تريد الرياضة و… عذريتها
|اليوم عيد في المملكة العربية السعودية…لا يتعلّق الأمر كباقي الدول باليوم العالمي لحريّة الصحافة…هو عيد عنوانه مختلف…. عيد نسائي بامتياز…
فرحة نساء المملكة بالعيد سبقتها رحلة معاناة مضنية في مواجهة خفافيش الظلام من علماء دين مغالين يدّعون أنّهم يستقون فتاواهم مباشرة من السماء… و كأن صفحة السماء لباس امبراطور لا يراه إلاّ أذكياء آل سعود…
“ممارسة الفتيات للرياضة تفقدهنّ عذريتهنّ” هكذا أفتى علماء الدين السعوديون ليحرموا النساء السعوديات من الركض و السباحة و ممارسة الجمباز و التنس وكرة اليد و السلة و ركوب الخيل شأن حرمانهم إياهنّ من قيادة السيارة..(أعتقد أنّ قيادة السيارة تتسبّب أيضا في فقدان العذرية على المدى البعيد..)
في الحقيقة، أشياء كثيرة تفقد الفتاة عذريتها و أوّلها بقاؤها عذراء لسنوات طويلة أو حتى تموت… أو أكل الموز و كل الغلال التي لها شكل الهلال أو العمود أو القضيب… ففي فتوى لعالم دين مسلم يعيش في دولة أروبية، يحرّم على المرأة ملامسة الخضروات و الفواكه التي لها “شكل العضو الذكري للرجل مثل الموز و الخيار” بدعوى أنها تثير النساء.. لم يكشف عن إسم هذا العالم الفاضل لكن فتواه تكفي للتعريف به.. فهو يرى أن في تحريم أكل هذه الخضر و الغلال المثيرة على المرأة حماية لها من الوقوع في شرك التخيلات الجنسية فيما هي تأكل موزا أو جزرا أو خيارا.. وقد دعا إلى وجوب إعداد شخص آخر لهذه الخضر والغلال “الإباحية” عبر تقطيعها لأجزاء صغيرة تبعدها عن شكلها الأصلي المثير للفتن…
أستعيد هذه الفتوى فأبتسم في خبث و أنا أعترف بيني و بين نفسي بتفضيلي للموز دون سائر الفواكه…
تناقشت مرّة مع امرأة فرنسية حول حقوق النساء في السعودية و خاصة حقها في قيادة السيارة و كنت أشرح لها كيف أن الوضع هناك انتهاك صارخ لأبسط الحقوق الإنسانية و اعتداء على كرامة جنس كرّمه الدين الإسلامي فأذلّه شياطين آل سعود و علماؤهم الشوّاذ.. و كانت الفرنسية تردّ أنه لا يجب علينا إصدار “أحكام مسبقة على الآخرين” و أنّ “ما أراه أنا انتهاكا للحرية يعتبره السعوديون حفاظا على التقاليد ” .. كانت لشّدة انبهارها بما تراه من المجتمع العربي، الذي تزوّجت رجلا منه، لا زالت تمتلك تلك الفكرة المفضوحة الآن حول الرجل الشرقي الغيور على زوجه و أهل بيته و التقاليد العربية الوردية التي أحبّها الجميع في مسلسل “باب الحارة”… و لأنها لا تعرف من الإسلام الشيء الكثير فقد ظنّت أن ما يحصل في بلد “هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر” تطبيق صحيح للشريعة الإسلامية و أنه “علينا (نحن التونسيين) أن نحترم ذلك و نكفّ عن إصدار أحكام مسبقة.”
كنت أريد أن أسألها كيف كان شعورك لو أنّك لم تقودي سيارة يوما.. أو إن كان عليك و أنت الطبيبة و المحامية و الأستاذة الجامعية و الصحفية أن تحصلي على بطاقة صفراء تحمل موافقة وليّ أمرك على سفرك للخارج و لم يكن وليّ أمرك في حالات عديدة سوى ابنك ذي السنوات السبع و الذي تشرفين أنت على رعايته و تكفلينه ماديا و معنويا… أو كيف كنت لتشعري لو أنّك تضربين في الساحة العامّة و أمام الناس جميعا لأنك أقدمت على إبراز خصلة واحدة من شعرك أو أنك جرأت على ارتداء سروال دجينز في مكان عامّ؟؟
و كنت سأسألها أيضا عمّا تراه يكون شعورها لو أنه لم يسمح لها منذ سيلان ذلك الأحمر بين فخذيها أن تلعب أمام منزلها رفقة أقرانها من الصبيان و لو أنها لم تعرف يوما متعة الركض في مسلك صحّي مرتدية لباسا رياضيا جميلا أو لذّة تقاذف كرة تنس أو كرة يد، و لا فرحة منافسة فريق من الأولاد و البنات في مباراة كرة قدم ؟؟
و أردت أن أسألها إن كانت تتصوّر حياتها كامرأة، لا فقط كأوروبية متحضّرة، دون تردّد على صالة للألعاب الرياضية أو مشاركة حبيب متعة متابعة مباراة كرة قدم في الملعب أو مرافقته للمشي البطيء في منتزه جميل بروّاده من نساء ورجال…
خشيتي على الفرنسية من أن تشعر للحظة بفقدان كلّ تلك المتع و اللّذات صرفتني عن كشف حقيقة حرمان تعيشه ملايين من النساء في دولة إسلامية لا لقلّة ذات يد يعانينه فلا يستطعن توفير تكاليف ممارسة الرياضة كالرجال بل لوجود قانون جائر يدّعي واضعوه أنه “تعاليم ربّانية” و يعلم الجميع أنه لا يعدو أن يكون “تعاليم جنسيّة”..
اليوم، سيصبح بإمكان المرأة السعودية أن تختبر كلّ تلك المتعة التي اختبرتها صديقتي الفرنسية طوال حياتها دون أن تفكّر لحظة في كونها تجسيدا لحقوق إنسانية و ليس فقط تمارينا رياضية لشدّ جسم مترهّل أو الحفاظ على بشرة جميلة و صحيّة أو طقسا من طقوس تجزية الوقت…
أسعد لما أعتبره “فتحا نسويّا” عظيما قد يهزأ به البعض و قد يتجاهله البعض الآخر و الأكيد أنّ كثيرين يستنكرونه..أولئك الذين لا يعرفون من جسد المرأة سوى البكارة و يحرّمون على بقية أعضائها أن تمارس حقّها في الحركة و النشاط .. هم الذين يحرّمون أكل الموز لأنه يثير نساءهم اللواتي لا يبلغن النشوة معهم، ويحرّمون المشي في لباس رياضيّ لأنه يكسب نساءهم “فيتامين د” والفيتامينات رجس من عمل الشيطان، و يحرّمون الركض لأنه سيشدّ أجساد نسائهم التي يريدونها مكتنزة مترهّلة، و يحرّمون السباحة لأنها ستمنح النساء متعة لا يبلغنها فوق أسرّتهم، و يحرّمون ركوب الخيل لأنه أشبه بركوب رجل غريب على محارمهنّ..
فتاواهم جميعها لا تأتي من السماء كما يدّعون بل من أسفل بطونهم…
فلتهنأ المرأة السعودية بما حقّقته بعد نضال عام بحاله لتفتكّ حقّها في اللعب كما يلعب الرجال .. أولئك الذين يتقاذفون كرة القدم منذ سنوات طفولتهم الأولى دون أن يفتي أحد بإمكانية فقدانهم لطهارتهم أثناء ذلك… و لست أعني طهارة الوضوء للصلاة…
أمّا هنّ، نساء السعودية المقموعات باسم العذرية،و بعد أن حرمن طويلا، فسيعود بإمكانهنّ أن يرتدين ألبسة رياضية جميلة و يمارسن الرياضة في صالات عامّة لأنّهن يردن الرياضة لأرواحهنّ قبل الجسد و يحترمن أعضاءهنّ جميعا لا البكارة منها فقط.. و لا أعتقد أنهنّ سيحتجن يوما إلى كشوف عذرية اثر حصة سباحة … فشرف المرأة الرياضية ،و لله الحمد ،محفوظ..طالما لم يكن للمسابح شكل الموز …