حول شرعيّة قرار الجامعة العربيّة بشأن سوريا
|أقرّ مجلس جامعة الدول العربيّة يوم أمس السبت 12 نوفمبر 2011 تعليق مشاركة الوفود السوريّة في الجامعة العربيّة كما دعا الدول العربيّة إلى سحب سفرائها من دمشق وتعهّد بتوفير الحماية للمدنيين السوريين وطلب من الجيش السوري التوقّف عن قتل المدنيين. وقدّ اتّخذ هذا القرار بموافقة 18 دولة واعتراض اليمن ولبنان وامتناع العراق عن التصويت.
وفيما رحّبت الولايات المتّحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والأمين العام للأمم المتّحدة بهذا القرار، كان ردّ الفعل الرسمي السوري عنيفا، إذ انتقد مندوب سوريا لدى الجامعة العربية يوسف أحمد هذا القرار معتبرا إيّاه غير قانوني ومخالفا للميثاق والنظام الداخلي للجامعة ولا يساوي الحبر الذي كتب به وأنّ مثل هذه القرارات لا يمكن أن تتّخذ إلا بالإجماع في مؤتمر قمّة. وأثار هذا الردّ نقاشا حول مدى شرعيّة القرار المتّخذ.
بالرجوع إلى ميثاق جامعة الدول العربيّة لسنة 1945، نجد أنّ حالة تجميد العضويّة غير منصوص عليها في نصّه، عكس حالتي الانسحاب وإنهاء العضويّة المنصوص عليهما في المادة 18 من الميثاق.الانسحاب يتمّ بإرادة الدولة المعنيّة المنفردة، أمّا إنهاء العضويّة، فهو قرار يتّخذه مجلس الجامعة تجاه دولة يعتبر أنّها لا تقوم بواجبات الميثاق، ويتّخذ هذا القرار بإجماع الدول عدا الدولة المشار إليها. لكنّ قرار 12 نوفمبر لم يتعلّق بإنهاء العضويّة (أو اعتبار الدولة المعنيّة “منفصلة من الجامعة” حسب عبارة الميثاق) بل فقط بتجميدها، أي أنّ الدولة المعنيّة لم تفقد صفتها كعضو بالجامعة، لكن لن يسمح لوفودها، لفترة تنتهي بزوال الموجب وهذا الزوال من المفترض أن يلاحظه مجلس الجامعة في قرار لاحق، بالمشاركة في أيّ نشاط من أنشطة أيّ من هيئات جامعة الدول العربيّة. فما الأغلبيّة المطلوبة لاتّخاذ مثل هذا القرار؟
تنصّ المادة 16 من الميثاق على ما يلي: ” فيما عدا الأحوال المنصوص عليها في هذا الميثاق، يكتفى بأغلبية الآراء لاتخاذ المجلس قرارات نافذة في الشؤون الآتية:
أ – شؤون الموظفين.
ب – إقرار ميزانية الجامعة.
ج – وضع نظام داخلي لكل من المجلس واللجان، والأمانة العامة.
د – تقرير فض أدوار الاجتماع.”
تأويل هذه المادّة يطرح إشكالا. فطالعها يوحي أنّها تجعل من الأغلبيّة (البسيطة) القاعدة، ومن غيرها الاستثناء، أي أنّ جميع القرارات تتّخذ بالأغلبيّة باستثناء ما نصّ الميثاق صراحة على عكسه. غير أنّ بقيّة المادة تجعل من أخذ القرارات بالأغلبية مقتصرا على أربعة ميادين حصرا، حسبما يتبيّن من عبارة النصّ، ممّا يجعل من طريقة اتّخاذ قرارات غير تلك الواردة بنصّ الميثاق غير مبيّن. ويبدو أنّ المنظّمة اتّجهت نحو تأويل هذه المادة بطريقة موسّعة، حيث اعتبرت أنّ الأغلبيّة هي القاعدة، حتّى في الشؤون الخارجة عن حصر المادة 16. وللجامعة سوابق في ذلك، فقد سبق لها تجميد عضويّة كلّ من مصر (1978) وليبيا (2011) رغم أنّ القرارين لم يحظيا بالإجماع. وهو تأويل يبقى قابلا للنقاش.
أمّا في خصوص زعم الممثّل السوري أنّ قرار تجميد العضويّة يستوجب اجتماع الزعماء العرب في مؤتمر قمّة، فهو ما لا سند له في الميثاق. فالمادة 3 تنصّ على أنّ المجلس “يتألف من ممثلي الدول المشتركة في الجامعة” دون تحديد لصفتهم، حتّى جاء النظام الداخلي للمجلس المؤرّخ في 1973 لينصّ على أنّه ” يعقد المجلس دوراته على مستوى وزراء الخارجية أو مستوى أعلى ولهم أن ينيبوا عنهم مندوبين مفوضين وفقًا للمادة الثانية من هذا النظام.”
وبشأن إلزاميّة قرار سحب السفراء العرب من سوريا، فإنّ المادة السابعة من الميثاق تنصّ على أنّ القرارات المتّخذة بالأغلبيّة تلزم الدول الّتي اتّخذته، وبالتالي فالدول الّتي لم تصوّت لصالح القرار غير ملزمة بسحب سفرائها وهي اليمن ولبنان والعراق. وفي كلّ الأحوال، ينصّ القرار أنّ سحب السفراء قرار سيادي يخصّ كلّ دولة بمفردها، فيمكن حتّى للدول الّتي صوّتت لصالح القرار أن تقرّر عدم سحب سفرائها، وهو ما بادرت الجزائر بإعلانه.
أمّا في خصوص ما يتعلّق بحماية المدنيين ودعوة الجيش السوري إلى وقف إطلاق النار، فيبدو تجاوزا للصبغة السياديّة للمنظّمة الّتي يعبّر عنها خصوصا مبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخليّة للدول الأعضاء (كما يستنتج من المادتين الثانية والثامنة). ويبدو أنّ هذا التطوّر يأتي في إطار ما يعرف بواجب الحماية الّذي أقرّته بعض الوثائق الصادرة عن المنظمات الدولية كالوثيقة الختاميّة للقمّة العالميّة الستّين لمنظّمة الأمم المتّحدة المنعقدة سنة 2005، غير أنّ مثل هذا الواجب لم يتمّ تكريسه، بعد، في ميثاق جامعة الدول العربيّة وبالتالي لا وجود لأساس نصّي لاتّخاذ مثل هذا القرار.