آفاق التعليم في تونس بين مطرقة التلقين وسندان الترميم…
|[et_pb_section admin_label=”section” fullwidth=”off” specialty=”on”][et_pb_column type=”3_4″ specialty_columns=”3″][et_pb_row_inner admin_label=”row_inner”][et_pb_column_inner type=”4_4″ saved_specialty_column_type=”3_4″][et_pb_text admin_label=”النص”]
بقلم: أحمد البهلول
من المتّفق عليه أنّ التعليم والتربية هما أساس رقيّ الشعوب وصلاحها، ذلك أنّ تونس قد استطاعت أن تقطع أشواطا هامّة، في هذا المجال، بتعميم التعليم وانتهاج استراتيجية واضحة مدارها على مواجهة الجهل بوصفه آفة الشعوب من خلال وضع مناهج تعليمية من شأنها أن تأخذ بعين الاعتبار تفتّح تونس على محيطها الدولي وانصهارها في المنظومة الاقتصادية العالمية. ولعلّ معاينة منظومة التعليم في تونس بعد انقضاء حقبة تمتدّ زمنيا من الاستقلال إلى أواخر الثمانينات تسمح نسبيا بدراستها وتبيّن ما طرأ عليها من تحوّلات تمكّننا من القول أنّ الإصلاحات التي طالت التعليم في تونس تؤّكد، إلى حدّ ما، نجاحها في تكوين أجيال تشهد على كفاءة الاطار التربوي وما بذله في جعل التعليم التونسي مفخرة تؤكّد حرص الدّولة على توخّي خيار الانفتاح في كنف مراعاة مقتضيات حماية الهويّة الوطنية والاستنارة من روافد العولمة الثقافية.
إلاّ أنّ نقاء سماء التعليم في تونس سرعان ما عكّرت صفوها تعالي صيحات الفزع التي وقع اطلاقها في السنوات الأخيرة من لدن الاطار التربوي والأولياء على حدّ السّواء، مدارها على تردّي المستوى العام للمتعلّم على العديد من المستويات : في التركيز، في استيعاب المعلومة وفي دينامكية التلميذ عموما وتفاعله داخل الوسط المدرسي، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن أصول هذه العلّة التي بدأت تنخر المنظومة التعليمية في تونس حتّى أصابها الهزال فعادت كحال “الرجل المريض” الذي أضناه الدّاء وأنهكه الرّدى.
إنّ استراق النظر للوسط المدرسي يكشف، للوهلة الأولى، أنّ موطن الدّاء يكمن أساسا في تفشّي ثقافة التلقين بما تحمله من دلالات التواكل والكسل في البحث عن المعلومة ذلك أنّ المتعلّم عموما لم يعد يجهد نفسه في البحث الذّاتي عن المعلومة ملقيا بذلك، كاهل المسؤولية، على عاتق الأستاذ في تلقّي المعرفة لدرجة أنّ المعيار الفاصل في الحكم على كفاءة الاستاذ من عدمها قد أصبح مُخْتزلاً في مدى توخّيه لسياسة الإملاء والتلقين التي أثبتت فشلها الذريع كما يشهد على ذلك الارتفاع المطّرد لنسبة البطالة بالنظر إلى أنّ مناهج التلقين القائمة على “المراكمة” قد عادت بالوبال على الحسّ النقدي للمتعلّم الذي لا يعدو ان يكون مجرّد متلقّي أو إن صحّ التعبير مجرّد “بطاقة تخزين” تعجّ بخليط جاهز من المعارف التي ما انفكّت تتبخّر لحنا ” في النافخات زمرا”.
و لعلّ شتات الإصلاحات التي وقع إدخالها في بعض مواطن الخور التي تنخر المنظومة التعليمية لا تعدو أن تكون ضربا من “الترميم” لمبنى متداع للسقوط، إلى درجة يمكن معها تشبيه النظام التعليمي بعد كلّ اصلاح مزعوم يشهده بـ ” الأفعى التي تُسّْلخ من جلدها الظاهر” ليظلّ الجهاز التعليمي تمثالاً إذا نظرت إليه العين المجرّدة أسرّها ولكن إذا ما حدجته العين المجهرية بنظرة ثاقبة انكشف أمره عن قدر لا يستهان به من الهزال واستبان ما في محتواه من ” طفرة في الكمّ ورداءة في الكيف”.
قد نلام على هذه الصّورة الموغلة في القتامة والتشاؤم إزاء مؤسسة قوامها التفاؤل وبسمة الأمل، ولكن العين المجهرية بحكم اختراقها المطّرد للمسكوت عنه تأبى أن تكون من صفّ المتفائلين.
أخيرا وليس آخرا، يمكن أن نختم فنقول أنّ سلطات الاشراف محمولة على القطع مع مناهج التلقين والتخلّي عن سياسات الترميم باعتبار أنّ آفاق المنظومة التعليمية بأسرها مدعوّة إلى مواكبة التطوّر الاجتماعي والثقافي بما يحتّمه من اعادة مراجعة للمناهج التربوية والتعليمية حتّى تكون ملائمة لمقتضيات العصر وتحدّياته.
بماذا عسانا نختم مسألة حسّاسة كهذه والحال أنّنا قد فتحنا الباب على مصراعيه أمام سجالات لا يخفى وأنّ الخوض فيها أمر غير محمود العواقب ومحفوف بالمخاطر؟ هنا، لا يسعنا إلاّ أن نشير إلى أنّ المقْدمَ على اصلاح المنظومة التعليمية لا يسلك جددا يؤمن فيه العثار أو يولّي البصر فيلوح له ما في الأفق، إنّما هو يقطع أودية متشعّبة ويتسلّق وعر الجبال…
[/et_pb_text][/et_pb_column_inner][/et_pb_row_inner][/et_pb_column][et_pb_column type=”1_4″][et_pb_sidebar admin_label=”Sidebar” orientation=”right” background_layout=”light” area=”sidebar-1″ remove_border=”off”] [/et_pb_sidebar][/et_pb_column][/et_pb_section][et_pb_section admin_label=”section”][et_pb_row admin_label=”row”][/et_pb_row][/et_pb_section]