رحلة بين الماضي والحاضر: قبل ان نقول وداعا
|
بقلم: خولة القاسمي
إن كانت لديك الفرصة للعودة بالزمن فقط لتقول كلمة أخيرة لشخص ما، من سيكون ذلك الشخص؟
هذا السؤال الدي سينتابك عند قراءة الجزء الرابع من السلسلة اليابانية “قبل أن تبرد القهوة” .
تتحدث السلسلة عن مقهى قديم في زقاق صغير في طوكيو يسمح لرواده بالسفر عبر الزمن، يزوره الكثيرون بدافع الفضول ويغادرون بسبب القواعد المزعجة، ولكن هناك دائما قلائل يختارون خوض التجربة رغم كل تلك الشروط.
ولعل أهم قاعدة في هذا المقهى هي أن عودتك للماضي لن تغير الحاضر مهما حاولت، ورغم ذلك يختار البعض ألا يتراجعوا. قد تتساءل مافائدة العودة بالزمن إن لم تتمكن من تغيير أي شيء، ولكن يبدو أن الكاتب وشخصياته يملكون رأيا مختلفا.
في هذا الجزء، يستعرض الكاتب أربع شخصيات، كل منها يريد العودة إلى نقطة ما في الماضي من أجل استعادة لحظة أخيرة مع أحبائهم قبل الوداع النهائي.
من طبعنا البشري أن نتعود على تواجد الأشخاص والأشياء في حياتنا لدرجة نسيان قيمتها لدينا ولا نشعر بها مجددا إلا بعد خسارتها. ولعل ذلك من أسوأ الطبائع في الإنسان.
نحن ننسى، ننسى أن كل لحظة تمر لا تتكرر، وننسى أن كل لحظة نقضيها مع من نحب تجعل وقتنا معهم أقصر، وننسى أن الحياة لا ضمانات لها وأننا نستطيع أن نخسر في أي لحظة أقرب الأشخاص وأعز الأشياء لدينا، وبقدر نسياننا تنعدم قدرتنا على التجاوز لاحقا.
في هذا الكتاب، يبدو أن الشخصيات الأربع عالقة في الماضي، حيث يحركهم شعور طاغ بالندم يجعلهم يبحثون عن أي فرصة لتغيير اللحظة الأخيرة بغاية التحرر من هذا الشعور. ولذلك فالقصص في هذا الجزء لا تركز على تفادي الشعور بالألم والحزن بل تركز على أهمية قول ما يجب أن يقال مادمنا نملك الفرصة، وعلى أهمية معرفة وجهة النظر الأخرى بدل بناء الافتراضات والدوبان في ضجيج ما نراه ونشعر به فقط.
أعتقد أن الفكرة التي يحاول الكاتب إيصالها في هذا الكتاب أكثر من غيره هي أننا يمكن أن ننشغل بالتصور الذي بنيناه لحدث ما لدرجة فشلنا في أخذ تجربة الآخر بعين الاعتبار. إد يبدو أن الشخصيات الأربع كانت عالقة في دوامة لا داعي لها من الذنب فقط لأنها لم تعرف مشاعر الطرف الآخر.
وفي النهاية، هذه قصص خيالية، فنحن في الواقع لن نستطيع العودة بالزمن مهما حاولنا، ولا حتى للتحرر من ذنب نشعر به، لذلك علينا أن نسامح أنفسنا ونسامح من غادرونا وندرك أن هناك جانبا للقصة لم نعرفه، وعلينا أن لا ننسى تقدير أحبائنا في حياتنا وتقدير قيمة ما نملك مادمنا نملك الفرصة وأن نقول كل ما يجب أن يقال لأن الحاضر لن يتكرر.
نُشر هذا المقال بمجلّة حروف حرّة، العدد 37، شتاء 2025
لتحميل كامل العدد: http://tiny.cc/hourouf37