المقدّس والعنف من خلال كتاب “تأسيس الغرب الإسلامي”
|بقلم: آية بالرّيش
في سياق مبحث شخصي، وجدتُني أسارع في تصفح مؤلّف هشام جعيّط “تأسيس الغرب الإسلامي” الصادر في طبعته الثانية عن دار الطليعة ببيروت سنة 2008، والذي أعتبره مرجعا هاما لفهم تاريخ المغرب الكبير وعلاقته بالإسلام والتلازم الّذي شهده هذا التاريخ بين المقدّس والعنف.
إنّ الفتوحات بهدف الدعوة إلى الإسلام في المغرب سرعان ما تحوّلت إلى توسّع سياسي ذي أهداف مادية ممّا جعل الدعوة الدينية تحيد وتمتزج بمطامع مختلفة تعددت حسب الأشخاص وحسب النفوذ.
جعلت التمثلات التي ارتبطت بتاريخ الفتح الإسلامي من بعض أعلامه شخصيات متميزة وذلك بإضفاء طابع أسطوري وملحمي حول عقبة بن نافع بالتحديد في ذاكرة شعبية أخفت الحقيقة واختارت الانبهار بذلك الطابع القدسيّ “كوليّ يحبّه اللّه” (ص. 24) إلى حدّ إضفاء طابع عجائبي على وصوله إلى المحيط الأطلسي (ص. 23).
تتنافى هذه الصورة مع كون التوسّع الإسلامي في تلك الرقعة الجغرافية عسكريا مركّزا بالأساس على جانب الترهيب ولعل الطريقة المعتمدة من قبل العرب بقيادة عقبة لبثّ ونشر الدين الإسلامي في ربوع إفريقيّة قد اضطرّت البربر لرفض الديانة الجديدة بالرغم من ميل إلى اعتناقها خاصة وأنّ الإقناع لم يكن المبدأ المتّبع في الدعوة إليها، وحتّى ميل أبي المهاجر دينار إلى الملاينة سرعان ما تمّ عكسه بعودة عقبة إلى الولاية، وظلّ ذكر أبي المهاجر هامشيا في كتب التاريخ.
أجبر الأهالي على المقاومة وهذا ما جعلهم ينتهجون طرقا مختلفة في التصدي ورفض التوسع. وقد بيّن المؤرخ كيف انتهجت الكاهنة سياسة الأرض المحروقة معربة عن رفض يقطع مع القبول بوجود العرب في المغرب بينما ارتأى كسيلة في التحالف مع البيزنطيين سبيلا للذود عن إفريقيّة.
“بمقارنة الحركة الأولى بالثانية، يبدو ان الأخيرة كانت أكثر شدة واهمية، إذا ما وقع مراعاة فخامة القوات العربية التي كان عليها ان تحاربها. فكسيلة لم ينتصر الا عن طريق هجوم مفاجئ أسعفه فيه الحظ. وسحقت الكاهنة الجيش العربي في أرض مكشوفة، ولم يكن قائد البرانس – المرتبط بالبيزنطيين والعرب في نفس الوقت-دون اتصالات مع عالمين منظمين سياسيا ولكنهما خارجين عن البربر.
أما كاهنة جراوة فقد مثلت نقاء حركة بربرية في الجوهر، وما كان ينقصها هو إدراك معنى الدولة.” (ص. 31).
مع استقرار الحكم الأموي بالمنطقة، أضحى المغرب الإسلامي منجما نفيسا بثرواته لذا وجب استغلالها وذلك مع إيهام الأهالي أنه لابد من تواجد من يكون قادرا ومقتدرا للدفاع ولحماية إفريقيّة من مطامع خارجية. بلغ الضغط الجبائي مستويات مرتفعة للغاية مع تعسّف بالغ في طريقة استخلاص الضرائب. في هذه الظروف المشحونة بالرهبة والخوف يتولد الغضب:
“فلا يمكن في أي حال من الأحوال ان تكون ثورة الخوارج قد اندلعت في حلقة العناصر البربرية المسجلة في الجيش لآن هذه الثورة ستعتمد على احتجاجات الفلاحين والمدنيين لدفعهم الجزية. وبصفة عامة استندت هذه الثورة على الغضب الآخذ في الانتشار بين جموع البربر إزاء الابتزاز المتكرر للجباية العربية” (ص. 73)
في محاولة لفهم الواقع، نتفطن أنّ اللاوعي الجماعي رهين ونتاج لتصورات مغلوطة تسوّق لربط الحضارة في ربوع المغرب الإسلامي بتأسيس القيروان وتناسي ما سبقها وتتجاهل الطابع العنيف الذي انتهجته الفتوحات على حساب سكّانه الّذين طالما شُوّهوا تاريخيا لمحاولتهم الدفاع عن أوطانهم.
لا بدّ لنا من إعادة قراءة تاريخنا حتى تتسنى لنا فرصة الفهم والنقد والتجرد من كل الاساطير التي تعيق فهمنا لذواتنا ولعلاقتنا بالمقدس قصد نفي العنف الذي أضحى منهجا وثقافة شعب.
نشر هذا المقال ضمن مجلة حروف حرّة، العدد الخامس، جويلية 2021، ص. 12.
كامل العدد متوفّر على الرابط التالي: