رمضان والتقويم القمري-الشمسي
|رمضانكم مبارك. أعاده الله على جميع المسلمين بالخير واليمن والبركة.
يأتينا رمضان في هذه السنة في عزّ الصيف، ليكون بذلك إسما على مسمّى، فالرَّمَض : حرقة الصيف . وأرمضَ الحرُّ القومَ : اشتد عليهم وآذاهم. ولعلّ الصيام في مثل هذا الطقس يكون أدعى للأجر وأثبت للثواب.
ورمضان هو الشهر التاسع من السنة الهجريّة الّتي تعتمد تقويما قمريا يوافق أطوار القمر، فيكون الشهر منه مساويا للفترة الفاصلة بين هلالين، عكس التقويم الشمسي المرتبط بدورة الأرض حول الشمس التّي تتمّ في 365 يوم وربع اليوم.
ولرمضان أسماء أخرى لدى العرب في الجاهليّة. فهو “زاهر” حسب رواية المسعودي أو “نافق” حسب رواية البيروني.
وقد يبدو من المحيّر أن يسميّ العرب هذا الشهر بما يدلّ على وقوعه في الصيف، في حين أنّ التقويم القمري لا يوافق فصول السنة فيقع رمضان تارة في الصيف وتارة في الشتاء. وعلى الأرجح، فإنّ العرب في الجاهليّة لم يكونوا يعتمدون تقويما قمريّا صرفا، بل تقويما قمريّا-شمسيّا. فبما أنّ عدد أيّام السنة الشمسية 365 يوما، وعدد أيّام السنة القمرية 354 يوما، فذلك يعني أنّ السنة القمرية لا تتوافق مع فصول السنة ولذلك كان العرب يضيفون كلّ ثلاث سنوات شهرا إضافيا إلى السنة لتكون تلك السنة “كبيسة” ذات 13 شهر، وهو ما يؤدّي تقريبا إلى التوافق بين التقويم القمري والتقويم الشمسي في كلّ دورة تمتدّ لثلاث سنوات.
وليس اعتماد التقويم القمري-الشمسي ببدعة عربية. فقد اعتمدت مثل هذا التقويم عدّة شعوب كالصينيين والرومان والغاليين والمقدونيين. وقد كانت بعض الشعوب أكثر دقّة في اعتماد مثل هذا التقويم، فقد تفطّن ميتون الأثيني (ومن قبله كيدينو الكلداني) أنّه في كلّ 19 سنة، يكون الفرق بين السنة القمرية والسنة الشمسية هو بالضبط سبعة أشهر. وبالتالي، بإضافة سبعة أشهر كلّ 19 سنة إلى السنة القمرية، يكون التوافق كاملا بين التقويمين (الفرق بينهما يكون فقط بضع ساعات). وقد اعتمد العبريون والبابليون في تقويمهم على هذا المعطى، فكانوا يضيفون سبعة أشهر إلى كلّ دورة ميتونية (تتكون من 19 سنة)، ويوزّعون هذه الأشهر السبعة على امتداد سنين هذه الدورة فكانوا يجعلون السنوات الثالثة والسادسة والثامنة والحادية عشر والرابعة عشر والسابعة عشر والتاسعة عشر سنوات كبيسة ذات 13 شهر بدل 12.
وقد استمرّ العمل بالسنوات الكبيسة لدى العرب بعد الإسلام إلى حدود السنة التاسعة للهجرة. فنزل قوله تعالى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (التوبة/ 36-37) والنسيء: عادة كان يتّبعها العرب في الجاهليّة تمكّنهم من تأخير وتسبيق الشهور الحرم حتّى يحلّ لهم القتال فيها. ويبدو أنّ النسيء اعتبر قريبا من “كبس” السنوات، ذلك أنّ العرب كانوا يتحرّون في الكبس أن يوافق موسم الحج، بما يرتبط به من حركيّة تجارية، دائما وقت اعتدال الطقس. فتمّ إبطال هذه العادة، لتفقد بذلك السنة القمريّة عند المسلمين أهمّيتها كتقويم لتحديد الفصول ويقتصر دورها فقط على الجانب الديني. ونظلّ بذلك نعيش ازدواجيّة بين استعمال “القمر” لديننا و”الشمس” لدنيانا، إضافة إلى ازدواجات أخرى عديدة، في حين كليهما من آيات الله، كما قال الإمام الشافعي:
الشمس والبدر من أنوار حكمته
والبرُّ والبحر فيضٌ من عطاياه