رئيس الجمهورية في حلته الجديدة
|بعد أيامٍ من انتخابه كرئيس للجمهورية، بدأ الدكتور منصف المرزوقي بإثارة الجدل حول شخصه لما حملته صورته من تناقضات.
فقد حافظ الدكتور على الصورة النمطية لرئيس الجمهورية ( رغم تخليه عن ربطات العنق ومحاولات إظهار تمسكه بجذوره البدوية في لباسه ) فهو ومن خلال زياراته المتكررة وخطبه الكثيرة ونشاطه الرئاسي المحموم من استقبال الوفود وأحزاب المعارضة وحتى القيادات الدينيّة في تونس يبرز محاولات محافظته على الدور المعهود لرئيس الجمهورية والذي ارتسم في أذهان التونسيين بكونه القائد الأول للبلاد ، رغم أن تونس تعيش الآن في ظل نظام أقرب منه للنظام البرلماني حيث تتحكم الحكومة عبر رئيسها في معظم دواليب الحكم في البلاد .
غير أن هذا الدور البارز شكلاً يخفي خللاً كبيراً في مضمونه فالسيد الرئيس أولاً تجاوز الأدوار المسندة إليه صلب قانون تنظيم السلطات العمومية و اعتدى على صلاحية رئيس الحكومة عبر إطلاق الوعود والحديث عن برامج تنموية وحتى عن عزمه بيع البعض من أملاك الدولة متمثلة فالقصور الرياسية رغم أن السلطة الترتيبية المتحكمة في مثل هذه الأمور ليست ضمن مشمولاته أساساً .
وإن كان الأمر يجد تبريراً سياسيا له في محاولة السيد الرئيس ربما الاقتراب أكثر من مواطنيه ومحاولة كسب بعض النقاط لصالحه ولصالح حزبه (رغم استقالته منه) في الانتخابات المقبلة وكذلك كنوعٍ من الرد المباشر على الضجة الكبيرة التي رافقت تسلمه لمنصبه والتشكيك الكبير في دوره عبر نعته بالرمزية والشكلية وحتى بأنه تخلى عن كل دور وكل صلاحية لفائدة حلفائه في سبيل تحقيق حلمه الذي صرح به حين عودته ودماء شهداء الوطن لم تجف بعد في الوصول إلى منصب الرئاسة. فأضحى النشاط الحافل والذي تصدر بفضله نشرات الأخبار وصفحات الانترنت يشكل إجابة عملية من قبله لهؤلاء ليبرز بذلك أنه لاعب رئيسي في اللعبة السياسية القائمة .
كذلك فقد برز السيد الرئيس بتصريحاته الغريبة والتي و إن كنا قد اعتدنا على صراحته البالغة في البوح بكل ما يختلج لديه من مشاعر إلى حد الانفلات وذلك في الفترة الماضية وإبان الحملة الانتخابية، فإن هذا الأمر الآن يتنافى مع دقة المرحلة وضروريات المنصب الذي يشغله والذي من يفرض عليه أن يقرا جيداً لكل كلمة ألف حساب وحساب باعتبار أن ما يصدر عنه الآن يعتبر موقفا رسمياً للدولة و ينعكس على شعب كامل ويرتب جميع آثاره في علاقتنا بمحيطنا ، ولعل تصريحه الأخير تجاه فرنسا الشريك التاريخي والإستراتيجي لتونس يطرح عديد نقاط الاستفهام حول الحنكة السياسية لرئيسنا الجديد ومدى قدرته على الحفاظ على العلاقات الخارجية لتونس والتي تطلب الكثير من الرصانة الدبلوماسية وله في رئيس الحكومة السابق الباجي قائد السبسي أسوة وهو الذي إبان الأزمة الليبية الأخيرة استطاع أن يقود بنجاح الدبلوماسية التونسية في التعامل مع طرفي النزاع وأن ينجي بلدنا من تبعات أزمةٍ حقيقية تبلغ حد الكارثة لو أخطأ ولو قليلاً في التعامل معها وهو الذي لم يعبر عن موقف حكومته وشعبها إلا في اللحظات الأخيرة من النزاع بعد أن ضمن تجنيب الوطن ويلاته وأخطاره .أما رئيسنا الحالي، وعلى نقيض هذه الصورة، برز بتصريحاته المنفلتة وأقواله غير محسوبة النتائج .
في الختام، وبعد أيامٍ من حكم السيد الرئيس، تبدو صورته مزدوجة بين القديم والجديد: صورة أولى معهودة عن نشاط الريس وتدخله في معظم مجالات الحياة في تونس، وأخرى جديدة كلياً علينا كشعب تتمثّل في الانتقال من رئيس لا ينطق إلا بالكلمات الرسميّة إلى آخر يجد صعوبة في السيطرة على أقواله تجاه الداخل والخارج..والأكيد إن عناصر المشهد السياسي سيعاد ترتيبها بعد تشكيل الحكومة ودخول رئيسها كلاعب أساسي آخر في الحياة السياسية.