حريّة الإبداع وهاجس المقدّس
|يقول “فولتير”: ” أنا لست من رأيكم ولكنني سأصارع من أجل قدرتكم على القول بحرية ” . مفعم هو تاريخ إنسانيتنا بنضالات المفكرين والأدباء والفلاسفة… من أجل مطلب الحرية. فمنذ الأزل خاص الإنسان بقيادة رواد عصره حربا شعواء ضد الاستعباد بجميع أشكاله ضد الخرافة والجهل، ضد الأوهام التي تعشش في الرؤوس، ضد ثقافة القطيع. إلاّ أننا إلى اليوم لا نزال نخوض في جدالات حادة تؤدي في أغلب الأحيان إلى مصادمات عنيفة بين المطالبين بالحرية كحقيقة كونية تتمرد على جميع الحدود وبين المطالبين بضرورة تقييد الحريات وإلزامها بضوابط وأخلاقيات. ففي تونس الثورة يعيش المجتمع اليوم مخاضا عسيرا. معارك شبه يومية جدالات هنا وهناك، نقاشات حادة، حالات عنف، أفكار غريبة، شاذة ومتمرّدة في أغلب الأحيان على أعراف وتقاليد المجتمع بل وفي أحيان كثيرة على مقدساته ممّا أدّى إلى استعمال العنف واللجوء إلى القضاء في حوادث كثيرة. ينادي دعاة الحرية في تونس من مبدعين ومفكرين بضرورة التمرد على الموروث الثقافي والانعتاق من القيود التي تكبلهم و تحد من آفاق إبداعهم، فكيف للإبداع أن يكون إبداعا إذا كان محكوما بأعراف وحدود لا يستطيع تخطيها وإلاّ يكون عرضة للتعنيف ومنعه من عرض أفكاره و انتاجاته كما حصل مع المفكر والفيلسوف التونسي يوسف الصديق: حادثة العبدلية، الصغير أولاد أحمد، تعرض الفنانين التشكيليين إلى مساءلة قضائية (نادية الجلاصي). وكيف للفن أن يكون فنا إذا لم يتجاوز خصوصيته نحو الكونية. فالمبدع الحق هو ذاك المبدع الذي يغرد خارج السرب، المبدع الحق هو الذي يحلق بأجنحته بعيدا عن خصوصيته المادية والمعنوية كالهوية والانتماء الثقافي والحضاري ليعانق الكونية كفضاء رحب وأفق مشترك يوحد الإنسانية جمعاء، إلاّ أنهم يواجهون بذلك مجتمعا له مجموعة من المقدسات والخطوط الحمراء التي لا يسمح بتجاوزها ومستعد لأن يقاتل في سبيل حمايتها وفرض احترامها، فالحرية لا تعني بالضرورة ازدراء الأديان والإساءة للمقدسات وسب أو قذف الأمّة، إلاّ أنه يلغي بذلك التعددية والاختلاف والمساواة في حرية الرأي.
أعتقد أن الجدال على هذا المنوال جدال عقيم لن يؤدي إلا إلى المزيد من المصادمات والعنف فالمقاربة بين المقدس والحرية لا تجوز أصلا لأن الحرية كقيمة كونية تفرغ من معناها إذا قيدناها تحت أي مسمى. أمّا المقدس فهو اعتقاد يخص الإنسان أو المجموعة التي تقدسه، فالمقدس لديّ ليس بالضرورة مقدسا لدى الآخر. واقتراح قانون تجريم التعدي على المقدسات هو عبارة عن اعتداء صارخ على الحريات في تونس. الحل يمكن في حل وسط حتى نجنب البلاد الفوضى و الخوض في هذه المهاترات مجددا، زمثل هذا الحلّ يمكن أن نجده في رأي الأستاذ عياض بن عاشور الذي اقترح محاسبة من يعتدي على مقدسات الشعب التونسي بعد تحديدها طبعا وبدقة بالغة وبشكل لا يقيد حرية الإبداع بتهمة الإخلال بالنظام العام.
موضوع رائع يتناول جزء من معاناة الشعب التونسي لمدة عقود وهي نتيجة إنغلاق فكري ناتج عن سلطة سياسية فرض عليها تقييد هذه الحرية و الأمر هنا لا يتعلق فقط بالقيود الدينية فقط بل يتجاوز إلى ماهو إجتماعي ليتحصن هذا الحاكم خلف المقدس و خلف العادات و التقاليد ليضمن إستمرار حكمه
شكرا استاذة سوسن انت لم تلامسى الجرح النازف فينا بل عصرته حتى اخرج صدأه …الحديث عن الحرية فى زمن التخوين والتكفير يكتسب اهميته من وعينا بعمق المشكلة وواضح ان كاتبة المقال حين تناولت الموضوع كانت واعية بأمرين فى غاية الاهمية هما=
اولا = بالحرية كقيمة كونية
ثانيا = بالمخاطر المحدقة بهذه القيمة
فالحرية يقابلها الهاجس الذى يحيلنا اليا الى مصطلحات الريبة والشك وهنا موضع الداء الذى تشخصه الكاتبة فى تحول الابداع الى نقيض للمقدس من وجهة نظر السواد الاعظم من الناس وحول هذه الاشكالية يتمحور المقال مراوحا بين رأيين وفكرتين متناقضتين متوازيتين لاتلتقيان ابدا الاولى تنتصر للحرية بكل اشكالها وانماطها وتعابيرها فى بعدها الكونى الشامل كفضاءانسانى رحب يرفض القيود والموانع والثانية تدافع عن المقدس كخط احمر لا مجال لتجاوزه اة الحرية فى تونس وحددت ….ولعل اكثر ما شدنى فى هذا المقال ان كاتبته فيما يظهر مواكبة للاحداث التى تجرى فى تونس فقد عددت بدقة متناهية حالات التجاوز والقمع والترهيب التى تعرض لها دعالمستهدفين باسمائهم وهذا ما يحسب لها لآن هذه الاستشهادات يعطى تحليلها بعدا موضوعيا وواقعيا .
…….وفى الختام اقول ان مقالا بدأ بقول فولتير وانتهى باستشهاد للاستاذ عياض بن عاشور لا نملك الاان نثمن محتواه ونشد على يد كاتبته طالبين منها مزيدا من الاضاءات ……
كمال حمدى ..شاعر تونسى