توضيح حول الأساس الدستوري للتعديل الوزاري المرتقب
|ذهب البعض من الخبراء في القانون الدستوري إلى التأكيد على ضرورة تقديم رئيس الحكومة حمادي الجبالي لاستقالته الى رئيس الجمهورية الذي يتولى بدوره تكليف شخص آخر بتكوين حكومة جديدة على معنى الفصلين 15 و 19 من القانون المتعلق بالتنظيم الوقتي للسلط العمومية. هذا التكييف القانوني و الدستوري متسرع وغير سليم و ذلك للاعتبارات التالية:
1– استقالة رئيس الحكومة لا يمكن أن تتم إلا في حالتين اثنتين : بطريقة إرادية من تلقاء نفسه، أو إثر التصويت بالأغلبية المطلقة صلب المجلس التأسيسي على لائحة لوم. حمادي الجبالي لم يشر لا من قريب و لا من بعيد إلى استقالته، كما أننا لسنا إزاء لائحة لوم مصوّت عليها.
2– غياب استقالة رئيس الحكومة يعني أن الفصل المنطبق على هذه الوضعية هو الفصل 17 و لا الفصل 19. الفصل يعطي لرئيس الحكومة صلاحية ” إحداث و تعديل و حذف الوزارات و كتابات الدولة ” و في منطق الأنظمة المجلسية و الأنظمة البرلمانية، عملية التعديل الوزاري لا تستدعي أبدا الحصول على تزكية السلطة التشريعية، فتزكية السلطة التشريعية ليست ضرورية إلا في حالة تشكيل حكومة للمرة أو الوهلة الأولىAb Initio أو تشكيل حكومة جديدة إثر الاطاحة بالحكومة السابقة. وهو ما يؤكده الفصل 17 الذي لم يشترط أيّ تزكية من المجلس إثر عملية التعديل في حين انه اشترط صراحة هاته التزكية في حالة تكوين حكومة للمرة الأولى أو في حالة تعويض حكومة تم الاطاحة بها بلائحة لوم بحكومة أخرى، أو في حالة شغور منصب رئاسة الحكومة نتيجة عجز تام أو وفاة (راجع الفصل 19).
3– البعض قد يعترض على كلّ هذا و يتعلل بأن التحوير المزمع إدخاله هو تحوير كبير و شامل و هو في نهاية الأمر إنهاء مهام الحكومة السابقة و تعويضها بحكومة جديدة. هذه الحجة لا تستقيم لأن التحوير يبقى تحويرا مهما كانت درجته ومهما كانت شساعته و لا يمكن أن يتحول إلى إسقاط للحكومة لأن الحكومة لا تسقط إلا بلائحة لوم كما أسلفنا الذكر، و لتوضيح هذه الفكرة، سأسوق مثالا كلاسيكيا، الكل يعرف الفرق الشاسع بين عملية إلغاء الدساتير من جهة و عملية تعديلها من جهة أخرى، فعملية الالغاء تقتضي تعويض دستور بآخر و بالتالي تتطلب تدخل السلطة التأسيسية الأصلية في حين يتمثل التعديل في عملية إدخال تنقيحات و تغييرات على الدستور نفسه من قبل السلطة التأسيسية الفرعية دون تدخل للسلطة التأسيسية الأصلية لكن العديد من التعديلات الدستورية تكاد تكون عملية وضع لدستور جديد ذلك أنها تطال الأغلبية الساحقة للفصول لكن تبقى دائما من الناحية الشكلية مجرد تنقيحات و تعديلات و لا يمكن ان تتحول أبدا إلى عملية وضع دستور جديد و لا أدلّ على ذلك تنقيح 1976 و تنقيح 2002 لدستور 1959 واللذان طالا العدد الأكبر من فصول الدستور. و بناءا على ما سبق، يمكن لرئيس الحكومة أن يقوم بتحوير شاسع و واسع دون أن يتحول ذلك الى عملية تشكيل حكومة جديدة، فيكفي أن يبقي على وزير واحد في منصبه ( السيد الزبيدي مثلا لأنه مستقل) و يعوض بقية الوزراء حتى نبقى دائما في إطار التعديل الوزاري و الذي لا يستلزم أبدا أية تزكية من المجلس التأسيسي.