ألم نكن أوّل من أساء إلى رسولنا؟
|الرأي السائد و الشائع عند الشعوب الاسلامية و خاصّة العربية منها هو أنّ “الغرب” منخرط منذ القديم في حرب ضدّ الاسلام فهو لا يتردّد في شيطنة المسلمين و وصفهم بالارهابيين ولا يتوانى عن تشويه الإسلام والرسول، فشغل “الغرب الكافر” كان و لا يزال السخرية من المعتقدات الاسلامية والاستهزاء بالرسول الاكرم من خلال رسوم كاريكاتورية وأشرطة سينمائية ( إن صحّ وصفها فنيا بالأشرطة السينمائية). وتصوّر هاته الرسوم والأشرطة الرسول بصورة مشينة بشعة، فهو يلوح من خلالها – و حاشاه- رجلا شهوانيا، مهووسا بالجنس و النساء، يلهث وراء إشباع غرائزه متفاخرا متباهيا بذلك، كما يصوّر بهيئة الرجل المتعصب الدوغمائي المتعطّش للدّماء الذي لا يتردّد في سفك دماء من يخالفونه في الدّين أو المعتقد أو حتّى من يخالفونه في الرأي.
و وفاءا منّا لثقافتنا السطحيّة و تركيبتنا الذهنية و النفسيّة الهشّة الانطباعيّة، لم نقم دائما وبصفة متتالية إلاّ بحرق السّفارات و الدّعوة الى مقاطعة البضائع الاجنبيّة. و ما يجهله العديد أنّ المادّة المجمّعة و الأفكار المعبّرعنها في الأشرطة أوفي الرسوم المسيئة لا تجد مصدرها إلاّ في كتبنا و مؤلفاتنا و مراجعنا و علمائنا.و سنبيّن ذلك سريعا نقطة بنقطة.
1- روايات و أحاديث تصوّر الرسول صلّى الله عليه و سلم في ثوب الرجل الشهواني المدمن على الجنس و النساء
فقد أخرج البخاري مثلا في صحيحه الروايتين التاليتين
ـ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ ذَكَرْتُهُ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَخ طِيبًا)”
ـ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ :” كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ . قَالَ قُلْتُ لأَنَسٍ أَوَ كَانَ يُطِيقُهُ قَالَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلاَثِينَ . وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ إِنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ تِسْعُ نِسْوَةٍ “
تشير الرواياتان السابقتان الى أنّ النبى صلّى الله عليه و سلّم كان يطوف على نسائه فى ليلة واحدة، وهذا اتّهام للرسول أنه كان يخصّص وقته لا للدعوة بل للمتعة الجنسية التي لا يشبع منها !!! كما تدّعي الرواية الثانية أنّ الرّسول صلىّ اللّه عليه و سلّم أعطي قوة ثلاثين رجلا (أو أربعين رجلا او ستّين رجلا في روايات أخرى) في الجماع !!!من الذي قام بقياس هذه القدرة أو القوّة ؟؟؟ ثم هل من الممكن أن نصدّق أنّ الرسول صلّى الله عليه و سلّم كان يتباهى أمام أنس بن مالك وغيره من أصحابه بقوّته الجنسيّة الفارعة الأسطوريّة هذه؟؟؟؟ هل أنّ الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم جاءنا نذيرا بشيرا متمّما لمكارم الاخلاق و خاتما للرسالة الإلهية أم جاءنا آلة جنسية متوحشة تأتي على الأخضر و اليابس؟؟؟ ثم ّهل يمكن أن نصدّق أنّ زوجات النبي وأمهات المؤمنين يقمن بإفشاء مثل هذه الأسرار الخاصة الحميمية بين الناس لتصبح مشاعا ..؟؟ ويكتب فيها روايات؟ وتصبح أحاديث صحيحة فبما بعد؟؟؟ و الحال أن ّ عائشة نفسها تروي الحديث التالي الذي أخرجه مسلم أنّ الرسول لله ـ صلّى الله عليه وسلم قال : “إنّ من شرّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سرّ صاحبه“. بل إفشاء هذه الأسرار قد يؤدّي بالمرأة إلى النار كما روى الإمام أحمد في مسنده . فكيف يمكن لأمّهات المؤمنين أن يقدمن على مثل هذا الصنيع وكيف يمكن لعائشة خاصّة أن تتفنّن في سرد أدّق تفاصيل حياتها الزوجية مع الرسول صلىّ اللّه عليه و سلّم؟؟؟
لا يمكن ان نتجاوز هذه النقطة قبل أن نعرّج أيضا على الرواية الموجودة في صحيح البخاري و التي تشير الى أنّ الرّسول صلّى الله عليه و سلّم تزوّج عائشة رضي الله عنها و هي بنت ستّ سنوات و دخل بها في السنة التاسعة من عمرها. و قبل أن يدخل بها كان يمارس معها ما يسمّى بالمفاخذة!!! كيف يمكن لعاقل أن يقبل بمثل هاته الرواية؟؟؟ كيف يمكن لعاقل أن لا يتعرّض لهاته الرواية دون خروج بصورة مشّوهة عن الرسول صلى الله عليه و سلّم؟؟ هاته الرواية لا يمكن أن تكون إلاّ باطلة و هو ما بينّه العديد من العلماء المحقّقين القدامى والمحدثين عندما برهنوا، استنادا الى روايات متفرّقة أخرى، موجودة في البخاري نفسه، أّنّ سنّ السيدة عائشة عند زواجها بالرسول صلّى الله عليه وسلم لا يمكن ان يكون إلاّ محصورا بين 18 و 21 سنة.
2- روايات و أحاديث تصوّر أنّ الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم يسهو و ينسى الوحي
من ذلك ما أخرجه البخاري عن عثمان ابن أبي شيبة : حدّثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت :” سمع النّبي صلّى الله عليه وسلّم رجلا يقرأ في المسجد فقال رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها في سورة كذا وكذا“.[1] فالنبي يظهر في هاته الرواية و غيرها مضطربا غير قادر على ضبط الوحي وحفظه و هذا فيه تشكيك في القرآن و صحّته. و هذا ليس بغريب على رجل وقع تحت تأثير سحر عظيم كما تقول الرواية التي اتفق على تخريجها كلّ كن البخاري و مسلم وابن ماجة والإمام أحمد، و تقول الرواية واللّفظ هنا للبخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : ” سحر رسول الله – صلى الله عليه وسلم- رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم ، حتى كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يخيّل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله ، حتى إذا كان ذات يوم – أو ذات ليلة – وهو عندي ، لكنه دعا ودعا ، ثم قال : يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجليَّ ، فقال أحدهما لصاحبه : ما وجع الرجل ؟ فقال : مطبوب ، قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم ، قال : في أيّ شيء ؟ قال : في مشط ومشاطة ، وجف طلع نخلة ذكر ، قال : وأين هو ؟ قال : في بئر ذروان ، فأتاها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في ناس من أصحابه ، فجاء فقال : يا عائشة كأنّ ماءها نقاعة الحناء ، أو كأنّ رؤوس نخلها رؤوس الشياطين ، قلت : يا رسول الله ، أفلا استخرجته ؟ فقال : قد عافاني الله ، فكرهت أن أثوِّر على الناس فيه شراً ، فأمر بها فدفنت ” .
وفي رواية أخرى للبخاري عن عائشة : ” كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم سُحِر ، حتى كان يُرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن – قال : سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا ، وفي رواية قالت :” مكث النبي – صلى الله عليه وسلم – كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتي …”.
فكيف يمكن لرجل مسحور إلى درجة أنّه لا يتذكر إن أتى زوجاته أو لم يأتيهن أن لا ينسى الوحي و القرآن؟؟؟ إذ أنّه لو جاز على النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ أن يتخيل أنه يفعل الشيء وما فعله ، لجاز عليه أن يظن أنه بلَّغ شيئـًا وهو لم يبلِّغه ، أو أن شيئـًا ينزل عليه ولم ينزل عليه.
وهو أمر مستحيل في حقّه صلّى الله عليه وسلم لأنه يتنافى مع عصمته في الرسالة والبلاغ .
فهاته الرواية تخالف القرآن الكريم مخالفة قطعيّة في نفي السحر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالقرآن نعى على المشركين ووبّخهم على نسبتهم إثبات السحر إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال سبحانه : “وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا * انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا” } الفرقان 8 – 9) ، وقال جلّ وعلا : نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا * انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا “} الإسراء 47 – 48). ثم تأتي الروايات لتكذّب القرآن و تقرّ بسحر الرسول صلى الله عليه و سلّم!!! عجيب!!!
3- روايات و آحاديث تصوّر أنّ الرسول سفاّك متعطّش للدّماء لا يتوانى عن قتل الأبرياء من ذلك ما اخرجه الإمام احمد في مسنده عن عبد اللّه ابن عمر – رضي الله عنهما – : أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال: “بُعِثْتُ بين يَدَيِ السَّاعة بالسَّيف، حتى يُعبَدَ اللهُ وحدَه لا شريك له، وجُعِلَ رِزْقي تحت ظلِّ رُمْحي، وجُعِلَ الذَّلُّ والصَّغار على مَنْ خالَف أمري، ومَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فهو منهم“.
هاته الصورة الوحشية تخالف الصورة الرحمانيّة القرآنية للرسول صلىّ اللّه عليه و سلّم فهو لم يبعث إلاّ رحمة للعالمين، زاده الحكمة و الموعظة الحسنة، لا الرمح و السّيف. فالقرآن الكريم يزخر بأكثر من ألف آية تقرّر الحرية المطلقة في العقيدة و العبادة و لا يمكن للرسول أن يكون “قتاّلا” (كما تقول رواية أخرى) يسفك دماء أناس أبرياء مسالمين لمجرّد أنهم يختلفون عنه في الدّين أو أن يأمر بقتل امرأة لمجرّد أنها نظمت فيه أبياتا هجائية كما هو وارد في روايات أخرى. فالقتال الوحيد الذي شرّعه الله لرسوله هو القتال الدفاعي الذي يتصدّى لهجوم و اعتداء مسبقين فالله يقول في كتابه العزيز : ” وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ” (البقرة 190).
إنّ تخليص تراثنا و وعينا الاسلامي من هاته الشوائب و الأدران اتي أثقلت علينا و أحرجتنا وأضرت بصورة ديننا و رسولنا بات أمرا ملّحا و ضروريا و لن يتم إلاّ اذا جعلنا من القرآن الكريم مصفاتنا الوحيدة و معيارنا الأول و الأخير في الحكم على الأحاديث و الآثار و الأخبار.
[1] البخاري، الحديث 5860 و أخرجه مسلم في صحيحه و أحمد في مسنده.
حدث نيتشه قال قي كتاب زرادشت:”ان الله قد مات… مات جراء حبه للبشر.”
يسقط المزارعين.
رأي سديد استاذ خالد.