السياسة عبر المعابر

بعد أشهر من النشاط على المستويات التجارية والعسكرية والسياسية ، هدأت الحركة في المعابر الحدودية بين تونس وليبيا قبل أن تتوقّف تماما إثر قرار الإغلاق الّذي اتخذته السلطات التونسية بعد تكرار حوادث إطلاق النار والتعدي على التراب التونسي وغيرها من الاستفزازات من الطرف الليبي .
غير أن هذه الأحداث والتطورات لا تبدو بمعزلٍ عن العمل السياسي في كل البلدين الذي يبدو أكثر من محدد في جملة هذه التطورات الأخيرة .
ففي ليبيا ، تزامنت هذه الأحداث مع سعي المجلس الانتقالي والحكومة الجديدة المنبثقة عنه إلى فرض سلطتها على هذه المعابر الحدودية وسحب البساط من تحت ثوار الجبل الغربي الذين يمسكون بزمامها بعد أن خاضوا هم معارك تحريرها من أيدي الجيش الليبي النظامي سابقاً ، ويتزامن ذلك مع توجه الحكومة الليبيّة نحو سحب آخر أوراق الضغط التي يمتلكها الأمازيغ في ليبيا وحصر نفوذهم خصوصاً بعد تراجع المجلس الانتقالي عن وعوده السابقة لهم في الاعتراف لهم بهويتهم وتمكينهم من الاستقلالية في حكم مناطقهم .
السياسة في تونس أيضاً لا تبدو بعيدةً عن كل هذا ، فتونس معنية بدرجة مباشرة بتحكم السلطة المركزية في طرابلس (المدعومة دولياً ) في حدودها الغربيّة عوض الميليشيات المسلحة، والتضييق على عمليات التهريب وخصوصاً منها المتعلقة بالأسلحة إلى التراب التونسي. إذا أضفنا إلى ذلك الأيادي الخارجية الّتي تبدو لاعباً رئيسيا في الموضوع ، فهذه الأزمة قد تمكنها من صوغ مبرر مقنع للتواجد الدائم في ليبيا تحت مبرر تشكيل وتدريب قوة نظامية جديدة ليبيا بإمكانها ضبط الأمور الأمنية هناك في ظلّ تشتت أجهزة الشرطة والجيش السابقين ، وهذا الوجود سيكون مبررا بل ومرحبا به ليبيًا ومن جميع الأطراف الأخرى، أضف أنّ من أولويات الغرب دعم وتقوية الحكومة الجديدة التي تحظى بثقته وتمكينها من بسط نفوذها وسيطرتها على حساب الميليشيات المتعددة الموجودة هناك وخصوصاً تلك المعروفة بتشددها وتطرفها .

قد تبدو إذن الأحداث في ليبيا للوهلة الأولى عادية باعتبار ما يعيشه البلد من ظروف بعد سقوط نظام العقيد…غير أن محاولة وضع هذه الأحداث في إطارها الجغراسياسي وتحديد مطامح كل من الأطراف المتداخلة بشكل مباشر يبرز أن السياسة كما التجارة …تمر عبر المعابر

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights