صفقة شاليط والتاجر الرابح
| بعد خمس سنوات، اتّفقت حماس أخيرا مع إسرائيل على إطلاق سراح جلعاد شاليط في مقابل الإفراج عن سراح أكثر من ألف أسير فلسطيني، منهم من قضّى أكثر من ثلاثين سنة في السجون الإسرائيليّة.
من حقّ الفلسطينيين أن يفرحوا ويستبشروا بتحرير أسراهم. “الصفقة” تبدو رابحة: ألف مقابل واحد، يا لها من غنيمة ! يبدو الأمر أشبه بعرض لأحد المركبّات التجاريّة الكبرى، من صنف العروض الّتي يتهافت عليها المشترون وتنفد “البضاعة” في غضون سويعات أو أقلّ.
لكن مهما بدت الصفقة رابحة للمشتري، فإنّ التاجر هو الّذي يربح دوما…التاجر لا يبيع بالخسارة، حتّى وإن أوحى بغير ذلك. وفي صفقة شاليط، لا نحتاج إلى تفكير عميق لنتبيّن ما ربح التاجر.
“الثمن” كان باهظا، وباهظا جدّا…سنوات من الحصار الّذي أنهك الفلسطينيين في القطاع وجوّعهم وأذاقهم الويلات…حرب غاشمة على غزّة في 2008 راح ضحيّتها أكثر من ألف شهيد وأكثر من خمسة آلاف جريح بتعلّة تحرير الجنديّ الأسير…
بعثت إسرائيل برسالة ضمنيّة إلى الرأي العام العالمي مفادها: أنّ روح الإسرائيلي لا تقدّر بثمن، بينما روح العربيّ لا تساوي، حتّى عند أهله، جناح ذبابة ! في سبيل شاب بسيط لم يكن من مشاهير القوم ولا من عليتهم تتحرّك الجيوش وتشنّ الحروب وتهدر دماء الآلاف (كأنّهم يعيدون إنتاج قصّة من صرخت: وا معتصماه !) ويفدى بألف من الأعداء…وفي الطرف المقابل، بدا مقاتلو حماس في مظهر الغلاظ القساة الّذين لم يبالوا بدماء شعبهم وصرخات عذابه وضحّوا بها في سبيل إثبات موقف، كأنّهم تجرّدوا من البشريّة ! ومن أكثر تلاعبا بالإعلام من بني صهيون؟ قصّة الشاب المسكين الّذي أسرته حركة إرهابيّة وحرمته من أحلى سنوات عمره قصّة تضاف إلى المحرقة وأساطير الاضطهاد المتواصل منذ مئات السنين…هي مشروع بصدد الإنجاز لبطل عالمي يستدرّ به العطف لعدّة سنوات مقبلة، لا سيّما وأنّ الرجل حصل على تعاطف كبير لدى الغرب ومنح قبل إطلاق سراحه المواطنة الفخريّة لمدن باريس وروما وميامي وغيرها…
وفي النهاية، ما جدوى تحرير ألف أو آلاف من الأسرى ليخرجوا من جدران سجونهم إلى جدران سجن أوسع يعيش فيه شعب بأسره؟