ماذا وراء الظهور المفاجئ لرشيد عمّار؟

rachid-ammarالظهور المفاجئ لقائد أركان جيوشنا رشيد عمّار وإعلانه استقالته تحت مسمى التقاعد لا يبدو ظهورا بريئا بالمرة ويفتح المجال لبناء عديد الاستنتاجات فالرجل الذي ظل لسنوات عديدة على راس الجيش رغم حلول أجل تقاعده دون أن يفكر في ذلك يقرر فجأة الانسحاب و في برنامج تلفزي .ولا نخال أيضا هذا الانسحاب أتى لشدة تأثره بدعوة النائب محمد عبو له للاستقالة فلا نظنه لا مرهف الإحساس و لا ضعيف الشخصية لهذه الدرجة (أقلها هذا يتنافى و طبيعته العسكرية وحتى مع مواقفه و إلا أنى له أن يجد الجرأة للوقوف في وجه بن علي و رفض أوامره إبان الثورة كما صرح هو بنفسه؟)

هذا الظهور ربما ينبئ بدور جديد سياسي يريد العسكر، ويراد لهم، لعبه ليس في تونس وحدها وإنما في بقية بلدان الربيع العربي خصوصا في ظل الأحداث التي تعيشها مصر أخيرا.

هذا الدور الذي يبدو غريبا عنا في تونس، على عكس مصر، فانه قد لا يكون نتاج رغبة شخصية منهم بقدر ما هو ضرورة ملحة تمليها الظروف التي تعيشها المنطقة عامة وتونس بالتخصيص، موضوع هذا المقال، في ظل أزمة سياسية خانقة .

فللجيش رصيد هام من المصداقية اكتسبها منذ أيام الثورة باعتبار الأدوار الهامة التي لعبها خلالها أو بعدها وهو ما أكد عليه مرارا و تكرارا الجنرال عندما تحدث عن دور الجيش إضافة إلى دوره الشخصي في الأيام الحرجة للثورة وانتصاره لإرادة الشعب ضد بن علي. هذه المواقف هي  التي جعلت الجيش قريبا جدا من الشعب و محبوبا منه وهو ربما الشيء الذي دفع الجنرال إلى التكلم بلغة سهلة لامست حد الشعبوية أحيانا كثيرة فلا نخال جنرالا قضى عمره يتكون ويكون في أعرق المدارس العسكرية العربية تكون كل خلاصة سنوات خبرته هذه خطة عسكرية تقوم في جوهرها على الإيمان بقدرة أوليائنا الصالحين في الذود عن ثغور الوطن ضد  أي تهديد، ولكنه أراد ربما أن يظهر قربه من الناس ولو أن الطريقة كانت مبتذلة أحيانا  .

أيضا حديثه و بكل صراحة عن المخاطر التي تهدد أمن تونس رغم  انه قائد لأركان جيشها مباشر لمهامه على رأسه عليه واجب التحفظ المحمول على عاتق أي موظف عمومي (فما بالك بجنرال عسكري تقوم طبيعة عملهم على السرية والكتمان ؟) هذه المصارحة بحقيقة الأوضاع بقدر ما تهدف إلى  وضع الناس في الصورة الحقيقية للوضع فهي تهدف في الآن نفسه إلى إبراز حاجتهم إلى قائد قوي ذي خلفية عسكرية صارمة قادر على حمايتهم في ظل شعور الشعب بالخطر وخذلان الطبقة السياسية له و عجزها عن حمايته. فالأولوية إذن لمن يستطيع توفير الأمان للشعب و من أقدر على هذا من قائد اركان جيشهم؟

هنالك أيضا معطى الضعف السياسي و حالة التجاذب و التباين الحاد بين الأحزاب السياسية و داخل المجلس التأسيسي وعدم وجود أي أفق واضح للحل بأيدي هؤلاء السياسيين الذين يبدون أحوج من غيرهم الآن إلى مخلّص يرفع عنهم عبء هذه المرحلة و المأزق السياسي الذي يعيشونه .

هاته الطبقة السياسية على تنوعها، وخصوصا رغم جميع خلافاتها، تبدو في حالة وئام مع الجيش هذا الخير الذي بإمكانه الاستفادة من الإجماع الحاصل حوله من مختلف الفرقاء السياسيين حتى يكون ورقة خلاصهم ربما في استنساخ للتجربة اللبنانية خصوصا مع ميشال سليمان.

ما قيل عن تونس ينطبق أيضا في مصر التي تخوض الآن تجربة أليمة و تمر بمرحلة دقيقة من ثورتها مع اتّخاذ الاحداث فيها طابعا دمويا ربما يكون الحل الوحيد فيها هو التدخل المباشر للجيش صاحب التجربة السياسية الطويلة في هذا البلد .

و لـكن رغم أن كل ما قيل يبدو ايجابيا و قد يعطي انطباعا أن في حكم العسكر خلاصا لشعوبنا من أزماتها إلا أن التاريخ أيضا يبين أن الجيوش التي اعتلت سدة الحكم لم تكن يوما رؤوفة بشعوبها. إنّ شعوبنا التي ثارت من أجل حريتها وتحقيق الديمقراطية عليها الصبر قليلا على هذا المخاض الذي تعيشه ثوراتها على ألمه و دمويته على أن تسلم طواعية الحكم للعسكر فالقليل من الأمل في الغد أفضل من عدمه .

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights