مناحيم بيغن: التوراة والبندقية


بقلم: فهمي رمضاني

عديدة هي الدراسات والكتب باللغة العربية التي تناولت الصراع العربي الإسرائيلي ونقدت الرواية الصهيونية ودحضتها، ولكن تندر لدينا المؤلفات التي يكتبها الصهاينة أنفسهم من مذكرات أو دراسات تهتم بالدولة اليهودية ومستقبل الصراع ورؤيتهم لكل أبعاد النزاع. ويعود ذلك ربما إلى ضعف اهتمامنا في الجامعات العربية بالدراسات الإسرائيلية وبالترجمة خاصة من العبرية إلى العربية، وهو ما يكشف قصورنا إن لم نقل عجزنا عن فهم الكيان الصهيوني وأبعاد الصراع العربي الإسرائيلي وكل ما يتعلق بهذه المسائل من قضايا إقليمية وأمنية. في هذا الإطار، وفي ظل حرب الإبادة التي يقودها الكيان الصهيوني على قطاع غزة منذ أحداث السابع من أكتوبر، اخترنا العودة إلى مسيرة مناحيم بيغن، الشخصية الصهيونية التي جمعت بين التوراة والبندقية، أي بين الدين والإرهاب وهو كذلك الأب المؤسس لحركة الليكود، الحزب الديني اليميني المتطرف الذي يوجه دفة السياسة  الإسرائيلية الداخلية والخارجية منذ سنوات  وذلك من خلال الاستناد إلى كتاب “مناحيم بيغن: التوارة والبندقية ” للإعلامي والكاتب  الفرنسي الذي لا يخفي ميولاته الصهيونية فيكتور مالكا والذي صدر في سنة 1977 عشية فوز مناحيم بيغن وحزب الليكود برئاسة الوزراء.

الكتاب في مجمله دعائي، وكأنه جاء ليحتفل بفوز مناحيم بيغن في انتخابات 1977 التي وجهت ضربة قاصمة لحزب العمل، ولكنه أيضا يُطبّع مع الإرهاب الصهيوني بكل أشكاله ويدعمه بحجج واهية، وفي مقابل ذلك يقلل من شأن القضية الفلسطينية إن لم نقل يتجاهلها ويعتبرها مسألة داخلية إسرائيلية ستُحل في وقت وجيز والأهم من ذلك ينتصر الكاتب لبيغن ويمجده، فيعتبره أفضل ما أنجب الفكر الصهيوني، ففيه تجتمع الوطنية والتدين والحب غير المحدود لليهود واليهودية. وإن كنا نعلم تحيز أغلب المفكرين في الغرب إلى الرواية الصهيونة، فإن دواعي اختيارنا لهذا الكتاب تنبع من محاولة فهم العقل الصهيوني وتمثله للدين اليهودي والإرهاب وأرض إسرائيل وذلك من أجل ترشيد الوعي العربي بالمسألة اليهودية والابتعاد عن التحليلات المنساقة للطلب الذوقي الأيديولوجي.

 

منذ طفولته المبكرة كان مناحيم بيغن شديد التعلق بالتقاليد وبالديانة اليهودية، حتى أنه يذكر كيف تحمّل على مضض مزاح وسخرية رفاقه في الفصل الذين تهكموا عليه لرفضه مخالفة قدسية يوم السبت باجتياز امتحان اللغة اللاتينية الذي تحدد في ذلك “اليوم المقدس”. ولد بيغن سنة 1913 في مدينة بريسك البولندية وقد تبلورت نظرته لهويته اليهودية لحد بعيد بتأثير من والده زئيف دوف الذي كان ناشطا صهيونيا في البلدة. وكان بيغن آنذاك يبحث كما يذكر الكاتب عن ذات وطنية يندمج فيها وسرعان ما وجد في صفوف جماعة “البيتار” ما كان يبحث عنه من مثل عليا في زمن الشباب. وتعتبر جماعة “البيتار” من أهم المنظمات الشبابية التابعة للصهاينة المراجعين أو المصلحين وكان من بين أهدافها تثقيف الشباب وجمع يهود المهجر في مكان واحد وقد ترأسها الصهيوني فلاديمير زئيف جابوتنسكي الذي سيكون له أثر كبير على فكر بيغن خاصة في سنوات شبابه. ولا نجانب الصواب إن قلنا أن حركة “البيتار” كانت تتغذى من ايديلوجية عسكرية فاشية من خلال ارتداء زي موحد واتباع تعاليم شبه عسكرية وقد حرر جابوتنسكي نشيد المنظمة الذي يقول “بالدم والعرق سينهض جيل جديد فخور كريم قوي “.

وكان بيغن يلقي الخطابات في صفوف المنظمة بحكم كونه خطيبا بارعا وكان يؤكد على ضرورة استعمال القوة للاستيطان في إرتس إسرائيل، الوطن المقدس، إذ يقول ” إني أقدم ساعدي للدفاع عن وطني والاستيطان في بلادي “. ونرى أنه لا يمكن فهم الفكر المتطرف والعنيف لمناحيم بيغن بدون العودة إلى كتابات ملهمه الروحي زئيف جابوتنسكي زعيم الصهيونية المراجعية أو التعديلية. تبنى جابوتنسكي خط هرتزل في الفكر الصهيوني الداعي إلى تحضير الظروف السياسية لكل عملية استيطانية، كما كان ضد تقسيم فلسطين إلى دولتين ومع إقامة إسرائيل الكبرى التي تمتد من ضفة الأردن إلى البحر، كما كان أيضا من الداعين والمشجعين على تنفيذ عمليات هجرة غير شرعية لليهود نحو فلسطين.

آمن جابوتنسكي كذلك بإقامة دولة يهودية في كل الأراضي الفلسطينية بقوة القتال والتطهير العرقي وألا تقام بغير هذه الوسيلة. وفي سنة 1917 وفي أوج الحرب العالمية الأولى، أسس جابوتنسكي الفيلق اليهودي الذي شارك في العمليات العسكرية في فلسطين وقد كتب بيجين فيما بعد يقول “تعود أصول منظمة الإرغون إلى الفيلق اليهودي الذي كونه جابوتنسكي ابان الحرب العالمية الأولى”. وقد أوجز جابتونسكي برنامج الصهيونية التعديلية كما يلي ” إن برنامجها ليس معقدا، فهدف الصهيونية هو إقامة دولة يهودية أراضيها، ضفتا نهر الأردن ونظامها يتركز على تأسيس عدد كبير من المستوطنات”.

بعد دراسته للقانون، فر مناحيم بيغن إلى ليتوانيا سنة 1940 وتطوع فيما بعد في الجيش البولندي ثم تحول فيما بعد إلى الاتحاد السوفياتي ثم إيران والعراق وصولا إلى فلسطين. آنذاك لم ير بيغن في الصهيونية حركة ثورية تتطلع للتمرد على العالم اليهودي القديم بل أيضا مرحلة طبيعية متقدمة ضمن مسلسل التاريخ اليهودي المتصل اتصالا وثيقا بالدين والقومية. في 1943، عُيّن بيغن قائدا لمنظمة الإرغون وهي منظمة صهيونية عسكرية إرهابية انطلقت أعمالها الإرهابية منذ 1937 واستهدفت الفلسطينيين والبريطانيين. وتتلخص هوية هذه العصابة في شعارها المتمثل في يد تمسك بندقية فوق خريطة فلسطين وكتب عليها بحروف كبيرة ” راك كاخ” أي “هكذا فقط”. ويذكر فيكتور مالكا تفاصيل انضمام بيغن إلى هذه المنظمة ثم تزعمه لها فيما بعد ويعلق على ذلك قائلا ” هنا تبدأ أمجد أيامه”. كثّف بيغن من أعماله الإرهابية في إطار منظمة الإرغون أو إتسل، حيث قامت هذه العصابة بتفجير فندق الملك داود في القدس سنة 1946، فأصبح بيغن من أهم الشخصيات الصهيونية المطلوبة للعدالة وخصصت جائزة لمن يلقي القبض على هذا الإرهابي. ويطلق مالكا على كل هذه الأعمال الإرهابية مصطلحا واحدا، مخاتلا ومؤدلجا وهو “المقاومة اليهودية لبناء الدولة” وربما في ذلك محاولة لإضفاء البعد الوطني على العنف والإرهاب واختلاق تاريخ وطني للأعمال الإرهابية الصهيونية يتماهى مع حركات التحرر آنذاك ضد الإمبريالية والاستعمار لتنخرط الصهيونية مع حركات التحرر في العالم الثالث وفي المستعمرات، لذلك يتحدث أغلب الصهاينة ومنهم بيغن عن استقلال إسرائيل يوم 14 ماي 1948 مثلما استقلت اغلب الشعوب المستعمرة في تلك الفترة.

كان بيغن يقوم بالتخطيط للأعمال الإرهابية التي تستهدف السلطات البريطانية والمدنيين الفلسطينيين. يذكر الكاتب مسؤولية بيغن ومنظمته عن مجزرة قرية دير ياسين في 9 أفريل 1948، لكنه يتبنى الرواية الصهيونية الكاذبة التي تعتبر عملية دير ياسين عملية عسكرية لم يكن هدفها المدنيين حيث تم تحذيرهم ودعوتهم للاحتماء بالمرتفعات. أما إيلان بابيه، فيذكر في كتابه “التطهير العرقي في فلسطين” بأن خطة التطهير العرقي التي سماها بن غوريون الخطة “دالت” (نسبة لحرف الدال باللغة العبرية) قد تجلت بكل وضوح في مجزرة قرية دير ياسين والتي ارتكب فيها الأرغون وشتيرن أعمالا وحشية ودموية من رشق البيوت بنار المدفعية إلى إعدام الشيوخ والأطفال واغتصاب النساء والفتيات.

يهتم الكاتب فيما بعد بالجانب السياسي من حياة مناحيم بيغن حيث توصل هذا الأخير إلى اتفاق مع الدولة الناشئة سنة 1948 إلى ضرورة نزع أسلحة عصابة الإرغون وتحويلها إلى حركة سياسية واتخذت هذه الحركة اسم “حيروت” أي الحرية. وقبل الحديث عن فوز بيغن في انتخابات ماي 1977، يشير الكاتب إلى غروب دولة حزب العمل في أواخر الستينات وبدابة السبعينات، حيث أدت الصراعات الداخلية بين بيريز ورابين إلى إضعاف حزب الماباي الذي تضرر بعد هزيمة حرب أكتوبر 1973. في مقابل ذلك كانت كتلة الليكود في أوج صعودها خاصة بوجود شخصيات لها شعبية في الأوساط الصهيونية مثل أرئيل شارون. أضافة إلى ذلك، عاش المجتمع الإسرائيلي سنوات 1973 و1977 أزمة عميقة زلزلت أسسه ومعتقداته ورؤيته للعالم، حيث يقول الكاتب “انتقل المجتمع الإسرائيلي في عام 1973 من جو الكآبة الذي ساده إلى العنف شبه العصبي مع نوع من الاستسلام المرضي للهلع …كما انتقل من نشوة الانتصار إلى التشبع بالندم والهزيمة”. إلى جانب ذلك تفاقم التفاوت الاجتماعي وتحول المجتمع الاشتراكي المثالي إلى مجتمع مادي تحكمه الرأسمالية الغربية والاستهلاك الشرقي، فظهرت أصوات معارضة خاصة من اليهود الشرقيون حيث كانوا يطالبون بإعادة تقسيم الثروة فهم يقطنون شقق ضيقة ويتلقون تعليما لا يلائم تراثهم الثقافي ونظاما ليس الأفضل للتأمينات الاجتماعية والاعانات العائلية. ويلخص الكاتب كل هذا بقوله “أصبحت إسرائيل مجرد متحف لأفكار القرن التاسع عشر يقام وسط ديكورات القرن العشرين”.

وقد أدت هذه الأزمة العميقة إلى توجه المجتمع الإسرائيلي نحو الدين ونحو بديل سياسي تمثل في الليكود الذي سيحصل يوم 17 ماي 1977 على 44 مقعدا بعد 29 عاما في المعارضة. وقد دشن بيغن رئاسة الوزراء بصلاة في حائط البراق (أو حائط المبكى كما يسميه الصهاينة) ثم زار مستوطنة “قدوم” في الضفة الغربية حيث بارك أنصار “إسرائيل الكبرى” وأعضاء منظمة “غوش إيمونيم” أو “كتلة الإيمان”. وتعد هذه الحركات من أكثر المنظمات الصهيونية الاستيطانية تطرفا حيث انها تؤمن بأن من حق اليهودي الاستيطان في أي مكان من أرض إسرائيل وقتل الاغيار والغرباء وقد حصلت هذه الحركات على تأييد رسمي من قبل مناحيم بيغن وحكومته، لذلك ازداد نشاطها الإرهابي ضد الفلسطينيين خاصة إذا استحضرنا أعمال مائير كاهانا وباروخ غولدشتاين. وفي غمرة نشوته بالفوز في الانتخابات، أجاب بيجين باستهزاء على صحفي كان يسأله عما إذا كان سيضم الضفة الغربية قائلا ” لا يمكن أن نتحدث عن ضم أرض تعد جزءا لا يتجزأ من إسرائيل ” وتمتمت سيدة من حركة غوش إيمونيم “هاهو قد جاء عهد المسيح ” أما الصحافة الامريكية فقد وصفت بيجين بالعبارة التالية ” لقد جاء عهد الصقور “.

كان هدف بيغين بعد الوصول إلى السلطة تشكيل حكومة جديدة تحصل على الأغلبية خاصة بعد انضمام الدينيين له من حزب ماندال والمتشددين من حزب “أغودات إسرائيل” وترى هذه الأحزاب أن التوراة والتراث اليهودي هما الأساس في ديمومة شعب إسرائيل وأن الشعب اليهودي متميز في جوهره عن بقية الشعوب وسيد هذا الشعب هو “ألوهيم” إله إسرائيل وتوراته هي الشريعة المسيطرة على هذا الشعب والأرض المقدسة هي الأرض الموعود بها هذا الشعب عبر العصور. أما هدفه الثاني فقد كان إشعال النيران في حزب العمل وإثارة الفرقة في صفوفه، فعين موشي ديان “بطل حرب الأيام الستة “في منصب وزير الخارجية وانضمت كذلك الحركة الديمقراطية من أجل التغيير إلى الائتلاف الحاكم. كان بيغين حسب تعبير الكاتب مفتونا بالصهيونية ويعتبر شعب إسرائيل شعب الصفوة لذلك جعل من دراسة التوراة مسألة قومية ففي رأيه الصهيونية “هي الحركة الوحيدة التي لم تخن أهدافها لذلك يتعين على كل إسرائيلي أن يعود عودة حقيقية إلى الصهيونية بعد العودة إلى أرض صهيون. كما يتعين مساعدة كل هؤلاء الذين يرغبون في إحيائها أمثال شباب كتلة الإيمان (يقصد حركة غوش إيمونيم) الرائعين”.

وحينما يتحدث بيغن عن يهود الشتات يقول ” لقد حان الوقت للعودة إلى البيت ” وفي خطاب وجهه إلى الشباب اليهودي في فرنسا يقول “إني أعتقد أنه يتعين على هؤلاء الشباب أن يعكفوا أولا على دراسة تاريخ ولغة شعبهم حتى يدركوا عظمة وبطولة إسرائيل ثم عليهم أن يفكروا أيضا في العودة ليشاركوا في إعادة بناء أرض أجدادهم والنهوض بها… بيت آبائهم ينتظرهم”. يعتبر بيغن ولادة الدولة اليهودية علامة على بداية تحرر الشعب اليهودي من الاضطهاد والبؤس، “بداية الخلاص”، وهذا التحرر يجب ان يكون أبديا عن طريق القوة الوحشية ضد الأغيار ويقول في هذا الإطار: “سيبدأ أعداؤنا في التفكير جديا في السلام عندما سيتوصلون إلى خلاصة هو أنهم لا يستطيعون القضاء على دولة اليهود”.

 أما بخصوص منظمة التحرير الفلسطينية فيعتبرها بيغن “مركز تجميع القتلة” حيث يقول “كان يتعين علينا أن نسمي هذه المنظمة بالاسم الجدير بها وهو الوحيد، منظمة النازيين العرب”. ثم يذكر في موضع آخر حينما يتحدث عن العالم العربي والقضية الفلسطينية “يجب أن نتذكر أنه حينما يقول أعداؤنا أنهم لن يقبلوا توقيع اتفاق معنا إلا إذا انسحبنا من حدود 1967 وحل مشكلة الشعب الفلسطيني، فإن ذلك يعني القضاء على دولة اليهود”.

يختتم فيكتور مالكا سيرة بيغن بالإشارة إلى زيارة السادات المفاجئة لإسرائيل، في يوم السبت 19 نوفمبر 1977 حيث يهبط الرئيس أنور السادات من طائرة بوينج مصرية على “أرض إسرائيل” “وهو شيء لم يراود أكثر أحلام الإسرائيليين تفاؤلا”، وقد جاء كما يذكر الكاتب ليقنعهم بانه يرغب بصدق في السلام وكان ذلك “زلزالا حقيقيا وضربة سيكولوجية”. ويؤكد الكاتب على تشابه شخصيتي السادات وبيغن فكلاهما براغماتي وواقعي، كما انهما ألفا كتب متشابهة، الأول ” ثورة على ضفاف النيل” والثاني “ثورة إسرائيل” وأعتقد أن الكاتب هنا قد جازف مجازفة خطيرة باعتبار أن الرجلين خلقا ليلتقيا فالظروف التي مهدت لكامب دايفد لم تكن لها علاقة لا بشخصية السادات ولا بيغن.

ما الذي تكشفه هذه السيرة المتحيزة لشخصية من أخطر الشخصيات السياسية الصهيونية؟

يظهر بيغن طوال مسيرته كمثال لليميني المتطرف المتمسك بالصهيونية واليهودية ومن خلالهما بلور رؤيته السياسية ونظرته لإسرائيل الكاملة ولمشروع المستوطنات، فمنذ توليه الحكم قبل بانضمام “أغودات إسرائيل” الحريدية والتي حازت للمرة الأولى في تاريخ الكنيست على منصب رئاسة اللجنة المالية كما أسند وظيفة وزير التعليم للمرة الأولى إلى وزير من الحزب الديني وهو حزب “المفدال”. فالدين بالنسبة إليه أهم عنصر حافظ على وحدة الشعب اليهودي عبر التاريخ إذ يقول ” كنت أسمع في البيت، إذا رغب أحد الزوجين في الهجرة إلى صهيون والثاني لا يريد، فإن الطلاق مسموح لأن اليهودية فوق قصص الحب”. ويشحذ بيغن هذا البعد الديني التوراتي بنفس وطني قومي، إذ أن بكاءه على حائط البراق هو محاولة لتأسيس موروث وطني جامع من خلال توثيق العلاقة بين علم الآثار والدين والقومية. إلى جانب ذلك، يؤكد بيغن في سيرته على الحق الديني لهذا الشعب في أرضه المقدسة من خلال الحلف الذي أبرمه الاله مع شعبه وهو وعد مقدس وغير قابل للانتهاك وكل محاولة للمساس به تشكل خيانة لإرادة هذا الإله. أما الوطن فهو حق طبيعي وأبدي ينبع من الوعد الإلهي والإيمان بأن أرض إسرائيل تعود للشعب اليهودي استنادا لشرعية موجودة خرج التاريخ الواقعي. لذلك شدد بيغن على ضرورة إقامة مستوطنات في كل أرض إسرائيل ليس لدواع أمنية أو استراتيجية وإنما لكونها أرض إسرائيل التي وعدت بها ذرية إبراهيم. ويعترف بوجود إله إسرائيل كعامل غيبي خارق يرافق مسيرة هذا الشعب ولم يكن الانتصار في حرب 1967 إلا تجسيدا لذلك.

الإرهاب عند بيغن ينطلق من مقولات توراتية مُقدسة في كتاب ديني اعتبره “سفر الحضارة الخالد” أما الأغيار فيجب قتلهم وطردهم وتجسدت رؤية بيغن الأمنية الخارجية في مهاجمته للمفاعل النووي العراقي سنة 1981 والحرب على لبنان سنة 1982 فإسرائيل تواجه صراعا دائما على وجودها والشعب المختار يجب أن يواجه مصيره وحيدا. تستند كل هذه المقولات إلى تلفيق تاريخي فظيع وشرعنة للإرهاب التوراتي المقدس الذي اقتلع شعب كامل من أرضه ومارس ضده أبشع أشكال العنف والاستعمار والاستغلال وما يحدث اليوم في غزة وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة هو مواصلة لما كان يؤمن به بيغن والفكر الصهيوني بصفة عامة وهو فكر عنصري إمبريالي يقتل كل أشكال الحياة.

نُشر هذا المقال بمجلّة حروف حرّة، العدد 38، ربيع 2025

للاطّلاع على كامل العدد وتحميله، اضغط هنا.

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights