المرأة بين المساواة والعدل
|كيف نفهـم تهافـت الأحزاب و بعـض المنظمات ذات التوجـه العلماني و النخب التـي تسيـر فـي ركبهـا علـى المبالغـة فـي الدفـاع عـن حقـوق المـرأة بـل طـرح “مراجعة” النص القرآني لتحقيـق مساواتها التامة مع الرجـل، و إن لـم تكـن هـذه الدعـوات وليـدة اليـوم بل طالمـا لاكها النظام السابق لتغطيـة إفلاسـه و لتسويـق وجهتـه، و سار من سار فـي ركبه إمـا تملـقـا أو نتيجـة انحـراف فكـري و تطـرف فـي اتجـاه اجتهد في دفع الشعب نحـو الانسيـاق وراءه. فمـا الـذي يبـرر هـذه المـزايـدات حـول هــذه القضيـة فـي الفترة الأخيرة ؟
لـن أخوض في تفاصيل تقسيم الميراث و التذكير بأن المرأة لا تأخذ نصف نصيب الرجل في كل الحالات فهـذه مسألة تناولها أصحاب الاختصاص بكثيـر من الإطنـاب، لكن يبدو أن هناك من يصر على التركيز على نقطة مخصوصة لشيء في نفسه، و لو كان همهم حقوق المرأة لكان توجههم إلى تكوين جمعيات للدفاع عنها. ففي عدة مناطق من بلادنا لا تأخذ المرأة من ميراثها لا نصف نصيب الرجـل و لا السدس و لا أقـل مـن ذلك و تضطـر للصمـت مراعــاة لمؤسسـة العائلـة. لكـن السـؤال المطروح هو هل أتى الإسلام بالمساواة أم بالعدل؟ و هل المساواة غاية أم وسيلة؟ فهل يتحقق العـدل عبر مساواتك بين إبنـك ذي العشريـن سنـة و ذي الخمـس سنـوات؟ يقـول إبـن خلـدون العـدل أسـاس العمـران. إذا اتفقنـا على أن الغايـة هي تحقيـق العـدل فـان الحديـث عـن المساواة ينتفي. و لا يبـرره إلا مزايدات تهدف إلى كسب مزيد مـن الأصوات فـي صناديق الاقتراع، و ركض وراء حداثة بلون غربي. فحتـى بعـض الأحزاب ذات التوجه الإسلامي المعتـدل نراها تنسـاق وراء هـذه المهـاتـرات إلى حـد أن أحـد وجـوه الدعوة الإسلامية صرح بأنه ليس هناك تعدد للزوجات في الإسلام!
نعم من الحكمة أن لا نناطح الصخر و نعلن نيتنا في بناء دولة إسلامية تطبق كل أحكام الشـرع و ننقلب على عرف اجتماعي و نقحم أنفسنا و بلدنا في مصادمات لم يتهيأ لها سواء علـى المستـوى العسكري أو الاقتصادي… لكن هذا لا يبرر هذه المزايدات. فالحكمة تقتضي تقديم طرح موضوعي و واقعي لا ينفي حكما شرعيا بل يراعي متطلبات الوضـع الراهـن محليـا و دوليـا… فالشـرع يبيـح تعدد الزوجات، و لا يساوي بين المرأة و الرجل و لا بين المرأة و المـرأة ( الأم، الزوجـة، الأخـت، الجدة…) في الميراث و في عـدة مجـالات.. فكيـف بإمكـان أصحـاب هـذه النظريـة إقناعنـا بالحكمـة مـن إقرار المساواة بين الرجل و المرأة في مجال مثل كرة القدم! و كيف يمكنهم أن يلزمونا تجاهــل وصية الله في تقسيم الميراث؟ و لو أخذنا بهذا الرأي جدلا و قررنا إعطاء الأخت مثل نصيـب أخيهـا فما هـو مصيـر نصـيب الأم و الجـدة و الزوجـة… فأي مقيـاس سنعتمـد فـي إعـادة تقسيـم المواريث؟ و في حالة تجاوز هذه النقـاط فـلابـد مـن مراجعـة عـدة مسائـل تبـقى مجـال اختـلاف بيـن الجنسيـن كتكليف المرأة بالحمل و الرضاعة…. فلابد من المساواة بين الرجال و النساء في أداء هذه المهام!! و لا تستغرب عندما تخرج أصوات تنادي بذلك!!
لماذا لـم نـر مـن يمـلك الشجاعـة و يصـدع بأن الإسلام لـم يسـاو بيـن المـرأة و الرجـل فـي كل الظروف، و أن الحكمة تقتضي التمييز بينهما في بعض المجالات تحقيقا للعدل وتطبيقا لتعاليم ديننا و مراعـاة لخصوصية كل منهما؟… فمتطلبـات المـرأة تختلـف عـن الرجـل وواجبـاتــه الاجتماعيــة واحتياجاته المادية تفوق المرأة و هذا ما يجعل مـن الحكمـة التفكيـر فـي حـل لعـدة مشاكــل، أولهــا البطالة، بعيدا عن نظرية المساواة التامة بين الرجال و النساء.
قد يكون هذا الرأي شاذا و قد يلاقي معارضة كبرى و لكنني أراه الأقـرب لحل مشاكل مجتمعنـا، و أكاد أبصر من يتبناه و لو بعد حين.