قراءة في رواية ”كليبتوقراط التونسي ينثر رماده“

بقلم: عبد الكريم مبارك

انتهيت من قراءة رواية ” كليبتوقراط التونسي ينثر رماده ” الممتعة للمبدع عثمان لطرش في جرعة واحدة دون انقطاع.

عثمان الأطرش هو أستاذ في اللغة العربية وآدابها وهو روائي تونسي أصيل مدينة مطماطة صدرت له : ” مطماطة “، ” دمع أسود “، “قروح الحب”، ” كليبتوقراط التونسي ينثر رماده ” ثم ” الجنرال “.

 صدرت هذه الرواية سنة 2021 عن دار عليسة للنشر للنشر في 160 صفحة .

تصدير الرواية كان لمقولتين مختارتين بعناية رسمتا حدود الرواية الأولى لكارل ماركس : “التاريخ يعيد نفسه مرتين في المرة الاولى كمأساة وفي المرة الثانية كمهزلة ” والثانية لخالد حسيني” هناك إثم واحد فقط هو السرقة وكل اثم آخر هو نوع من السرقة”.

مناخ الرواية هو محنة الفساد التي ابتليت بها هذه البلاد؛ فساد انقلب إلى جينات يتوارثها التونسي في سلوكه.

انطلقت الرواية بلقاء بين البطل وهو روائي مع صديق الطفولة والشباب الذي عاد من فرنسا محملا بشهادات علمية عالية في اختصاص دقيق وبثراء فاحش. عاد كما عاد الكثيرون بعد الثورة في لبوس ” التكنوقراط ” المهوسين فجأة بحب الوطن.

الجزء الاول حافل بتفاصيل قابس المدينة، بحرها، أحيائها، مقاهيها، يهود باب بحر وعلاقات الناس وتمازجهم مع بعضهم البعض بعفوية قبل أكثر من خمسة عقود.

الجزء الكبير والمهم من الرواية كان استحضارا مبهرا وممتعا لمناخات أواسط القرن التاسع عشر وصراع حركات الإصلاح مع حالة الفساد التي طبعت البلاد برمتها من ملوكها الى رعيتها، مع التركيز بالأساس على الشخصية الي مثلت أقصى تجليات الفساد : مصطفى بن اسماعيل.

أتقن عثمان لطرش لعبة توظيف فترة مفصلية من تاريخ البلاد، ومن المؤكد أنّه قام بمجهود بحثي كيلا تصبح الرواية ضربا من التأريخ الممل.

اختار الكاتب الاهتمام بحواشي التاريخ والتفاصيل التي تبدو غير مهمة وأبدع في شدنا الى الشخصيات والأحداث التي هيأت لاحتلال البلاد ومع تقدم الأحداث نعود لنكتشف ان تاريخنا فعلا يعيد نفسه في كل مرّة وبنفس التفاصيل.

إن الجهد الذي بذله عثمان لطرش تجاوز التاريخي إلى اللغوي وخاصة من خلال اختيار معجم المصطلحات والألفاظ والحوار بين الشخصيات والذي عاد بنا الى أجواء تلك الفترة وهو مجهود طريف ومبحث قلّ استعماله على ما اعتقد.

ولعلّ أطرف ما في الرواية هو فسح المجال لمصطفى بن اسماعيل للدفاع عن نفسه في علاقة بالتهم المنسوبة إليه. سياسيا، أبدع مصطفى بن اسماعيل في مرافعته بجر القارئ الى خلخلة بعض القناعات والأحكام المسبقة حول الاصلاح وزعمائه، وقداكتشفنا مع فتح دفاتر الأرشيف أن الإصلاح ورواده لم يكونوا بدورهم على تلك الدرجة المنحوتة في المخيال العام، إذ أن لهم نتفا من الفساد.

بعد أجواء القرن التاسع عشر التي أسست وربما “مأسست” للفساد في تونس بداية من الراعي نهاية الى الرعية، يعود الكاتب الى واقع اليوم وكيف انخرط صديقه التكنوقراط الوزير الجديد في إحدى الحكومات المتعاقبة وفي منظومة الفساد بعد الثورة، والأدهى والأمر كيف حاولت هذه المنظومة غواية البطل المثقف وضمير البلاد وجذبه إليها من خلال اللعب على عنصر الحاجة وكيف استطاعت تأديبه ليس لأنه رفض الانخراط، بل لأنه اطلع على التفاصيل التي تدار بها اللعبة. أمّا النهاية التي اختارها عثمان لطرش، فهي تترك بدورها الأبواب مشرعة على مغامرة إبداعية جديدة.

نُشر هذا المقال بمجلّة حروف حرّة، العدد 37، شتاء 2025

لتحميل كامل العدد: http://tiny.cc/hourouf37

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights