قراءة في المجموعة القصصية “مسيح القمر الأزرق” لأشرف القرقني:
عندما يرضخ الكاتب إلى قدر “الماريونات”
| سعيت إلى التركيز… بل والتنقيب في كل نص من النصوص-وهي إن كانت جمعا فهي مفرد يتم تشويه سحنته حينا وحشوه أسماء كتاب ذاع صيتهم ورغم اقتراحهم أفكارا عديدة غير أن واحدة منها رسخت في ذهن أحدهم و”سوّقها”، فتلقفها البقية دون الاجتهاد لاكتشاف غيرها.
أعود إلى التنقيب الذي رصدت له غاية تتمثل في وجود فكرة واحدة يتم التعبير عنها بفرادة لأن من يتقدم في القراءة يفقد تدريجيا الأمل في مطالعة فكرة مستنبطة من المخيلة، فحتى البهلوانيات العجائبية التي أصرّ الكاتب على تأديتها في كل قصة تقريبا، وكأنها السبيل الوحيد ليحظى النص بالتفرد، أظهرت حاجته الكبيرة إلى الدربة كي يتعلم المشي على حبله الخاص بكل ثقة دون أن يفضح سر الحبال التي تحركه كـ”ماريونات” فعوض أن يتحكم فيها، استبدت به وأظهرت هلعا من مواجهة الإبداع متجردا مما حسبه دروعا أو “حروزا” ليكتفي القارئ بالتعليق: “يحرز المعري… يحرز صمويل بيكيت… يحرز فولكنر…”، فإذا هي أصباغ لم تزد عن الحد فحسب وإنما غيّبت الهوية ولم تبق سوى إبهاما -وهنا يؤخذ المعنى بدلالتيه- ليبصم على قصص تمضي دون ترك أثر، فهي لعبة وقتية يجرب فيها مهارته ولا ينسى أن يتباهى بمطالعاته، وإن لا يمكن الجزم بعمقها، فإيراد أسماء فائزين بنوبل أو غيرهم من المشاهير ونيتشه ومطرقته وأفلاطون وكهفه وأغوتا وأمسها وقصة “النوم في الغرفة البيضاء” التي نجد شبيهتها في مجموعة محمد فطومي “جل ما تحتاجه زهرة قمرية” مع نهاية متطابقة… ومحاولة تدوير فكرة اقترحوها ليس حجة على التفكر فيما قيل أو دليلا أن المنتوج المدور أكسبته المعدة الذهنية المتخمة حياة جديدة.
تحتاج هذه النصوص إلى المراجعة، بعد التمكن من عملية إعادة التدوير، وهي صنعة تكتسب بالدربة ومهما بلغ صاحبها من مرونة لن يتبوأ مرتبة المبدع. أما في طرحها الحالي، تحتاج نقاشا مطولا لتصحيح الأخطاء فالقمر مثلا ليس كوكبا -حتى بخدعة عجائبية ما بعد حداثية أو ما يشاء الكاتب من المفاهيم- فحتى الغريب لن يستقيم دون الحرص على تشكيل منطقه الخاص الذي مهما شذ يحافظ على معقوليته المرتبطة به، فالمجهود لا يبلغ مداه إذ يجني على الفكرة ويحط من قيمتها ويقدمها مبتورة أو يلقي دلوا في آبار غيره فينقطع الحبل السردي حينا بالدفع بالشخصيات إلى أسهل النهايات/البدايات وهي الموت أو يخرج الدلو ملآن ليفرط فيه ويسكبه على عجل.
نشر هذا المقال في مجلّة حروف حرّة، العدد 22، جانفي 2023
للاطلاع على كامل العدد: http://tiny.cc/hourouf22