القرار 1973 والتدخّل الإنساني
|أذن مجلس الأمن في قراره 1973 (2011) المؤرّخ في 27 مارس 2011 حول ليبيا للدول الأعضاء في منظمّة الأمم المتّحدة بـ “اتخاذ جميع التدابير اللازمة…لحماية المدنيين والمناطق الآهلة بالسكّان المدنيين“. وقد قامت قوات حلف شمال الأطلسي، بالاستناد على هذا القرار، بتوجيه عدّة ضربات إلى أهداف تخضع لسيطرة العقيد القذافي. ولئن كان من الواضح للعيان أنّ الوضعيّة الإنسانيّة في ليبيا كانت كارثيّة وقت اتّخاذ القرار، إلا أنّه يجدر التساؤل عمّا إذا كان من الجائز، من وجهة نظر القانون الدولي، أن يتمّ الإذن بمثل هذا التدخّل العسكري؟
تمّ اتخاذ القرار المذكور بالاستناد إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتّحدة المعنون “فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان”. وقد سبقه القرار 1970 (2011) المؤرّخ في 26 فيفري 2011 الذي أقرّ خاصة إحالة الوضع إلى المحكمة الجنائيّة الدولية وحظر توريد الأسلحة ومنع عدد من المسؤولين الليبيين من السفر وتجميدا للأموال. وأشار القرار 1973 في ديباجته إلى أنّ السلطات الليبيّة لم تمتثل للقرار 1970 وأنّ الوضع ازداد تدهورا، وهو ما يوحي بأنّه وقع المرور من المادة 41من الفصل السابع (تدابير لا تتطلب استخدام القوات المسلّحة) إلى المادة 42 الّتي تجيز مثل هذه التدابير. وبغضّ النظر عمّا إذا كان التدهور المشار إليه يبرّر هذا الانتقال، تجدر الإشارة إلى أنّه لا يجوز الترخيص بمثل هذه التدابير إلا “لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لإعادتهما إلى نصابهما“. وكلمة “دوليين” تعني، بداهة، أنّ الوضع يخصّ أكثر من دولة واحدة، وإلا تعلّق الأمر بشأن داخلي يمنع التدخّل فيه كما أقرّت ذلك المادة 2 فقرة 7 من ميثاق الأمم المتحّدة ولكان ذلك مسّا بسيادة الدول التي كرّستها المادة 2 فقرة 1. لكنّ بالعودة إلى دواعي اتّخاذ القرار كما وردت في ديباجته، لا نجد سببا واحدا يهمّ طرفا غير الدولة الليبيّة (سوى ما ذكر عن معاناة اللاجئين والعمّال الأجانب الذين اضطرّوا إلى الفرار، وهو ما لا يشكّل مسّا بالسلم والأمن الدوليين، بل لم تتمّ الإشارة إليه في القرار على أنّه كذلك) رغم الإشارة في الديباجة أنّ الوضعيّة في ليبيا تشكّل تهديدا للأمن والسلم الدوليين. كل التعليل انحصر تقريبا في وجوب حماية المدنيين وهو أمر من المفروض أنّه يتعلّق بالدولة الليبيّة وحدها دون غيرها من الدول. وبالتالي، فلا يجوز لمجلس الأمن الاستناد على هذا المبرّر للإذن بالقيام بتدخّل عسكري. ومن المثير للاهتمام أن تلوّح روسيا باستخدام حق النقض أمام محاولات التدخّل في سوريا بدعوى أنّ الشأن السوري لا يشكّل تهديدا للسلم والأمن الدوليين وتمتنع عن استخدامه فيما يخصّ الشأن الليبي، وهو ما يطرح مشكل المعايير المزدوجة.
إنّ القرار 1973 لا يجد تبريره في ميثاق الأمم المتّحدة بل في مبرّرات إيديولوجيّة فمنذ نهاية الثمانينات، نظّر الفرنسيان ماريو بيتاتي و برنارد كوشنير لحقّ التدخّل الإنساني الذي يبيح التدخّل في شؤون دولة أخرى لإنقاذ المدنيين من التجاوزات الّتي ترتكب في حقّهم. وقد تمّ تكريس هذا الحقّ في ميثاق الاتحاد الإفريقي (وللمفارقة، لم تتدخّل هذه المنظّمة في ليبيا رغم أنّ تدخّلها لم يكن ليطرح أيّ مشكل قانوني). ولئن تمّ استخدام هذا “الحقّ” سياسيّا لتبرير عديد التدخّلات الّتي أذن بها مجلس الأمن، فإنّه لم يكن قطّ مبرّرها الصريح لتكييف الوضع كتهديد للسلم الدولي يجيز تدخّل المجلس في نطاق الفصل السابع. ومن الحالات الّتي أسالت الكثير من الحبر تدخّل حلف شمال الأطلسي، دون ترخيص مسبّق من مجلس الأمن، وبالتالي خارج إطار الشرعيّة الدولية، في كوسوفو سنة 1999 بدعوى إنقاذ المدنيين. وقد قيل أنّ مجلس الأمن رخّص ضمنيّا وبصفة لاحقة لهذا التدخّل، من خلال قرارات أخذت به بعين الاعتبار إلا أنّ مفهوم الترخيص اللاحق يبدو غير منسجم مع ميثاق الأمم المتّحدة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الوثيقة الختاميّة للقمّة العالميّة الستّين لمنظّمة الأمم المتّحدة المنعقدة سنة 2005 (وهي وثيقة غير ذات قيمة قانونيّة) أقرّت ما عرف بمسؤوليّة الحماية (وهو ما ما لا يختلف جوهريّا عن التدخّل الإنساني) وتنصّ هذه الوثيقة على أنّه”يجب على كلّ دولة أن تحمي المجموعات السكّانية من الإبادة الجماعيّة وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانيّة“. ويبدو أنّ مجلس الأمن يكرّس في قراره 1973 مفهوم مسؤوليّة الحماية من خلال تأكيده أنّ ” الهجمات الممنهجة الواسعة النطاق الّتي تشنّ حاليا في الجماهيريّة العربيّة الليبيّة على السكّان المدنيين قد ترقى إلى مرتبة جرائم ضد الإنسانيّة” وذلك بالرغم من أنّه لم يرد أيّ ذكر للجرائم ضد الإنسانيّة صلب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتّحدة. ولذلك يمكن القول أنّ القرار 1973 ربّما يشكّل أوّل تكريس صريح للتدخّل لدواع إنسانيّة.
إنّ الإذن بالقيام بعمليات عسكريّة ضد ليبيا، رغم غطاءه الإنساني، لا يستجيب لمقتضيات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتّحدة ويبقى مجلس الأمن ذا سلطة مطلقة في تكييف الوضعيّة على أنّها مسّ بالسلم والأمن الدوليين دون أيّ رقيب عليه. وبغضّ النظر عن سلامة التبرير من عدمها، ينبغي التساؤل عمّا إذا كان تدخّل حلف شمال الأطلسي موجّها بالفعل لحماية المدنيين أم أنّه تجاوز حدود الترخيص المقدّم إليه ليصبح انحيازا لطرف معيّن في صراع داخلي.
félicitation si hamza c’ un article excellent