وهم الاهتمام
|[et_pb_section admin_label=”section” fullwidth=”off” specialty=”on”][et_pb_column type=”3_4″ specialty_columns=”3″][et_pb_row_inner admin_label=”row_inner”][et_pb_column_inner type=”4_4″ saved_specialty_column_type=”3_4″][et_pb_text admin_label=”النص”]
أغلب الناس ينغمسون في الكآبة للترويح عن أنفسهم في استعراض شعائري لشفقة مزيّفة.
قلّة قليلة من الناس تهتم حقا بما يحدث لأشخاص غرباء تماما عنهم –فيما عدا ذلك فالأكثرية تتظاهر بالاهتمام.
هم يؤدّون الأصوات المناسبة. ينطقون بالعبارة “كم هذا مروّع” عندما يسمعون عن حادثة قتل وقعت على بعد مئات الكلومترات. يقولون “أليس هذا مرعبا؟” عندما يشاهدون الآلاف يموتون جوعا على شاشات تلفزيوناتهم – لكنهم نادرا ما يشعرون بأي من هذه الأمور. إنهم يشعرون فقط بالأشياء التي تؤثر بشكل مباشر في حياتهم. لو أن ابنه قد أصابه أذى، فإنه حينها سيشعر بشيء ما. أما الباقي فهو سلوك غنمي جاهز!
يمكن للمرء أن يخفف من هذا الموقف القاسي نوعا ما بالقول بأنهم “يهتمّون” بطريقة عشوائية واعتباطية ومشتتة. لديهم خزان “اهتمام” كبير، فاتر ومميّع، يدلون منه بشكل عشوائي وبدون التفكير فعلا بشأنه. الاهتمام الموجّه إلى شيء لا يمكنك التأثير عليه لا معنى له في الواقع. هو أيضا “سهل” جدّا، لتنال جميع المكآفآت (الشعور بأنك شخص طيّب، مهتم ومشفق) بدون بذل أي جهد لتغيير الأوضاع.
يفشل الناس في استخلاص المغزى الحقيقي من هذه “الكوارث” على حياتهم، وإلى أي مدى يمكنهم، أو يستحسن بهم المساعدة.
لماذا تتصرف كتلة الناس بهذه الطريقة؟
هذا بسبب أن الناس العاديين يخشون الرفض اذا لم يقوموا بالأصوات المناسبة عندما تواجههم (مثلا) مأساة لا تهمّهم. حتى أنهم يخشون افتقاد الشعور نحو أشخاص غرباء عنهم تماما. إنهم يخشون أنه قد يكون بهم خطب ما لأنهم لم يكترثوا بصدق بزلزال وقع في الجزء الآخر من العالم قتل فيه عشرات الآلاف من الأشخاص. هذا الخوف يجبرهم على أداء أصوات أعلى وأكثر تعاطفا على أمل أن حجم الكلمات سيُغرق مشاعرهم المشتتة.
لماذا الانخراط في الإحساس “بالفظاعة” حول آخر جريمة، وقد تم اختيار تلك الجريمة أو الكارثة، من بين الملايين من الجرائم، بطريقة اعتباطية بحتة؟ لقد وقع اختيارها على أساس ما تعتقد وسائل الإعلام أنه سيكون لها المفعول الأكبر “للصدمة المرعبة”.
بث تلك الجريمة وإفرادها بالانتباه هو عشوائي تماما.
ساعات من البث سوف تمنح لمقتل (على سبيل المثال) امرأة تبلغ من العمر عشرين عاما؛ وفي الأثناء، في أي من الأربع والعشرين ساعة، فإن الآلاف من الأشخاص سيكونوا قد قتلوا بشكل وحشي وبطرق سيّئة متعدّدة. هناك ما يقرب من ستة جرائم عنيفة تحدث كل ثانية في جميع أنحاء العالم. ما يتجاوز المائتي مليون جريمة في السنة.[1] لو أنك تتكلّم بأسرع وقت ممكن، فإنك لن تستطيع حتى النطق بأسماء الضحايا!
دعنا نحاول:
هذه قائمة ضحايا يتعرّضون في هذه اللحظة الآن إلى جرائم عنف (قائمة خيالية):
فرانز شميت، توبي جونز، ماري سكينر، سونيا بادوا، فو تشي لانغ، راتمار بانجال، سلمى خليفة، رانجيت سينغ، سوزي وونغ، ديمتري ألوكسويف، خوزي روجيرو جارديم، نتومبي زواليباني.
هذه فقط 12 اسما (قيمتها “ثانيتان” من جرائم العالم). حتى لو ثرثرت هذه الأسماء بأقصى سرعة لك، فإن أفضل ما يمكن أن تفعله هو ست ثوان. خلال هذه الثواني الستة، هناك أربعة وعشرون شخصا آخر قد ارتكبت ضدهم جرائم. سيكون عليّ أن أقرأ ثلاث مرات أسرع حتى أستطيع أن أذكر أسمائهم – فما بالك بالاهتمام بهم!
هل يعني هذا أن عليك أن تصبح باردا عديم الشعور؟
الإنسان المتيقّظ يهتم ببني البشر، ويستطيع أن يرتبط معهم ويتعاطف مع آلام وأحزان شخص ما. الفرق بين الإنسان المتيقظ والشخص العادي هو أنك ستختار متى ستشعر بهذه الأشياء، ولن تسمح للمخادعين بأن يقرروا بدلا عنك متى ستشعر بمشاعر معيّنة.
إذا كنت ستشعر بالألم والحزن والكرب لمدة أربعة وعشرين ساعة يوميا، سبعة أيام في الأسبوع وثلاث مئة وخمسا وستين يوما في السنة، فإنك لن تغطي سوى واحد بالألف من المآسي الإنسانية التي يستحسن بك التعاطف معها! لذلك، فأنت تحتاج إلى اختيار متى وحتى إذا كنت ستشعر بهذه الأشياء، وأن لا تسمح للتلفزيون أو الإذاعة أو الصحف أن تختار هي لك.
في مواجهة لائحة “الضحايا” أعلاه، فإن النقاش يكون سفسطائيا والضجة الإعلامية بشأن أحد الضحايا سوف لن تنتهي. يستحسن عدم الدخول في هذا النوع من النقاش، بما أن الضحايا قد وقع اختيارهم من طرف وسائل الإعلام للاستهلاك، وهي التي تركّز على الحالات الساخنة والأكثر إثارة.
وفيما يخص السؤال “لنفترض أن الجميع تصرف هكذا؟” فهو يشابه في معناه “لنفترض أن الجميع أصبح مليونيرا؟” أو حتى “لنفترض أن الجميع يحترمون القانون بنسبة 100% ؟”. هذه ليست أسئلة واقعية لأنها حالات لن تحدث أبدا. أستطيع ان أضمن هذا تماما!
الهوامش
[1] http://www.nationmaster.com/country-info/stats/Crime/Total-crimes/Group-totals
[/et_pb_text][/et_pb_column_inner][/et_pb_row_inner][/et_pb_column][et_pb_column type=”1_4″][et_pb_sidebar admin_label=”Sidebar” orientation=”right” background_layout=”light” area=”sidebar-1″ remove_border=”off”] [/et_pb_sidebar][/et_pb_column][/et_pb_section]