الذين أصدرا بيانين يدعوان فيهما إلى إسقاط حكومة الترويكا و حل المجلس التأسيسي . فهل أن استنساخ التجربة المصرية في تونس ممكن ؟ و إن أمكن ذلك فهل أن هذا الخيار هو الأنسب لمستقبل تونس ؟

إنّ إمكانية إستنساخ التمرد المصري واردة جدا في ظل سياسة الهروب إلى الأمام والمكابرة التي تتوخاها حركة النهضة و ارتفاع منسوب العنف و تدهور الأوضاع المجتمعية لأغلب فئات المجتمع و توحد أغلب أطياف المعارضة على مطالب موحدة
كما أن التكهن بسيرورة الأحداث في وضع متفجر كالذي تمر به تونس اليوم يعتبر ضربا من ضروب العبث. ولكن المسار الأنسب لا يكون بجمع توقيعات لإسقاط المجلس التأسيسي و الحكومة و الإجهاز على المسار الإنتقالي برمته فمع هناته العديدة إلا أنه يبقى قابلا للإصلاح على كل حال فهذه الراديكالية المقيتة لن تؤدي بنا إلا إلى حرب أهلية لا يعرف منتهاها إلا لله سبحانه و تعالى

الأنسب هو تجييش الشارع و تجميع التوقيعات و حشد الجماهير و القيام بمظاهرات عارمة و لكن للضغط والدفع باتجاه انتخابات حرة ونزيهة و ذلك بالمطالبة أولا بتحديد موعد نهائي للانتخابات التي ستفضي بكل تأكيد إلى فشل حركة النهضة مما سيؤدي بدوره إلى هزيمة تاريخية للإسلام السياسي في صيغته الأصولية و لتضغط ثانيا من أجل نزع فتيل الألغام المنتشرة في الدستور و من أجل الدفع إلى ضمان أكثر إستقلالية للهيئة التي ستشرف على الانتخابات المقبلة . باتباع هذا المسار ستتمكن تونس من الحسم الفعلي والنهائي مع مشروع الإسلام السياسي الذي سينتهي شعبيا من خلال هزيمة انتخابية تقطع المجال أمام الإسلاميين على لعب دور الضحية مجددا و تسمح لتونس بولوج عصر الحداثة من أوسع أبوابه.

 

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights