التزويد المالي
|[et_pb_section admin_label=”section” fullwidth=”off” specialty=”on”][et_pb_column type=”3_4″ specialty_columns=”3″][et_pb_row_inner admin_label=”row_inner”][et_pb_column_inner type=”4_4″ saved_specialty_column_type=”3_4″][et_pb_text admin_label=”النص”]
بقلم: أمين الزقرني
عندما عرفت بأن ما يقارب 500 إلى 1000 عائلة تتحكم في معظم التزويد المالي العالمي، لم أصدق بأن ذلك يمكن أن يكون حقيقيا. رجّحت بأنها نظرية مؤامرة لا أكثر. ولكن عندما قمت بالبحث في تاريخ المال وكيفية التحكم فيه، أدركت كيف يمكن لقلة من الناس أن تتحكم افتراضيا في ثروة العالم برمته.
كثير من الناس يظنون أن الحكومات هي التي تطبع المال، وهذا صحيح. الحكومات تطبع بعضا منه. في المقابل، فإن أغلبنا يظن أن ذلك ما وجدت من أجله الحكومة –أن تخلق المال. عندما ننظر في التاريخ وندرس المال، فإن الوقائع تثبت أن الحكومات تطبع جزءا جد ضئيل منه. في الواقع فإن النظام البنكي يخلق حوالي 99% من التزويد المالي العالمي. الحكومة تخلق فقط جزيئا من التزويد المالي.
عبر التاريخ، تحكمت هذه العائلات في التزويد المالي، وقد حافظت على هذا التحكم من خلال الحكومات والمواطنين. وكمثال على ذلك يمكن أن نذكر عائلة روتشيلد. في بداية القرن التاسع عشر، استعملت هذه العائلة مع حلفائها تقنيات احتياط بنكية جزيئية للسيطرة على البنوك المركزية في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا. غير أن مفهوم الاحتياط البنكي الجزيئي لم يبدأ هناك، ولكنه انطلق في القدس منذ 2000 سنة عندما كان يأتي اليهود إليها لدفع ضريبة المعبد، ولا يمكنهم دفعها سوى بقطعة معدنية خاصة، نصف الشيكل المقدّس. كان ذلك نصف آونس من الفضة الخالصة. كانت القطعة الوحيدة الموجودة آنذاك من الفضة بميزان موثوق وبدون نقش صورة إمبراطور وثني عليها. كان نصف الشيكل إذن هو القطعة الوحيدة المقبولة من الله بالنسبة لليهود. ولكن هذه القطع لم تكن متوفرة بكثرة. إذ قد احتكر “صرّافوا المال” السوق، ثم زادوا في الأسعار-تماما كأي سلعة محتكرة. بكلمات أخرى، فإن صرّافي المال كانوا يحققون مرابيح فاحشة لأنهم يمسكون بزمام احتكار افتراضي للمال. كان على اليهود أن يدفعوا لهم مهما كان ما يطلبونه.
كانت لروما أيضا مشاكل مع صرّافي المال منذ 200 سنة قبل الميلاد. في 48 ق.م. استرجع يوليوس قيصر القوة من الصرافين وأعادها إلى القطع النقدية فضرب العملة لمصلحة الجميع. وبفضل هذا التزويد الجديد والوفير للمال فإنه قد استطاع أن يشيّد مباني عمومية عظيمة. كسب القيصر حب الشعب بجعله المال وفيرا. لكن الصرافين كانوا يمقتونه لنفس السبب. ويعتقد البعض أن ذلك كان عاملا مهما في اغتياله. ولكن هناك شيئا ثابتا ومؤكدا، وهو أنه بموت القيصر تم إيقاف إصدار المال بوفرة. وازدادت الضرائب، وكذلك الرشوة. وفي النهاية فإن التزويد المالي الروماني قد انخفض بـ 90 بالمائة. وكنتيجة فإن الشعب فقد أراضيه ومنازله -وهذا شبيه بما حدث في أمريكا وأوروبا سنة 2009 وبما يبدو أنه سيحدث مرة أخرى.
تكثف نشاط صرافي المال في انجلترا خلال القرون الوسطى، متلاعبين بكمية المال -و باقتصاد انجلترا بأسرها. لم يكن يتم اعتبارهم مثل البنكيين اليوم، ولكنهم كانوا مشتغلين بالذهب. بدؤوا بتخزين ذهب الناس في سراديبهم. وباستلام ذلك الذهب، كانوا يصدرون وصل إيداع للمالكين. كان ذلك بمثابة التمهيد لظهور الأوراق المالية. ازدادت شعبية وصول الايداع لأنها كانت في المتناول ومأمونة أكثر من التنقل بالذهب. وبمرور الوقت فإن المشتغلين بالذهب أدركوا بأن المودعين لا يرجعون أبدا إلى ذهبهم. في ذلك الوقت بدؤوا في إقراض بعض من الذهب الذي استؤمنوا عليه وجني الفائدة التي يربحونها من القرض. وعندها بدؤوا في طبع شهادات إيداع ذهب أكثر من الذهب الذي لديهم في الاحتياطي. اكتشفوا بأنه يمكنهم أن يقرضوا هذه الأوراق المالية الاضافية وأن يحمّلوها فائدة أيضا. كان ذلك مولد “الاقراض الجزيئي للاحتياط” أو بكلمات أخرى إقراض مال أكثر مما لديك كإيداع في الاحتياط.
في البدء انطلق المشتغلون بالذهب في عملية التحايل بتواضع نسبيا، مصدرين شهادات إيداع بالذهب ضعفين أو ثلاثة أضعاف مقدار الذهب الذي يخزنونه في الواقع في غرفهم الآمنة. ولكنهم سرعان ما اكتسبوا ثقة بأنفسهم وازدادوا جشعا، مصدرين شهادات إيداع بأربعة، خمسة وحتى عشرة أضعاف الذهب المودع لديهم. مثلا لو أن أحدا أودعهم قيمة 1000 دينار من الذهب، فإنهم قادرون على إصدار قيمة 10,000 دينار كأوراق مالية ويحمّلون الفائدة عليها أيضا، ولا أحد سيكتشف الخدعة. بهذه الوسائل جمع المشتغلون بالذهب المزيد والمزيد من الثروة واستعملوا تلك الثروة لتكديس المزيد من الذهب. كانت في الواقع ضربة البداية لخدعة متقنة متواصلة إلى يومنا هذا. لو أن أحدا منا ارتكب مثل هذه الفعلة فإنه سيسجن بتهمة الاحتيال والتزوير والتزييف.
الاحتياط الجزيئي المصرفي لهذه الأيام يعمل بنفس الطريقة التي بدأ بها المشتغلون بالذهب في القرون الوسطى. مثلا، لو أنك تضع 1000 دينار في البنك غدا، فإن البنك سيكون قادرا بصفة قانونية على أن يُقرض أكثر بكثير من 1000 دينار التي أودعتها. فبدل إصدار وصولات إيداع بالذهب أكثر مما يخزنون ذهبا، فإن البنوك الحديثة اليوم تقدم قروضا أكثر مما تمتلك من صرف نقدي !
منذ 1984، أصبحت البنوك التجارية قادرة على إقراض 18,3 مرة ضعف الأموال المودعة لديها. أما بنوك الادخار فهي قادرة على إقراض 32,8 مرة ضعفها. وبالتالي، على كل 1000 دينار مودعة، تقدر البنوك على إقراض 32,800 دينار إضافية. ليست كل البنوك هي قادرة على فعل هذا، فقط البنوك المركزية الأوسع. بعض البنوك ببساطة تشتري المال من بنوك أخرى بسعر ما وتبيعه بسعر أرفع.
لو أن البنك يُقرض الألف دينار خاصتك 32.8 مرة مع نسبة فائدة 10% فإنه سيحقق ربحا بـ 3280 دينار في السنة. الربح الذي ستجنيه أنت يتراوح من 2% إلى 6%. فلنكن كرماء ولنفترض أنك كسبت 60 دينارا من إيداعك 1000 دينار (6%). وفي النهاية، فإن البنك لم يخاطر بشيء وجنى 3220 دينار. إذن يمكنك أن ترى أن المال يُصنع عادة من طرف البنك، وليس من طرف المودع. ألا تحب أن تصبح بنكا؟
ما قام به المشتغلون بالذهب وما تقوم به البنوك إلى هذا اليوم هو خلق المال من لاشيء –بنفخة هواء -بكتابة وصل إيداع الذهب أو بطباعة الأوراق المالية.
لماذا تقع الأزمات المالية إذن أذا كان المال سهل التوفّر؟ بالعودة إلى المشتغلين بالذهب فقد انتبهوا بأن مرابيح إضافية يمكن تحقيقها بمراوحة الاقتصاد بين الأموال السهلة والأموال العسيرة. فعندما يجعلون من المال سهل الاقتراض، فإن مقدار المال المتداول سيتزايد. سيصبح المال متوفرا وسيقترض الناس المزيد لتوسيع تجارتهم. ولكن وقتها بالضبط يضيّق المشتغلون بالذهب-أو البنوك- التزويد المالي ويجعلون من الحصول على القروض أمرا صعبا. ما الذي يحدث؟ تماما ما حدث في الأزمة المالية سنة 2008 بل وفي أي أزمة مالية سابقة ولاحقة. نسبة من الناس-والشركات والبلدان- لن تقدر على تسديد قروضها السابقة ولن تستطيع اقتراض المزيد لدفع القديم، وبالتالي سيصبحوا مفلسين ومجبرين على بيع أصولهم وممتلكاتهم الثمينة للمشتغلين بالذهب أو في المزاد العلني. نفس الشيء مازال يحدث اليوم، فقط أخذت اسما مختلفا وهو “الدورة الاقتصادية”.
من الذي يحدّد نسبة الديْن؟ عموما، هنالك قواعد وتنظيمات تضعها الحكومة إلى حد ما. أغلب الناس يفترضون أن الحكومة، التي يرون أنها انتخبت لتمثيل الناس، ستنظم الوضع لمصلحة الشعب . وفي المقابل فإن هناك حجما هائل من الأموال التي تضخ كلما تعلّق الأمر بقوانين “الاحتياط الجزيئي البنكي” أو “البنوك الموجهة مركزيا” والتي يكون لها تأثير نافذ ومباشر على السياسيين والحكومات حتى توضع التشريعات حسب ما تمليه البنوك.
ما الذي سيحدث لو أن الجميع أراد أن يسحب أمواله من البنوك؟ في الحقيقة، إذا طلب كل شخص أمواله فإن البنوك ستهرب قبل أن تدفع حتى ل 3 بالمائة من حرفائها. وذلك لأن رصيد صاحب الحساب لم يعد يوجد فيزيائيا لأنه تم إقراضه مرات عديدة. البنوك لديها احتياطات ضئيلة أو لا احتياطات لها. في الأساس هم يعطوك مالا مزيفا، ولكن لأن الجميع يقبله، فإنه يمكنهم أن يواصلوا خلق المزيد منه، بدون أن يتعبوا حقا من أجل كسبه مثلما يجب علينا نحن. من خلال هذا النظام فهم يخلقون أموالا مزورة بكل فعالية وينجون بفعلتهم بل ويكسبون منها، غير أني أنا أو أنت ندخل السجن لو أننا نقوم بنفس الشيء. هل هناك من عجب في أن تمتلك البنوك المباني الأضخم والأطول في أي مدينة في العالم؟
[/et_pb_text][/et_pb_column_inner][/et_pb_row_inner][/et_pb_column][et_pb_column type=”1_4″][et_pb_sidebar admin_label=”Sidebar” orientation=”right” background_layout=”light” area=”sidebar-1″ remove_border=”off”] [/et_pb_sidebar][/et_pb_column][/et_pb_section]