سقط العلم
|سئمت الحديث عن الهوية. سئمت الحديث عن النقاب وطول اللحية الشرعية. سئمت الحديث عن القميص الأفغاني يلبسه تونسي ينتعل حذاء رياضيا أمريكياً صهيونياً ماسونياً. و سئمت أيضاً من يبكي تونس ما قبل الثورة حيث كان يطيب العيش، حين كان الإسلامي مظهرا وجب الحد منه. والأمر أن الحديث عن الهوية مازال متواصلاً اليوم.
فصباح البارحة اتجهت مجموعة من السلفيين إلى كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة للإحتجاج – وهذا ما قيل- على حادثة جمعت بين منقبة وعميد الكلية. الروايات حول الحادثة متضاربة. في ساعات الصباح تبادر خبر تمزيق علم تونس في الكلية من قبل أحد السلفيين ورفع راية “لا إله إلا الله محمد رسول الله” مكانه. سرعان ما اجتاحت صور للحادثة شبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك” يتلوها نقل للخبر في الإذاعات و وسائل الإعلام.
تشتتت الآراء حول الحدث كالعادة. البعض إستنكر في غيرة على الوطن و البعض إعتبر “حادثة العلم” غير ذات شأن وأن تناولها فيه إلهاء للرأي العام عن المشاكل الرئيسية للبلاد. رغم تباين الردود على الخبر إلا أنها تجتمع في أمر : هي تنقل الحدث، تناقشه و ترد عليه. فحتى من اعتبر الحديث عن الحادثة هامشياً وقدم أسباباً لشرح موقفه هو أيضاً يخوض فيه.
أتوقف هنا. أتوقف لأفكر بضع دقائق. الحادثة مهمة. هو علم الوطن يمزقه أبناء الوطن. هي إبنة تونس تحاول إعادة العلم إلى مكانه فيدفعها إبن تونس. الحادثة مستفزة وهذا لا يمكن الاختلاف فيه و وجب معاقبة كل من اشترك فيها. غير أن أمرا أخراً يستفزني و بشدة : لماذا كلما افتعل السلفيون البلبلة انتفض الكلّ؟ لماذا مع كل حادثة انشقّ الشعب إلى فرقتين كل تدافع بشراسة عن موقفها؟ أما سئم الشعب مثلي قضية الهويّة؟ كم حادثةً سنرى بعد يفتعلها السلفيون وتليها نقاشات و وقفاتٌ و ربما تبادل شتائم و سباب؟ كم حادثةً بعد ستفرقنا بين كافر ومؤمن، بين وطني وغير وطني، بين متمدن و “متخلف”؟
إن في اختلافنا رحمة.أ ستسأل عن ديانتي؟ أ ستسأل عن مذهبي؟ أ ستنظر شزراً إلى ردائي؟ أ سترمي بالعلم وغداً تكفّرني؟ لن تفعل إن احترمتني و أحببت الوطن.