هل يجوز إجرائيا لمحامي الرئيس السابق أن يترافع؟
|شهدت الساحة الحقوقية يوم 20 جوان 2011 حدثا هاما تمثل في انطلاق محاكمة الرئيس الأسبق و زوجته غيابيا، حيث تمت إحالتهم على أنظار العدالة، الغائبة بدورها في تونس منذ نصف قرن، بتهم الاختلاس و الاستيلاء على المال العام و قضايا مسك السلاح والمخدرات، وهي جنايات حسب فصول الإحالة، في انتظار النظر خلال الأيام المقبلة في أكثر من 90 قضية أخرى من اختصاص القضاء العسكري على اعتبار أن المتهم كان قبل مغادرته قائدا أعلى للقوات المسلحة بالإضافة إلى كونه جنرالا في الجيش.
و قد سعت المحكمة إلى توفير كل الشروط القانونية لتكون المحاكمة عادلة ضامنة لحقوق جميع أطرافها و سخرت للدفاع عن المتهمين الأساتذة عبد الستار المسعودي و بشير المحفوظي وعمر خميلة و حسني الباجي في حين خير الأستاذ محمد رشاد الفري الإنسحاب من هيئة الدفاع بصفة فجئية.
و انطلقت الجلسة بالمناداة على المتهمين و سرد وقائع القضية و تلاوة نصوص الإحالة، ثم أحيلت الكلمة للنيابة العمومية التي نادرا ما نراها تقوم بواجبها في الجلسات عدى ملاحقة أصحاب الهواتف المفتوحة، إثر ذلك أحيلت الكلمة للأستاذ عبد الستار المسعودي الذي أطنب في الدفاع عن نفسه و تبرير قبوله الدفاع عن المتهمين قبل التطرق لجوهر القضية.
و الإشكال الذي يطرح في هذا الإطار هو هل يمكن للمحامي في المادة الجزائية أن يترافع في ظل غياب المتهم؟؟
الإجابة عن هذا الإشكال ستكون على ضوء مقتضيات الفصل 141 من مجلة الإجراءات الجزائية و على هدي فقه قضاء محكمة التعقيب بخصوص هذا الموضوع.
اقتضى الفصل 141 من مجلة الإجراءات الجزائية الذي أنه:”
على المظنون فيه الواقع تتبعه من أجل جناية أو جنحة تستوجب العقاب بالسجن أن يحضر شخصيا بالجلسة.
و يمكنه في الجنح التي لا تستوجب العقاب بالسجن و في كل الصور التي وقعت فيها مطالبته مباشرة من القائم بالحق الشخصي أن ينيب عنه محاميا.
و يسوغ دائما للمحكمة أن تأذن بحضوره شخصيا إن رأت في ذلك فائدة.
و إذا لم يحضر المظنون فيه بعد استدعائه قانونا أو لم يحضر نائبه في الصور المبينة بالفقرة الثانية أعلاه جاز للمحكمة أن لا تتوقف على ذلك لمباشرة المرافعة و أن تصدر عليه حكما غيابيا إذا لم يبلغه الاستدعاء شخصيا، أو حكما يعتبر حضوريا إذا بلغه الاستدعاء شخصيا.
و للقائم بالحق الشخصي في كل الأحوال أن ينيب عنه محاميا إلا إذا أذنت المحكمة بحضوره شخصيا.
و الاستعانة بمحام وجوبية أمام المحكمة الابتدائية بمقر محكمة استئناف عندما تنظر في الجنايات و كذلك أمام الدائرة الجنائية الاستئنافية بمحكمة الاستئناف. فإذا لم يعين المتهم محاميا يعين الرئيس من تلقاء نفسه أحد المحامين للدفاع عنه.”
حيث من الثابت من الفقرة الأولى من الفصل المذكور أن المتهم بجناية أو جنحة موجبة للعقاب بالسجن عليه أن يحضر شخصيا بالجلسة و قد استعمل المشرع في ذلك صيغة الإلزام “… وعلى المظنون فيه…”
أما الفقرة الثانية من نفس الفصل فقد نصت على أنه يمكن للمظنون فيه من أجل جنحة لا تستوجب العقاب بالسجن أن ينيب عنه محاميا.
و الملاحظ أن المشرع في الفقرة الأولى لم يتحدث عن إمكانية إنابة محام في حين نصت الفقرة الأخيرة من نفس الفصل على أن إنابة المحامي وجوبية في مادة الجنايات.
و لفهم الفصل 141 من مجلة الإجراءات الجزائية لا بد من ربط فقراته بعضها ببعض.
فعلى ضوء الفقرات الأولى و الثانية و الأخيرة من الفصل 141 نستشف ما يلي:
– في مادة الجنح التي لا تستوجب العقاب بالسجن يمكن للمظنون فيه عدم الحضور بالجلسة و إنابة محام يتولى الدفاع عنه إلا إذا رأت المحكمة وجوب حضوره شخصيا.
– في مادة الجنايات(إنابة المحامي وجوبية) و في الجنح المستوجبة للعقاب بالسجن يجب على المتهم أن يحضر شخصيا بالجلسة و لا يمكن للمحامي أن يحضر في صورة تخلف المتهم عن الحضور شخصيا بالجلسة.
و تدعيما لهذا التأويل فقد جاء بالفقرة الثالثة من نفس الفصل أن حضور المحامي في حق منوبه لا يكون إلا في الصور المبينة بالفقرة الثانية من الفصل المذكور أي صورة المتهم بجنحة لا تستوجب العقاب بالسجن.
فلو اعتمدنا القراءة العكسية للفقرة الثانية من الفصل 141 من مجلة الإجراءات الجزائية فإنه لا يمكن للمحامي الحضور في حق منوبه المتهم بجناية أو جنحة موجبة للعقاب بالسجن و لا يمكنه بالتالي الترافع في صورة تخلف المتهم عن حضور الجلسة.
و قد استقر فقه القضاء التونسي على هذا المنحى في منع المحامي من الترافع في ظل غياب منوبه المتهم بجناية أو جنحة تستوجب العقاب بالسجن.
فقد اعتبرت محكمة التعقيب في قرارها عدد 5657 بتاريخ 24/10/1981 أنه:” إذا حضر المتهم بالجلسة و أجاب بالإنكار و تغيب عن الجلسة المواليةفلا يسوغ عندئذ لمحاميه المرافعة فيها سواء في الدعوى العامة أو في الدعوى الخاصة المؤسسة عنها”
و واصلت المحكمة في نفس القرار معتبرة أنه:” حيث أن الطاعن أحيل على المحكمة لمقاضاته على معنى الفصل 277 من القانون الجنائي و هذه التهمة تستوجب العقاب بالسجن و هو مطلوب بالحضور شخصيا أمام المحكمة وفق أحكام الفصل 141 من مجلة الإجراءات الجزائية، و بالرجوع إلى ملف القضية يتضح أنه حضر بجلسة 10 ماي 1980 و أجاب عن التهمة الموجهة إليه بالإنكار و تغيب عن الجلسة الموالية و بذلك لا يسوغ لمحاميه المرافعة فيها...”
بحيث أن تأويل المحكمة للفصل 141 من مجلة الإجراءات الجزائيّة يكرس عدم السماح للمحامي بالترافع في ظل غياب منوبه.
و قد لينت محكمة التعقيب من موقفها و سمحت للمحامي بتقديم تقرير في مرافعته دون الترافع مشافهة في صورة غياب المتهم إذ اعتبرت في قرارها عدد 9503 بتاريخ 20 جويلية 1983 أن:” عدم حضور المتهم بالجلسة مع محاميه لا يمنع هذا الأخير من تقديم تقرير كتابي في دفاعه يناقش فيه التهمة جزائيا و مدنيا و لا حق للمحكمة في رفض قبوله عليه بدون تعليق…” و أكدت المحكمة في هذا القرار على أنه:” و لئن أقر عمل المحاكم عدم السماح للمحامي الترافع في حق منوبه المتهم الذي لم يحضر بالجلسة لكن لا شيء يمنعه من تقديم مرافعته في شكل تقرير كتابي…”
و كان لمحكمة التعقيب نفس الموقف في قرارها عدد 31757 المؤرخ في 14 ديسمبر 1989 الذي جاء به:” و لئن لم يحضر المعقب بالجلسة رغم بلوغ الإستدعاء إليه شخصيا فقد أقر عمل المحاكم على عدم االسماح للمحامي الترافع في حق منوبه المتهم الذي لم يحضر بالجلسة لكن لا شيء يمنعه من تقديم مرافعته في شكل تقرير كتابي يناقش فيه التهم”.
بحيث يستشف مما استقر عليه فقه قضاء محكمة التعقيب أنه لا يمكن للمحامي بناء على الفصل 141 من مجلة الإجراءات الجزائية أن يترافع عن منوبه المتهم بجناية أو جنحة موجبة للعقاب بالسجن إذا تخلف هذا الأخير عن الحضور شخصيا بالجلسة.
و هذا التأويل الغاية منه هي إجبار المتهم على الحضور بالجلسة شخصيا و عدم التحصن بالفرار.
و بناء على ما سبق فإن مرافعة محامي الرئيس الأسبق تعتبر سابقة في فقه القضاء التونسي مخالفة لإرادة المشرع و لما استقر عليه فقه قضاء محكمة التعقيب بخصوص تأويل الفصل 141 من مجلة الإجراءات الجزائية.