الإسلام و العلمانية ورهان التعايش
|إنّ مسألة التشريع الإلهي وتلاؤمه مع العصر الحاضر مازالت تطرح جدلا في البلدان الإسلاميّة وهو ما يعود إلى كون التشريع الديني يشكّل جزء مهمّا لا يتجزّأ من الدين.
إنّ مؤيّدي التشريع الإلهي في المجتمعات الإسلاميّة طالما وجدوا وما زالوا حاضرين بشكل مكثّف، ويكفي إلقاء نظرة على الأحزاب الإسلاميّة المطالبة بتطبيق الشريعة، مع إضفاء جرعة من التحديث عليها، (وهو ما يشّكل أحد النقاط الجوهريّة في برامجها) للتأكّد من مدى تغلغل هذا الموقف الإيديولوجي الّذي تشاطره إياها شريحة لا يستهان بها من الشعوب المسلمة.
هل يمكن للتشريع الإلهي والتشريع البشري أن يتعايشا سويّا في نفس النظام القانوني؟ من البديهيّ أنّ التشريع الإلهي، بطبيعته، لا يقبل بوجود تشريع منافس ممّا يجعل تحقيق هذا التعايش مستحيلاً. ولذلك، لا يمكن أن يطبّق إلا أحدهما.
لنبدأ بالتعرّض للفرضيّة الأولى الّتي تتمثّل في إقصاء التشريع الإلهي في النظام القانوني لدولة مسلمة وما يمكن أن ينجرّ عن ذلك من انعكاسات. إنّ مؤيّدي التشريع الإلهي يرفضون التسليم بأنّ ما يفرضه القرآن والسنّة في ما يخصّ العلاقات بين الأشخاص يمكن أن يتغيّر مع الزمن. فهو كالعبادات، غير قابل للتغيّر و يجب أن يطبّق. وبالتالي، سيعارضون عدم خضوعهم للتشريع الإلهي بما أنّ ذلك يمسّ معتقدهم.
أمّا فيما يخصّ الفرضية الثانية، فبالنسبة لمؤيّدي العلمانيّة،الإيمان بالله لا يشكّل فعلا جماعيّا، بل هو فعل فردي يصل الشخص بخالقه. ولا يمكن للدّولة أن تتبنّى اعتقادا معيّنا بما أنّ المعنيّ بالعقيدة هو الإنسان الفرد. وإذا تمّ إقصاء التشريع البشري، فإنّ من لا يؤيّدون التشريع الإلهي سيعترضون على هذا التشريع ويطالبون بتطبيق تشريع يختارونه عبر ممثّليهم المنتخبين.
في كلتا الحالتين، وفي حالة التطبيق الحصري لأحد التشريعين، سيجد أنصار الطرف الآخر أمام حالة تطبيق تشريع مخالف لقناعاتهم. ومن الحلول النظريّة الممكنة للتوفيق بين الاتجاهين أن يقع إنشاء قانون بديل (إلهي أو بشري) لا يطبّق إلا على من يطلبه ويكون ذلك برضا الأطراف الّذين سيطبّق عليهم هذا القانون. لكنّ مثل هذا الحلّ يبقى صعب التجسيم بما أنّ التشريع الإلهي لا يقبل بطبيعته أن تزاحمه تشريعات أخرى. كما أنّ هذا الحلّ يضرّ بوحدة النظام القانوني وبمؤسسات الدولة الّتي لا يمكن أن تعمل إلا إذا كانت متجانسة ومستقرّة سياسيّا ومتلائمة مع متطلبات المجتمع الدولي وفعّالة وهي أشياء ضروريّة لحماية مصالح كلّ دولة وهذا ما لا يمكن أن يحصل في ظلّ وجود نظامين قانونيين متوازيين.
كلّ هذا لا ينفي أنّه إذا اختار الشعب العيش في إطار دولة قانون فإنّ إرادة الأغلبيّة هي الّتي ستطبّق شرط احترام الحدود الّتي وضعها الدستور. وإذا كان كلّ فريق له إيديولوجيّة معيّنة سيرفض ذلك فإنّ هذا يعني، ببساطة، أن لا إمكانيّة لعيش مشترك، اللهمّ إذا كان الأمر يتعلّق بدولة طائفيّة ! وهو أمر غير مقبول باعتبار أنّ الإسلام يشجّع على التعايش والاندماج ويقدّم، إذا أحسنّا قراءة نصوصه، قانونا مرنا يمكن أن ينسجم مع الحداثة.
ترجمه عن الفرنسية: حمزة عمر