عندما مزّقت فيروز جناحيها
|” أغمض عينيك عندما تستمع إلى فيروز…إننا لا نرى الملائكة، ولكن يحدث أحيانا أن نسمعها تغني”… هذه القولة لجورج شحادة هي من المقولات الرائجة عند أحباء فيروز… أطلقوا عليها، ومازالوا، اسم الصوت الملائكي… وفعلا، كانت فيروز في مرحلتها الرحبانية متجردة من بشريتها، كائنا فوق حدود الزمان والمكان..يكبر الناس وتنسى هي أن تكبر…غناؤها صلاة، دعوة للتسامي فوق نوازع الجسد…صوتها خمر كيان، يجعلك لا تبالي ما دنيا الناس… لا علاقة لما تغنيه بالواقع، بل يكره الواقع الدامي المعفر بالثرى و يرسم منه كونا بديلا، عالم أطفال يحلمون.. لم تكن منا، بل كانت “سفيرة النجوم إلينا”، صلتنا بالسماء التي تجعل شيئا من السماء يستمر بداخلنا…لكن فيروز لم تبقى في ذلك الوطن السماوي الذي شيّده الأخوان رحباني. مع زياد، مزّق الملاك جناحيه ونزل إلى عالم يدعى “الواقع”… لم يكن نزولها نزول طرد أو لعنة، بل يقينا أن السماء لم تعد تكفي لحمل هموم الأرض، وأنّه يجب على الأرض أن تخرج من الشرنقة، أن تقطع الحبل السرّي حتى تعيش، أن لا تنتظر ضوء شمس لن يأتي أبدا… كان النزول مع ذلك عنيفا، صدم من آمنوا بذلك الوطن وعاشوا في ظله… كان من العسير الاستماع إلى الفتاة الحالمة النقية تخاطب، في “كيفك أنت”، رجلا متزوجا له أطفال وتتمنى الرجوع إليه… و كان من الأعسر الاستماع إليها تسخر من السماء ومن أغاني السماء في “مش كاين هيك تكون”… لكن الملاك مقطوع الجناحين لم يتحول إلى صوت يذوب في زحام المغنين.. التقطت فيروز الزيادية الواقع في أدق تفاصيله. معها، تتعرف على نفسك وتجد من يعبر عنها… فيروز زياد لا تتعالى على آلام البشر ومعاناتهم.. هي تحب و تكره، تعاتب وتصالح، تمزح وتغضب، تقطع وتصل…لا تخجل من أن تصرخ “اشتقتلك، اشتقتلي… بعرف مش رح تقلي… طيب أنا عم قلك اشتقتلك ! ” ولا تستنكف من أن تعبر عن عدم مبالاتها: ” تمرق علي، امرق.. ما بتمرق، ما تمرق…مش فارقة معاي”… تعطي ثقتها إذا أرادت: ” عندي ثقة فيك، وبيكفي”… لم تعد فيروز صوت السماء إلى الإنسان، بل صوت الإنسان إلى الإنسان… تتنفس الأرض مشاغلها إذا شدت… يسمع المتأوهون أناتهم إذا صدحت… عندما كانت ملاكا، منّتنا بعالم مثالي ، طرقاته “مفروشة بالنوم و سعيدة”… و عندما مزّقت جناحيها، أرتنا هذه الحياة، بجميع اختلاجاتها وأزماتها ونكساتها وصَغارها و أدنى تفاصيلها جديرة أن تعاش… وفي حالتيها، تمنحنا فيروز سببا لكي نحيا..
ceci me dit que Fairouz etait toujours l’oeuvre de grands musiciens(erroumi.les rahbani nassif…) Elle est meme leur chef d’oeuvre. c’est aussi clair que cela. Merci pour cette sensibilite rarissime.