عندما تنطق “النخب” عن الهوى…
|نظّمت جمعيّة الوعي السياسي مساء الجمعة 4 ماي 2012 مناظرة فكريّة بين أبي يعرب المرزوقي ورجاء بن سلامة بقاعة سينما الحمراء. كان الموضوع المقترح للـ”مناظرة” هو الدولة والعنف. ومن المفترض في موضوع عنوانه يتضمّن مفهومين من طبيعة مختلفة أن يتمحور البحث حول العلاقة بينهما وبالتالي، فالمسائل المطروحة لا تخرج عن محورين رئيسين: ممارسة الدولة العنف وتصدّيها للعنف الممارس من خارجها. وفي مناظرة، من المفترض أن يتبنّى كلّ من المتناظرين وجهة نظر مختلفة ويدافع عنها. وبالنظر إلى مكانة المتناظرين الأكاديميّة والفكريّة وإلى أهميّة الموضوع وراهنيّته، كان كلّ شيء يغري بالحضور.
وتكلّمت رجاء بن سلامة، ولكنّها لم تقل شيئا…وكأنّها لم تلقي نظرة على عنوان المناظرة، أو لم تقرأ منه سوى كلمة “العنف”. فتحدّثت عن الحكومة الّتي تريد الاستيلاء على الدولة، وعن العنف الّذي مارسه السلفيون، وعن الاعتداءات على الصحفيين، وعن محاكمة نسمة…تحدّثت عن حوادث معيّنة، وركّزت عليها دون أن تسعى إلى ربطها بموضوع المناظرة، فكان كلامها طرائفيا (anecdotique)، أقرب إلى كلام المقاهي، وبعيدا عن بذل أيّ مجهود فكري. أوردت تعريفا للدولة يدرك أيّ طالب حقوق إمعانه في الخطأ. وإجمالا كان كلامها تكرارا للخطاب الممجوج النمطي عن الخطر الإسلامي، وكان خصمها في المناظرة محقّا عندما قال أنّها جاءت لتقديم مرافعة ضدّ طرف معيّن دون أن تبحث عن الحياد. ولعلّ الجملة الوحيدة الّتي نطقت بها والمتعلّقة بموضوع المناظرة كانت حول إفلات مرتكبي العنف من الجزاء.
وتكلّم أبو يعرب المرزوقي، وكذلك لم يقل شيئا…نفى عن نفسه الانتماء إلى حزب النهضة وإلى الحكومة، ولكنّ ما تكلّم به بعد دقائق ناقض ذلك. سعى للتنظير عندما تحدّث عن التحديث القسري، وعن تجفيف الينابيع الّذي يعود إلى عهد الاستعمار دون أن يسعى إلى ربط ذلك بموضوع المناظرة ربطا واضحا. شابت كلامه لحظات من عدم الاتساق عندما كان فجأة يغيّر اللغة من العربيّة إلى الفرنسيّة، ويسترسل في الحديث بالفرنسيّة (ولا أدري إن كان ذلك محاولة للتدليل على انفتاحه ومعرفته بالثقافات الأخرى). قال أنّ المعاهدات الدولية تعلو الدستور مرتبة، والعكس، طبعا، هو الصحيح سواء تعلّق الأمر بالدستور التونسي لسنة 1959، أو بغيره من الدساتير. عندما سئل عن سبب استعمال التونسيين لكلمةDégage االفرنسية إبان الثورة وعدم لجوئهم إلى كلمة تؤدّي نفس المعنى باللغة العربيّة، انحدر إلى مستوى غريب من السفسطة عندما قال: “لأنّهم أدركوا أنّه لا يفهم إلا لغة أسياده !!” (وسط تصفيق عدد كبير من الحضور غادروا القاعة ما إن استأذن هو للمغادرة، وهو ما يطرح أكثر من سؤال). وأصبحت الدعاية مكشوفة عندما قال أنّه يجب على كلّ مثقّف يحترم نفسه أن ينخرط في مشروع النهضة !!
اتّخذ كلّ من المتناظرين موقفا، ولكنّه لم يكن موقفا من موضوع المناظرة. جاء كلّ منهما بأفكاره المسبّقة ليدلي بها أمام الآخر وأمام الحضور. جاءت الأولى لترمي بحزمة التهم قصد التخويف، وجاء الثاني بغرض الدعاية…لم تكن مناظرة (والمناظرة تقتضي الاستماع إلى الآخر قبل الردّ عليه) ولا حوارا (اللهم إن كان حوار صمّ !). قد قيل بُعيد الإطاحة بالطاغية أنّ الشعب متقدّم على نخبه، وقد أكّدت هذه المناظرة بين “الأكاديميّة” و “آخر فلاسفة تونس” أنّ النخب ما زالت بعيدة عن الارتقاء إلى تطلّعات شعبها، بل أنّها عاجزة حتّى أن تتكلّم في موضوع معيّن دون أن تخرج عنه وتنطق عن الهوى. ولعلّ ما قاله الكاتب حسن بن عثمان أثناء النقاش يلخّص ما دار في المناظرة: “نزحت رجاء بن سلامة من الأكاديمي إلى الفايسبوكي، ونزح أبو يعرب المرزوقي من الفكري إلى السلطوي”.
لم اتوقع يوما ان تكون النخبة..او من تعتبر نفسها نخبة البلاد ونموذج الانسان المثقف على هاته الدرجة من التدني والانحطاط ..اتعتقدون جقا ان مثل هذه الندوات والمحاضرات هي فعلا بغاية نشر الوعي و محاولة معالجة قضايا المجتمع بموضوعية؟ الحقيقة هو ان مصلحتهم فوق كل شيء و ليذهب الاخرون الى الجحيم..كم تغيضني هته المرافعات التي يلقون بها في كل مكان و هذا الاسلوب المندفع المتصاعد الذي يعمدونه الى شحنه مسبقا بالحجج الواهية ليكون خطابا متكامل الابعاد يحمون به انفسهم و يدافعون به عن مناصبهم…لم احضر المناظرة لكني متاكدة من ان هذه المجموعة الكاذبة كانت تستمتع بشحن ادمغة الحاضرين باكاذيبها وهؤلاء كانوا بدورهم يتقبلون الاكاذيب برحابة صدر وبافواه مفتوحة وباعين نصف نائمة اذا كانت المناظرة في الصباح… جل ما يقال في هاته الايام لا يعدو ان يكون سفسطة وكلام فارغ ..ولم ابالغ اذ ذكرت في احدى مقالاتي بان هذا المجتمع هو مجتمع ثرثرة ولا شيء غير ذلك…انا مستاءة جدا رغم ان استيائي لا مبرر له باعتبار انني اعرف جيدا ان القاعدة الاولى والاخيرة في تونس هي: بعد راسي لاشمس ولا ولاقمر . ثم ان الشعوب العربية لم تحتل المراتب الاولى الا في الانانية وحب الذات …
مشكلتنا الأساسية في ثقافتنا العربية الإسلامية هي عدم وجود مفكرين كبار. الحوار السياسي لم يخرج منذ أكثر من سنة عن التنبير والفكاهة السطحية التي لا تسمن ولا تغني عن جهل.