الوضع السوري…على كف عفريت (الجزء 1)
|بقلم: أنيس عكروتي
منذ أيام قليلة بدأت ماكينة الاحداث الدولية في المرور إلى السرعات القصوى…أذكر منذ أسبوعين تقريبا وأثناء متابعتي لنشرة الاخبار على إحدى القنوات العربية أنني شاهدت خبرا منقولا عن الصحيفة العبرية ” يديعوت احرونوت ” يفيد باستعداد آلاف العسكريين الروس للذهاب الى سوريا قصد القيام بعمليات عسكرية متنوعة هناك..
وهنا لا بد من الإشارة الى الدور الاستخباراتي الذي تلعبه الدول المتدخلة في الشأن السوري، إذ أصبحت سوريا ساحة مفتوحة للأجهزة الاستخباراتية من أجل جمع المعلومات ورصد التطورات العسكرية على الارض..
هذا الخبر سرعان ما فندته السلطات الروسية ..والنفي السريع هنا يأتي بمثابة التأكيد.
يوم 30 سبتمبر بدأت المقاتلات الروسية غاراتها على مواقع تنظيم للجماعات المسلّحة في الأراضي السورية بناء على تفويض للرئيس فلاديمير بوتين من المجلس الاتحادي واستنادا إلى طلب من دمشق.
هذا التطوّر العسكري والسياسي فرض على أمريكا وحلفائها مراجعة مواقفها السابقة المتشددة والرافضة لتواجد النظام الحالي أو رأسه في اي تسوية سياسية قادمة.
التصريحات الرسمية لهذه الدول (أمريكا ، بريطانيا ، فرنسا ، المانيا وتركيا ) أكدت على وجوب التنسيق مع روسيا ولم تمانع في ان يكون الأسد طرفا في المرحلة الانتقالية.
و هذا التغير لا يمكن اعتباره مفاجئا، فهذه الدول تدرك جيدا جدية الموقف الروسي حيال المسألة السورية وتجسد ذلك سياسيا من خلال رفع الفيتو في اكثر من مرة على محاولات للتدخل في سوريا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة كما حصل في ليبيا. كذلك من الجانب العسكري فقد واصلت روسيا دعم النظام السوري بالأسلحة والمساعدات اللوجستية والاستخباراتية في اطار اتفاقيات شراكة بين البلدين.
دول الحلف المقابل اشتغلت على المستوى العسكري من أجل محاولة تغيير خارطة النفوذ في سوريا حتى تدخل المفاوضات بأفضلية على الأرض تجسدها الجماعات المدعومة منها والتي لم تنجح في السيطرة على نسبة هامة من الاراضي بسبب استنزاف قوتها في محاربة ” تنظيم الدولة الاسلامية ” الذي تفوق عليها في اكثر من معركة.
اليوم تدرك امريكا جيدا ان الفصائل التي تسميها بالمعتدلة لن تقدر على حسم المعركة لصالحها لذلك فقد رحبت بالتنسيق الروسي.
بعد لقاء بوتين واوباما على هامش اشغال الأمم المتحدة ، تغيرت المعطيات فبعد ان اتفق البلدان على تسخير الجهود من أجل توجيه ضربات قوية لعناصر تنظيم الدولة الاسلامية قامت المقاتلات الجوية الروسية باستهداف جماعات مثل أحرار الشام وغيرها، وهو ما أدى بالحلف المقابل إلى اصدار بيان استنكر فيه ما قامت به روسيا ودعاها الى الكف عن تسديد الضربات لهذه الجماعات ” المعتدلة”.
مفهوم الاعتدال يبدو أنه يختلف بين الطرفين، فروسيا اكدت بذلك ان كل الجماعات المعارضة هي مستهدفة ( باستثناء الجيش السوري الحر الذي قال فيه لافروف انه ليس بجماعة ارهابية وربما يدخل ذلك في باب التنازلات أو المناورات السياسية باعتبار هذا الاخير مقربا من الحلف المقابل) في حين تستميت الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها في الدفاع عن الجماعات المناوئة للنظام السوري وتنظيم الدولة الاسلامية ( الغير مضمون برأيها ).
تطور عسكري آخر جلب الاهتمام هذه الايام وهو اختراق مقاتلات روسية للمجال الجوي التركي وهو ما اعتبرته تركيا سابقة خطيرة ودعت حلف شمال الاطلسي الى الاجتماع وتقديم موقف مما حدث.
روسيا اعتبرت ذلك امرا عرضيا رغم انه لم يكن كذلك، فبحسب معلومات عن جهات عسكرية قامت المقاتلات الروسية برصد موجات الرادارات التركية المنتشرة على الحدود السورية لاستغلال ذلك في عمليات تشويش مستقبلا.
و على عكس ما افادت به الحكومة التركية فإن المضادات التركية حاولت بالفعل اسقاط طائرات “السوخوي 35 ” لكنها فشلت في ذلك. سياسيا كذلك أرادت روسيا توجيه رسالة إلى تركيا مفادها أنّه لا مجال لإقامة مناطق للحظر الجوي بعمق 100 كلم أو اكثر داخل سوريا وأن المقاتلات الروسية ستواصل التحليق فوق الأراضي السورية دون ان يمنعها أحد من ذلك.
العمليات العسكرية الروسية الى حد الان كانت مركزة على ارياف حماة ، ادلب ، حمص ، الرقة لدفع المسلحين نحو الهروب الى عمق المحافظات كي يتمكن الجيش السوري من التقدم والسيطرة على اراض جديدة.
و تجسد ذلك يوم أمس بعمليات برية سورية عبر محورين: الأول جنوبي يهدف إلى فتح الطريق بين حماة وحمص، وسط البلاد، والثاني شمالي ( قصد السيطرة على ريف حماة ـ حمص ).
بالتوازي مع ذلك أفادت مصادر نقلا عن ممثل لوزارة الدفاع الروسية استعداد روسيا لمناقشة المقترحات الامريكية بشأن التنسيق والتي تشترط أساسا عدم تصدي روسيا للقوات المدعومة أمريكيا.
و بذلك نعود الى المربع الاول في المفاوضات في انتظار تطورات جديدة..
إلى ذلك قال الناطق باسم البيت الأبيض جوش إيرنست إن على روسيا ألا تتصدى للقوات المدعومة أميركياً في سوريا. ورأى إيرنست أن الخطوات العسكرية الروسية تعارض الموقف الرسمي الداعي لأولوية الحل السياسي، مشيراً إلى أن أميركا قلقة من نوايا وأفعال روسيا في سوريا.
البيت الأبيض رأى أن “ما تواجهه روسيا من عقوبات دولية لا يضاهي الخسائر المقبلة التي ستترتب من جراء تدخلها العسكري ودعمها النظام السوري” على حد تعبير إيرنست.
و هنا يجب الاشارة الى الجانب الاقتصادي المهم فالولايات المتحدة الامريكية تحاول استغلال نقاط الضعف الروسية على هذا المستوى من أجل الضغط عليها للوصول الى حل توافقي.
الثابت لدينا أن الأيام المقبلة ستشهد تطورات عسكرية هامة من شأنها ان تؤثر على سير المفاوضات بين الحلفين المتنازعين وربما يكون تأثيرا يشمل المسألة العراقية بعد أن تحول وفد عراقي إلى موسكو قصد طلب دعم روسي رسمي، وكذلك المسألة اليمنية المتحجرة والتي توقفت فيها المفاوضات منذ وقت طويل في ظل تمسك كل الأطراف المتنازعة بمواقفها.
الملفت للانتباه هنا هو غياب تعليق رسمي سعودي وقطري على التطورات الحاصلة في سوريا. ربما نتفهم موقف السعودية باعتبار تركيزها التام على المسألة اليمنية وتورطها في حرب لن تكون عواقبها بسيطة على الوضع الداخلي السعودي، إلا أن الموقف القطري المتماهي مع الموقف التركي عادة كان محتشما ويبدو أن هناك سعيا لتغيير المواقف تفاعلا مع التطورات العسكرية والسياسية القادمة. و لا ننسى الوضع الليبي المتأزم كذلك والذي سيكون الملف التالي على جدول أولويات الدول الكبرى.
و هنا لا بد من التنويه أن المجال لا يسمح باستعراض كل التفاصيل الدقيقة عن الوضع السوري أساسا، اضافة إلى تسارع نسق الاحداث هناك .
لهذا نعدكم بمقالات قادمة تواكب التغيرات وتكون أكثر تفصيلا.