ترشيح لينا وعقد مواطنينا
| ما إن انتشر خبر ترشيح المدوّنة التونسيّة لينا بن مهنّي لجائزة نوبل للسلام لسنة 2011، حتّى انقلب الفايسبوك رأسا على عقب…وتجنّد عدد كبير من المناضلين الافتراضيين إلى التشكيك في جدارتها والقدح في نضالاتها واتّهامها بالعمالة وخدمة أجندات أجنبيّة بل وحتّى الطعن في أخلاقها وتسريب صور شخصيّة لها، بل وذهب آخرون إلى حدّ نفي المصداقيّة عن جائزة نوبل جملة وتفصيلا…هذا مع العلم أنّ الترشيحات للجائزة أعلنت منذ غرّة مارس، لكن يبدو أنّ ما أجّج النقاش في الأيّام الأخيرة هو ورود إسم لينا في قائمة مدير معهد أوسلو لأبحاث السلام لأبرز المرشّحين (انظر:http://www.prio.no/About/PeacePrize/PRIO-Directors-Speculations-2011/#Nominees) )… وعلى الرغم من أنّ هذه القائمة ليست أكثر من تخمين، فقد رأى فيها البعض خطرا محدقا وداهما ومؤامرة على الثورة ومحاولة لإجهاضها: هناك تونسيّة يمكن أن تفوز بجائزة نوبل !
لا إجماع حول لينا، ومن الجميل أنّنا تجاوزنا (فيما يبدو) ثقافة الإجماع والـ99%…لكن من المؤسف أنّنا تجاوزناها إلى النقيض الآخر، إلى تنبير مرضي… قد لا نوافقها في العديد من مواقفها، وقد نعتبر غيرها أجدر بالترشيح، ولكن لا ينبغي أن ننسى، وما بالعهد من قدم، مشوارها النضالي…لم تكن من مناضلات الساعة الخامسة والعشرين (عكس بعض من ينتقدونها) ولم تسكن أو تهادن يوما…علا صوتها في زمن كان مجرّد فتح الفم فيه جريمة، ودافعت عن كلّ قضايا الحريّة في بلادنا: المساجين السياسيين، ضدّ الحجب، الحوض المنجمي وغيرها…تعالت فوق مرض عضال لازمها منذ نعومة أظفارها لتواجه أمراض الفساد والقهر الّتي تنخر جسد وطنها…لم تكتفي بالتحرّك الافتراضي، بل نزلت إلى الشارع، وغطّت أحداث الثورة منذ أوائل أيّامها…يضاف ذلك إلى صغر سنّها (في ثورة قيل أنّها ثورة الشباب) وكونها فتاة (في مجتمع يفترض أنّه يفخر بحقوق المرأة لديه ) والأهمّ: أنّها تونسيّة، بل هي المرشّحة التونسيّة الوحيدة، وتتويجها بجائزة في قيمة جائزة نوبل سيكون مفخرة لتونس وتتويجا لكلّ من ناضلوا من أجل الحريّة في هذا الوطن.
من الأزمات الكبرى الّتي نعاني منها أزمتنا في حسن التعامل مع بعضنا البعض…في الوقت الّذي من المفروض أن نلتفّ فيه حول هذا الترشيح ونسانده (مع العلم أنّ لجنة خاصة بجائزة نوبل هي الّتي قامت بفرز المترشّحين، وليس هناك طرف تونسي تدخّل في ذلك !) ونتعالى على كلّ الخلافات والأحقاد الشخصيّة ، كان العكس تماما هو الّذي حصل: تشكيك وتجريح وسبّ وشتم لأملنا الوحيد للفوز بالجائزة لهذه السنة…بذلك أثبتنا، مرّة أخرى، أنانيّتنا وقصر نظرنا المزمنين…العقليّة الّتي يرى أصحابها أنفسهم الأولى بكلّ شيء وينفون كلّ فضل لمن خالفهم (إلى حدّ تجريدهم من صفات البشريّة، كما يقول توفيق الحكيم !) لا تزال مهيمنة للأسف.
حظّا طيّبا لينا، وشكرا لأنّك أوقفتنا عارين أمام المرآة !