بين أحضان ديوان أبي معاذ المطوي: عناق الروح والفكر

 diwanعدت ذلك اليوم، على غير العادة، مسرعة نحو ركني لأختلي بنفسي. وقبل أن أفكّر في المكان الذّي سينعم باحتضان ذهبي النفيس بعيدا عن أعين الصديقات، جلست  ورحت أصغي إلى صمتي. سأقبّل اللّيلة في شوق روح القمر وسأطلب انحناء كل الشجر ورحيل جميع البشر.

أخذت أداعب الورق يمينا يسارا وأناجي الحروف علّها تبوح ببعض الأسرار وعلّي أقطف ثمرة من أشهى الثمار. طالت “المناجاة” حتى أحمرتّ الورقات خجلا من تماد في السؤال عن معان قد لا يطالها إلاّ من يعانق “فراديس الجنّان”.ولوهلة خلّت أنّها ستكشف اللّثام عن بعض جمال ” نظرة بنت السماء”. وظننت للحظات أن الله يرزقني “عيون الغمام” كي أبصر “الرقصة الأخيرة” رقصة “السّامري” و”القديسة” على أنغام “نشيد الورد”. وأنّي سأدخل تاريخ العرب وسأكون أوّل من يناله شرف تقبيل إحدى بنات أبي معاذ. وحلمت بأنّي أعانقها لتهطل “غيثا يسقي نفوسا عطاشا”. حاولت مرارا وتكرارا لكنها أبت فأيقنت حينها أنّ ما من طبعها الخيانة. نعم فقد أبت أن تخون قديّسها الأزلي. فتركتها لأعود وأغوص في بعض من السطور الأخرى إلا أنّها كانت أكثر وفاء من سابقاتها فهي هذه المرّة بوفاء شاعر العلياء “لذهب الزمان الضّائع”. مضيت إلى شقيقاتهنّ أحلم النفس بقبس من الأنوار يهديني إلى الخوض في بعض من نفس “هدية الجبّار” إلا أنّي تعبت، نعم تعبت البحث فيك عن نفسي فأنت بين عاشق لبنت السماء وصوت “لعابد النار”.

عدت لأصمت مرّة أخرى ورحت أقتفي صدى صمتي لأشكر السماء التي ألهمتك “وحيّ الزمان الأتي” فقد “أيقظت ميت الفكر”وجعلتني أتساءل من أنت؟ أترى من تكون؟ وما هذا الذي بين أحضان الكتاب لقد أرجعت للأم بكارتها الأولى حين صوّرت لنا الضاد تنزف حبلى بطيب المعاني ونيّر الفكر في مراوحة بين نبض الروح وتبصر الفكر.

 طال عناق بنات أبي معاذ ولم أستطع النوم فربّما أصابتني “لعنة شاعر”أو ربّما هذا “شيطاني يعود إلّي” فقد أبحرت بنا على متن سفينة عظيمة قائدها فكر نيّر وشراعها حب قدسي وجمال روحي ينهل من قداسة نظرة بنت السماء وينشد سمو قديسته في أعذب الألحان بصوت فيروزي خالد. فكانت رحلة تأمل في الكون وبحث في الوجود وعلّته لكنك كنت ناشدا للموت فكأنّي بك تهمس حينا : ألا انهض لتعانق الممات    فمهما طال بقاؤك مصيرك الممات. فهل هوصراع الذات التواقة إلى التحرر ضد الموت؟ هل هو إعلان عن تمردنا على الحياة أم هو تمردنا المتواصل على الذات. وكأنّه عرس الربيع بالشتاء تضيع منّا فيه المعاني تخمرا بخلد الألحان، ألحان عذاب رسمتها لوحة فنّان بجميع الألوان. ألا يريد الشاعر أن يبلغنا “رسالة لم تصل”.حينها فقط ندرك أّنّه عسر الولادة في معانقة الروح للفكر زمن آخر اللّيل أو مستهل الفجر. ولا يسعنا إلا أن نتساءل “أليس الصبح بقريب”؟ وهل فعلا “ذهب الزمان الضائع”؟

 ففي خضم كل هذا التيه، يجد الفنان نفسه في مأزق حقيقي بين الحفاظ على أخص خصائص التعبير الفني ومحاولة التواصل مع واقعه والتأثير فيه.فتحقيق التلازم المتواصل بين الإبلاغ والبلاغة ليس من البداهة في شيء.فهل ينبغي أن يتخلص الفنّ من النفعية فيكون هدفا في حد ذاته ينشد الجمال ويصور مكامن النفس وخلجات الروح أم هو فكر ينيّر العقول يتأثر بها ويؤثر فيها فيكون الفنّان ملزما بأن يكوّن لنفسه فكرة عن الجمهور الذّي سيتوجه إليه ؟ أم هو بين هذا وذاك عناق خالد للروح بالفكر؟؟ وإذا كان ينبغي على الفنّان المبدع المتمسك بالجانب الفنّي أن يتوق في ذات الوقت إلى التطور من خلال محاولة إيجاد البديل والخروج عن السائد.فكيف يحقق إذن التوازن بين مقتضيات البعد الفنّي الإبداعي وبين ضرورة أن يكون مرآة عاكسة لواقعه من ذلك واقعه الثوري متأثرا به مؤثرا فيه ؟؟

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights