تحليل استكشافي للتفاوتات المكانية بين الرجال والنساء من حيث معدلات معرفة القراءة والكتابة في تونس
|بقلم: نسرين العبّاسي
من الواضح أن استمرار التفاوتات الإقليمية يؤدي إلى تفاقم الظلم الاجتماعي وترسيخه علما أنّ التفاوتات الإقليمية هي بالتأكيد ظاهرة مشتركة بين البلدان المتقدمة النموّ والبلدان النامية على حد سواء.
في هذا السياق، فإن عدم المساواة ليست نتيجة لتأخر النمو أو الخلل الوظيفي بل هي عنصر داخلي في عملية التنمية نفسها.
الهدف من هذه المقالة هو تحليل التفاوتات في نسبة محو الأمية في تونس في الولايات الأربع والعشرين وفقا لآخر تعداد لعام 2014
السؤال البحثي الذي يمكن طرحه والذي يشكل إشكالية مقالتنا هو التالي: كيف تلعب الفوارق الجهوية من حيث معدلات معرفة القراءة والكتابة بين الرجال والنساء في تونس دورا داخليا في عملية التنمية الإقليمية الشاملة؟ والهدف من ذلك هو إظهار أن التفاوتات الإقليمية في التعليم والتدريب يمكن أن تعالج مدى الاستبعاد الاجتماعي والبطالة وتساهم في التنمية الإقليمية والمستدامة.
هذه الدراسة استكشافية وتقدّم انعكاسا نقديا ووصفيا للوضع الإقليمي في تونس من حيث التفاوتات في معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة.
يعرض الجزء الأول الحقائق الإقليمية وخصائصها، ويسلّط الجزء الثاني الضوء على تحليل يصف أهمية التأثير المكاني في تفسير استمرار التفاوتات الإقليمية بين النساء والرجال في العديد من الجوانب التي قد تحول دون تحقيق تنمية أكثر شمولا.
يجادلDavezies (2004) بأن عدم المساواة المكانية تنشأ من عدم المساواة الاجتماعية القوية. وهكذا، يذكر أن المقاييس الجغرافية ضرورية لتحليل الفوارق المكانية، على سبيل المثال، بين المناطق أو الإدارات أو مناطق التوظيف أو المناطق الحضرية وبالإضافة إلى ذلك، يمكن تفسير التفاوتات الإقليمية بالأوضاع غير المواتية لمنطقة ما التي تولّدها التنمية الإقليمية غير المتكافئة.
في هذه المرحلة، يمكن ملاحظة عدم المساواة الإقليمية على جميع المستويات المكانية وهو ما يجيز الحديث عن فواصل مكانية في التنمية. وهنا يأتي دور التنمية الإقليمية غير المتكافئة ومع ذلك، يجب توضيح إن كان بإمكاننا الحديث عن آلية لتفسير التفاوت الإقليمي.
على الرغم من التنوع الإقليمي، فإن التنمية المحلية هي نموذج يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إعادة تقييم إمكانات كل إقليم ونقاط القوة فيه.
لا يوفر هذا النموذج فرصا متساوية للجميع. ونتيجة لذلك، ازدادت التفاوتات الاجتماعية ووجدت فجوة مكانية واضحة داخل البلد يمكن تفسيرها بالاختلافات الإقليمية في السمات والسلوكيات.(Forgues et al. 20026)
تتأثر السلوكيات والسمات بشدة بالاستبعاد الاجتماعي. ويتعين على الحكومات في كل بلد أن تبني القدرات وأن تؤدي دورها الكامل في توفير جميع العوامل التي يمكن أن تهيئ بيئة تمكينية للجميع.
هذا الموضوع الواسع يمسّ مجالات مختلفة لذلك من الممكن ملاحظة التفاوتات الإقليمية في مختلف القطاعات.
تتعلق التفاوتات المكانية بالنفاذ إلى الموارد الاقتصادية البحتة (الدخل والثروة وما إلى ذلك) وإلى الموارد الاجتماعية أو السياسية (الظروف المعيشية، والتعليم، والصحة، والوصول إلى السلطة، وما إلى ذلك).
تقودنا الدراسات المختلفة المتعلّقة بتعريف هذه الظاهرة إلى التفكير في التفاوتات الإقليمية كفكرة ذات جانب سلبي وآثار ضارة وفي هذا الصدد، سوف نتأمل ونحلل التفاوتات الإقليمية في معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة في تونس بين الرجال والنساء وللقيام بذلك، سنستخدم البيانات المقدمة لمختلف الولايات في آخر إحصاء سكّاني.
بلغ معدل معرفة بالقراءة والكتابة في عام 2020، 82 ٪ في تونس، ولها بذلك معدّل أأعلى من جيرانها في شمال أفريقيا، بما في ذلك الجزائر 81٪، والمغرب 74٪، ومصر 71٪..
الواقع الاقليمي من حيث معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة في تونس
في عالم غير متجانس إلى حد كبير، تلعب التفاعلات المكانية دورا مهمّا في هيكلة الفوارق الإقليمية وتتنوع العوامل في المكان والزمان، ممّا يجعل التفاوتات جزءا من التفكير العلائقي.
في هذا المستوى من التحليل، يصبح المجال الإقليمي مثاليا وذا قيمة فائقة لفهم التنظيم المكاني وتوزيع معدلات معرفة القراءة والكتابة في تونس. مع وضع ذلك في الاعتبار، نركّز على القدرات التعليمية لكل ولاية لتفسير وضعها في البلاد.
ففي تونس، يمكن أن يختلف هذا المعدّل من مكان إلى آخر ووفقا للجنس ودون التقليل من أهمية المهارات المكتسبة في عملية التنمية، قد يفسر وزن المؤشرات التعليمية الإخلالات الإقليمية من حيث معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة.
في الجزء الأول على يسار الشكل أدناه، يمكننا أن نرى أن خمس ولايات مجمعة معا بأوزان متشابهة (في الصف الأول، تونس باللون الأخضر، ثم أريانة وبن عروس ومنوبة ونابل).
في الوسط، نرى صفاقس باللون الأصفر التي تحتل المرتبة الثانية في الترتيب الوطني، وسوسة باللون الأزرق والمنستير باللون الأحمر. يبرز الجانب الأيمن المناطق ذات المؤشرات التعليمية المنخفضة، والتي تمثل توزر باللون الأرجواني أدنى قيمة لها.
بيد أن مشكلة التفاوتات الإقليمية لا تزال تتكيف مع تطور قدرة المناطق وجاذبيتها. وقد تم تفسير هذا الاختلال الإقليمي بعدة عوامل تلعب دورا مهما في هذا التصنيف، مثل معرفة السكان باستخدام الإنترنت ، أيضا وفقا لـ (نجم ، 2012) ، فإن وجود جامعة في منطقة ما يؤثر بشدة على قدرتها التعليمية وفي الوقت نفسه ، على مستوى تطوّرها الإقليمي بشكل عام و تخلق الجامعة حركية نشطة للغاية في الحياة اليومية داخل المنطقة من خلال النقل بين المناطق وتجميع السكان العاملين.
ما يمكن استنتاجه أن التنظيم المكاني يتغير نتيجة لعوامل اقتصادية واجتماعية ويزداد التركيز العالي للأنشطة الاقتصادية بمرور الوقت، مما يؤدي إلى المنافسة المكانية، والتغيير في التنظيم واضح. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تعزيز الظروف الاجتماعية والحد من عدم المساواة.
يجب أن تأخذ هذه النتائج في الاعتبار الاختلافات بين الوسط الحضري والريفي ومعدّل الإلمام بالقراءة والكتابة مرتفع جدا في المناطق الحضرية ويتم تعزيز قدرة المنطقة على إنتاج الثروة وخلقها من خلال جاذبيتها المتأتية من الزحف العمراني والواقع أن تطور معدل الإلمام بالقراءة والكتابة على الصعيد الإقليمي يختلف بين المناطق الحضرية والريفية وتتأثر بشدّة بالموقع الجغرافي للمنطقة والظروف المعيشية لسكانها كما أنه يرتبط ارتباطا وثيقا بالنظام البيئي الاقتصادي للمنطقة.
في تونس، الفجوة الإقليمية بين الرجال والنساء في محو الأمية واضحة جدا وتوجد تفاوتات الكبيرة بين الولايات الساحلية والداخلية. في المناطق الحضرية، حقّقت تونس الكبرى وصفاقس والمنستير معدلات التحاق بالمدارس تقترب من 100٪ الولايات الثلاث المذكورة أعلاه لديها معدل 49٪ للنساء و 50٪ للرجال.
من ناحية أخرى، في المناطق الريفية، تأتي ولاية القيروان في المقدمة لكلّ من النساء والرجال، ويبلغ معدل الإلمام بالقراءة والكتابة 48 % للنساء و 52 % للرجال ويرجع ذلك إلى ارتفاع نسبة السكان الذين يعيشون في مناطق ريفية وموقع الولاية الجغرافي بالقرب من الولايات ذات معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة الوطنية المرتفعة.
أما بالنسبة للمناطق الداخلية، فلديها أدنى معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة، بغضّ النظر عن الوسط والجنس (توزر، قبلي، قفصة، مدينين، قابس، باجة، القصرين، سليانة). في كل مرّة تحتلّ توزر المركز الأخير حيث يبلغ عدد السكان المتعلمين 0.96٪ مقارنة بالرقم الوطني
وفي هذا السياق، تتقلص الفوارق أيضا على المدى الطويل داخل منطقة “غنية” على حساب منطقة “فقيرة”. وتسلط هذه النتائج الضوء على أوجه القصور في السياسات العامة في مجال التعليم.
لهذا السبب ، يمكن القول أن التنمية الإقليمية لبلد ما تتشكل من خلال عوامل داخلية مثل التعليم والخصائص التاريخية لكل منطقة.
وعلى هذا المستوى من التحليل، تظل مسألة التفاوتات من حيث معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة مسألة موضوعية. ونتيجة لهذا، دفعت الرغبة في إيجاد حلول مناسبة لهذه القضية الشائكة خبراء الاقتصاد إلى تطوير أدوات جديدة وإعادة النظر في الموضوعات القديمة من منظور جغرافي.
وفي سياق التفاوتات الإقليمية، يجب تبرير اختيار طريقة أو مؤشر من أجل التوصل إلى تصنيف وثيق الصلة بالموضوع وكما ذكر أعلاه، فإن البعد المكاني هو جزء حاسم من هذه الدراسة.
يوجّه هذا البعد اختيار المؤشر الذي يمكن أن يلعب دورا في خصائص نتائج البحث التي يمكن أن تكون متحيزة وقوية وذات مغزى
التحليل المكاني
إن تحليل الهيكل المكاني للتفاوتات مهم لأسباب فنية: أولا التغييرات الهيكلية داخل بلد. ما هي العناصر التي يمكن أن تحكم على التنمية والازدهار الاقتصادي لهذا البلد؟
ثانيا، تكمن أهمية التحليل المكاني في الموجة القوية من البيانات. هناك اليوم طوفان في كل بلد تقريبا من البيانات المحددة جغرافيا لذلك من المفيد استكشاف الهيكل المكاني للتفاوتات الإقليمية في معدلات محو الأمية بين الجنسين في تونس باستخدام طريقة تحليل البيانات المكانية الاستكشافية. (ESDA).
تقدم ESDA تصورا أكثر صلة بالتوزيع المكاني لنشاط أو ظاهرة. ومع ذلك، فإن استخدام هذه الطريقة يجعل من الممكن إلقاء ضوء جديد على المسألة الإقليمية. كما أنه يجعل من الممكن تحديث القرارات المتعلقة بالتحدي الوطني أو الإقليمي وبياناته.
في تونس، هناك ارتباط ذاتي مكاني إيجابي بين معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة بين الذكور والإناث، حيث ترتفع معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة بين الرجال في الجنوب، ومن ناحية أخرى، تنخفض المعدلات في الشمال، ولا سيما في نابل. وفي الوقت نفسه، فإن معدلات النساء منخفضة في الجنوب وأعلى في الشمال. وهذا يبين أن مشاركة المرأة في الشمال أكثر منها في الجنوب وأنها تستفيد أكثر من التعليم.
ونتيجة لذلك، فإن وجود تفاوتات كبيرة بين البلدان وكذلك داخل البلدان آخذ في الازدياد. فلا نستغرب إذ وجدنا حالات قصوى من الاستبعاد الاجتماعي والفقر والبطالة وانعدام الفرص ومعدلات الإلمام بالقراءة والكتابة التي تؤدي إلى تعزيز الفوارق الإقليمية وزيادة التوترات الاجتماعية مثل عدم تكافئ فرص العمل و كثرة البطالة.
ويستند هذا التفاوت إلى ازدواجية اقتصادية تؤدي إلى انخفاض معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة وارتفاع نسب البطالة في الولايات الداخلية (Abbassi et al., 2021)
تؤكد خريطة معدل البطالة على مستوى الولايات الآثار السلبية لسياسات التشغيل غير المتكافئة في الوقت الحاضر، والذي قد يكون بسبب نقص التعليم في الماضي.
خاتمة
تمر تونس حاليا بفترة حسّاسة للغاية من الانتقال الديمقراطي وقد فرضت الثورة الشعبية في عام 2011 هذا التحول بسبب العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك بطالة الشباب والتفاوتات وعدم إمكانية الوصول إلى الظروف المعيشية في المناطق الريفية (Gana, 2013).
وكان لعدة عوامل اجتماعية – اقتصادية، مثل مستوى التعليم، تأثير سلبي على قدرة بعض المناطق على الصمود. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من المناطق التي تضم سكانا من الشباب وذوي التعليم الضعيف لها الأولوية العليا من حيث إصلاح نظام التعليم، ولا سيما عن طريق تكييف الدورات الدراسية مع متطلبات سوق العمل.
من المهم الإشارة إلى أن أصالة هذا التحليل تكمن في التحليل المكاني للتفاوتات في معدلات معرفة القراءة والكتابة بين الولايات التونسية وحسب الجنس، فالنوع الاجتماعي هو مؤشر غير مستغل بشكل كاف في الأدبيات الإقليمية في تونس، كما أنه في صميم الاستراتيجيات الجديدة لخلق فرص العمل والتنمية.
وأخيرا، فإن هذا التشخيص الإقليمي يجعل من الممكن استهداف المجالات التي تحتاج إلى خلق فرص اقتصادية أكثر فعالية للحد من الفقر والأمية لرأس المال البشري غير المستغل. رغم أنّ الحديث عن إصلاح النظام التعليمي في تونس هو من القديم المتكرّر، إلّا أنه يبقى ضرورة ملحّة، ولعلّ الاستشارة الأخيرة حول إصلاح التعليم تأتي بالجديد في هذا المجال.
اهم المراجع
- Abbasi, N., Mrad, F., Nafti, S., Lafi, M., 2021. Regional Employment Disparities in Tunisia Post-2011: A Comparative Study Using ESDA. Tech. Soc. Sci. J. 24, 371.
- Belhedi, A., 2019. Les disparités régionales en Tunisie. Défis et enjeux.
- Dabrowski, P., 1982. Regional disparities in agriculture [Europe]. Econ. Rurale.
- Davezies, L., 2004. De la question sociale à la question spatiale. Lien Soc. Polit. 47–53.
- Forgues, É., Beaudin, M., Béland, N., 2006. L’évolution des disparités de revenu entre les francophones et les anglophones du Nouveau-Brunswick de 1970 à 2000. Institut canadien de recherche sur les minorités linguistiques
- Gana, A., 2013. Aux origines rurales et agricoles de la Révolution tunisienne. Maghreb – Machrek N° 215, 57–80.
- Najem, D., 2012. L’université, un outil de développement local ? Le cas de Jendouba en Tunisie. J. High. Educ. Afr. Rev. Enseign. Supér. En Afr. 10, 63–80.
نشر هذا المقال في مجلّة حروف حرّة، العدد 32، نوفمبر 2023.
للاطّلاع على العدد كاملا: http://tiny.cc/hourouf32