طرق الفلسفة اليونانيّة لعلم الكلام الإسلاميّ
|بقلم: محمد الغريسي
يشهد العالم في عصرنا الحديث تزايدا ملحوظا في التّواصل والتّفاعل بين الحضارات المختلفة وتعيش مجتمعاتنا في بيئة متعدّدة الثّقافات، وأمام الصّدام الحضاريّ الحاصل تتعالى الأصوات التي تتّهم الثّقافات هنا وهناك؛ وفي هذا السّياق يتنزّل الصّراع الحضاريّ الإسلاميّ وغير الإسلاميّ ومن بين المواضيع التي شغلت الباحثين والدّارسين موضوع طرق الفلسفة اليونانيّة لعلم الكلام الإسلاميّ، وفي هذه الورقة سنعمل على توضيح حدود هذه المقالة.
يروج أن المسلمين لم يعرفوا الفلسفة اليونانيّة إلاّ حين بدأت التّرجمة في العصر العباسي مع المنصور ثم المأمون وحين استحضرت كتب الفلسفة اليونانيّة من خارج الرّقعة الإسلاميّة وكان الغرض من ذلك هو الإلمام بالتراث العلمي للأمم القديمة، وبذلك يتبيّن قدرة اللغة العربيّة على استيعاب تلك العلوم، وحركة الترجمة منذ خلافة أبي جعفر وحتى وفاة هارون الرشيد(136ه/193) كانت تقتصر على ترجمة الكتب التي تعنى بالطبيعيات والمنطق والهندسة ولكن منذ عصر المأمون وقعت ترجمة إلهيات اليونان وعقائد الفرس والأفكار الهنديّة.
وكانت حركة الترجمة قد لعبت دور الوسيط بين حضارات الماضي والمستقبل، وأثرت في تشكيل الحضارة العالمية بشكل عام فكانت من أهم العوامل التي ساهمت في ازدهار الحضارة العربية والإسلامية خلال العصر الذهبي من القرن الثامن إلى القرن الثالث عشر الميلادي تقريبًا حيث لعبت هذه الحركة دورًا جوهريًا في نقل العلوم والمعارف من مختلف الثقافات والحضارات إلى العالم العربي والإسلامي، ممّا أدى إلى تطور الفكر العلمي والفلسفي والأدبي.
يمكن أن نسمي ما تقدّم أسبابا مباشرة لوصول الفكر اليوناني وغيره للمسلمين، لكن هناك أسباب أخرى غير مباشرة من المرجّح أن يكون لها أثرها البالغ في دخول الفلسفة اليونانيّة والتحامها مع الفكر الإسلاميّ، وأوّل هذه الأسباب هي المناقشات الشفويّة بين المسلمين الفاتحين والبلدان المفتوحة حيث يجدر بنا التّذكير بوجود مدارس علميّة وفلسفيّة في أنطاكيّة[1] والأسكندرية[2] وغيرها لم يمسّها المسلمون.
ونلاحظ في كتابات المتكلمين الأوائل من أمثال أبي الهذيل العلاف (ت135هـ/753م) وهشام بن الحكم (ت190هـ/805م) وغيرهما معرفة واسعة بالفلسفة اليونانيّة وتناولا لمصطلحات فلسفيّة ممّا يدلّ على أنّ حركة الاتّصال قد تمّت من قبل، بل إنّنا نرى لهشام بن الحكم، هذا المتكلّم الشيعي الأوّل في زمن مبكّر كتابا في نقد أرسطاليس، كما أنّنا نرى لأبي الهذيل العلاف نقدا متعدّدا في ثنايا فلسفته لأرسطو، وهذا دليل قاطع على أنّ الفلسفة اليونانيّة قد عرفت معرفة طيّبة قبل حركة الترجمة الرسميّة التي بحثها المؤرّخون من مختلف نواحيها [3].
ولئن أثبت المؤرّخون المسلمون القدامى للفرق والمقالات تأثّر علم الكلام بالفلسفة لتحذير النّاس منها، فإنّ المستشرقين أرادوا بذلك أن يحطّوا من قدر العقل العربيّ الإسلاميّ وأن يظهروا عجزه عن التّفكير والإبداع وإنتاج فلسفة خاصّة به. والفلسفة الإسلاميّة إن وجدت عندهم ليست إلاّ تكرارا للفلسفة اليونانيّة واجترار لمواضيعها وفي أقصى حالاتها حلقة وصل ضروريّة بين فلسفة اليونان وفلسفة الغرب.
والحديث عن علاقة علم الكلام بالفلسفة ليس جديدا، فقد ذهب مؤرّخو الفرق والمقالات من المسلمين منذ الزّمن الأوّل إلى إرجاع بعض المواضيع والأفكار التي خاض فيها العلماء والمفكّرون المسلمون إلى أصول فلسفيّة يونانيّة وعندما نتصفّح كتبهم نجد أحيانا مجرّد إشارات إلى هذه العلاقة ونجد أحيانا أخرى تصريحات واضحة مثل “وهذه مقالة الفلاسفة” أو “وهذا ما قاله الفلاسفة” أو “وقد وافق فلان الفلاسفة في ذلك”، وهكذا…
وهذا المنهج سار عليه الشهرستاني الذي ألزم نفسه في الملل والنّحل بالمقارنة بين الفكرين الإسلاميّ والأجنبيّ وخاصّة منه اليوناني، وهو غالبا ما يربط الفكرة بمصدرها الفلسفيّ دون أن يعيّن هذا المصدر أو يسمّي صاحبه ويكتفي بالقول “إنه من الإلهيين أو الطبيعيين”، أمّا الأشعريّ في كتابه مقالات الإسلاميّين فإنّه لا يفعل ذلك ولكنّه كلّما وجد شبها بين مقالة إسلاميّة ومقالة فلسفيّة أشار مباشرة بعد إيراد المقالة الإسلاميّة إلى القول الفلسفيّ الشّبيه بها بقوله: “وذهب بعض المتفلسفة إلى كذا” أو “حكى عن أرسطاطليس كذا” أو”قال أصحاب الطبائع كذا” أو “وهذا قول أصحاب أرسطوطاليس” وغير ذلك… ويبدو الأشعري أكثر حيادا من الشّهرستاني الذي كان أكثر جرأة في ربط الأفكار بالفلسفة اليونانيّة.
وقد أشار ابن خلدون إلى العلاقة القائمة بين فكر المسلمين وفكر أهل اليونان مع أنّ منهج ابن خلدون كان تاريخيّا أكثر منه نقديّا فيقول بعد أن تحدّث عن الكلدان والسّريان والفرس والرّوم وأهل اليونان في استعراضه لتاريخ العلوم الفلسفيّة: “ثم جاء الله بالإسلام وكان لأهله الظّهور الذي لا كفاء له وابتزّوا الرّوم ملكهم فيما ابتزّوه، وابتدأ أمرهم بالسّذاجة والغفلة عن الصّناعة حتى إذا تبحبح من السّلطان والدّولة أخذ الحضارة بالحظّ الذي لم يكن لغيرهم من الأمم وتفنّنوا في الصّنائع والعلوم وتشوّقوا إلى الاطّلاع على هذه العلوم الحكميّة بما سمعوا من الأساقفة والأقسّة المعاهدين بعض ذكر منها وبما تسموا إليه أفكار الإنسان فيها، فبعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الرّوم أن يبعث إليه بكتب التّعاليم مترجمة، فبعث إليه بكتاب إقليدس وبعض كتب الطبيعيّات فقرأها المسلمون واطّلعوا على ما فيها وازدادوا حرصا على الظّفر بما بقي منها.
وجاء المأمون بعد ذلك وكانت له في العلم رغبة بمكان فانبعث لهذه العلوم حرصا وأوفد الرّسل على ملوك الرّوم في استخراج علوم اليونانيّين وانتساخها بالخطّ العربيّ وبعث المترجمين لذلك فأوعى منه واستوعب وعكف عليها النظّار من أهل الإسلام وحذقوا في فنونها وانتهت إلى الغاية أنظارهم فيها وخالفوا كثيرا من آراء المعلم الأوّل واختصوه بالردّ والقبول لوقوف الشهرة عنده ودونوا في ذلك الدواوين وأربوا على من تقدمهم في هذه العلوم” [4].
هكذا يقرّ ابن خلدون أخذ المسلمين عن أهل اليونان ويرى أنّهم لم يكتفوا بالأخذ وإنّما خالفوا أرسطو وردّوا عليه وبلغوا الشّهرة في هذا الفنّ وتفوّقوا على من سبقهم. وابن خلدون لا يرى اختصاص ملّة من الملل بهذه العلوم مثل رينان الذي يقول: “إذا ما دار الأمر حول اختيار حجّة فلسفيّة لنا في الماضي كان لليونانيّة وحدها حقّ إلقاء دروس علينا”[5]. وفي المقابل يقول ابن خلدون: “وأمّا العلوم العقليّة التي هي طبيعيّة للإنسان من حيث أنّه ذو فكر فهي غير مختصّة بملّة، بل يوجّه النّظر فيها إلى أهل الملل كلّهم ويستوون في مداركها ومباحثها وهي موجودة في النّوع الإنسانيّ منذ كان عمران الخليقة وتسمّى العلوم علوم الفلسفة والحكمة”.[6]
فالفلسفة تبعا لذلك نشاط موقوف على الإنسان لما له من ملكة عقليّة، ولمّا كان العقل قاسما مشتركا بين جميع النّاس وجميع الأمم فإنّ كلّ النّاس قادرون على التفلسف والخوض في العلوم العقليّة ولا فضل في ذلك لأمّة على أمّة إلاّ في السّبق الزّمني أو إنجاب بعض العباقرة الذين يمكن أن تنجب الأمم الأخرى مثلهم في ميادين أخرى كالأدب والفنّ وغيره. وإذا تهيأ لامّة اليونان أن تبدع في الفلسفة فقد سبقها في ذلك كلّ من الكلدان والمصريين والفرس وغيرهم بل يقال أنّ هذه العلوم قد وصلت إلى أهل اليونان عن طريق الفرس حين قتل الإسكندر وغلب على مملكة الكينية فاستولى على كتبهم وعلومهم ممّا لا يأخذه الحصر.
وقد وجد المسلمون في فلسفة اليونان أداة ناجعة للدّفاع عن دينهم وردّ هجمات الملحدين والزّنادقة وغيرهم، لكنّ ابن خلدون يفسّر إقبالهم على الفلسفة بدافع الشّوق إلى الاطّلاع وهو تفسير غير كاف لأنّ المعتزلة وهم أوّل من أقبل على الفلسفة وتمثّلوها في أذهانهم أحسن تمثّل أقبلوا عليها بدافع الحاجة؛ فقد اصطدموا بمخالفين لهم في الدّين رتّبوا عقائدهم الدينيّة على أصول فلسفيّة وأتقنوا فنّ الجدل والمناظرة فأقبلوا على درس الفلسفة حتى يتسنّى لهم محاربة الخصوم بنفس سلاحهم ويخاطبوهم باللّغة التي اعتادوا أن يفهموها والأساليب التي درجوا عليها وألفوها إلاّ أنّهم أحبّوا الفلسفة بعد ذلك لذاتها وكادت بحوثهم تقتصر على المباحث الفلسفيّة كالحركة والسّكون والجوهر والعرض وغيرها.
أمّا علم الكلام فقد نشأ مع المعتزلة ونَمَا معهم وقد نبّه مؤرّخو العقائد الإسلاميّة أكثر من مرّة إلى اتّصاله بالفلسفة اليونانيّة وإلى موافقات المتكلّمين للفلاسفة وهناك من الباحثين والمستشرقين من ذهب إلى أنّ مذاهب المتكلّمين هي الفلسفة العربيّة الحقيقيّة ونقرأ في دائرة المعارف الإسلاميّة أنّ مذاهب المتكلّمين ومنهم المعتزلة هي الفلسفة العربيّة ولا فلسفة سواها فالمعتزلة ليس لهم فضل فقط على علم الكلام إذ ابتكروه ولكن لولاهم ما كانت الفلسفة الإسلاميّة قد وجدت ولا العلوم الإسلامية قد ازدهرت فيما بعد.
وأيّا ما يكون من أمر فقد عرف المسلمون الفلسفة اليونانيّة في مراحل مختلفة وتبيّنوا وجود فلسفة قديمة وفلاسفة قدامى ألقوا عليهم اسم الطبيعيين أو الدّهريين، وكانت مسألة وجود هذا العالم من حيث هو قديم أو حادث من أهمّ المسائل التي عرض لها مفكّرو الإسلام، حيث اعتبروا أنّ إثبات حدوث هذا العالم يعدّ مدخلا ضروريّا لإثبات وجود الله تعالى ووحدانيته وما يتصل بذاته وصفاته. ولمّا كان الإيمان بوجود الله ووحدانيته يمثّل جوهر العقيدة كان لزاما على مفّكري الإسلام أن يثبتوا دعائم دينهم ويدعموا عقائده بفكر يمكّنهم من الردّ على مخالفيهم ممّن يعتقدون بوجود آلهة متعدّدة كآلهة الحبّ والجمال والحكمة والحرب والتي لا تتورّع عن الشرّ والحسد والغيرة أو ممّن لا يعتقد بوجود آلهة بالكليّة.
ومن هنا كان الجهاد بالكلمة لازما في مواجهة مقرّرات الفلسفة اليونانيّة خاصّة مذهب أرسطو القائل بقدم العالم والذي شاع في الأوساط الإسلاميّة حتى اعتنقه بعض فلاسفة الإسلام وعلى رأسهم الفارابي(ت350هـ/961م) وابن سينا(ت428هـ/1037م)، وأنّ هؤلاء قد ذهبوا إلى أنّ “العالم موجود عن الباري تعالى أو –واجب الوجود بذاته-على سبيل الوجوب واللّزوم لا بمعنى أنّه لم يكن ثمّ كان، بل بمعنى وجب وجوده بوجود ذات الباري، فلم تتقدّمه ذات الباري بالزّمان وإنّما تقدّمت عليه بالذّات تقدّم العلّة على المعلول”.[7]
وردّ بعض المتكلمين هذا الأصل على أساس أنّ ” العالم متغيّر متكثّر وكلّ متغيّر متكثّر فهو ممكن بذاته، فالعالم إذن ممكن الوجود باعتبار ذاته. وكلّ ممكن الوجود باعتبار ذاته فوجوده بإيجاد غيره، فالعالم إذن موجود بإيجاد غيره الذي هو واجب الوجود بذاته ومن ثمّ فقد وجد بإيجاد الباري بعد أن لم يكن موجودا، وكونه وجد على هذا النّحو يبطل القول بأنّه وجد وجوبا على وجود الواجب بذاته”.[8]
كما نورد من آثار الفكر اليوناني في مفكري الإسلام أنّه قد وجد بين فلاسفة الإسلام أبو بكر بن زكرياء الرازي (ت313هـ/925م) الذي رغم كونه منتسبا للإسلام وأهله وفلاسفته فقد فارق هؤلاء وخالفهم في نواحي كثيرة من بينها تطرّفه في التعلّق بالآراء المزدكيّة. قال صاعد الأندلسي (ت462هـ/1070م): “و قد صنّف جماعة من المتأخرين كتبا على مذهب فيثاغورس وأشياعه وانتصروا للفلسفة الطبيعيّة القديمة. وممّن صنّف في ذلك أبو بكر محمّد بن زكرياء الرازي، وكان شديد الانحراف عن أرسطو طاليس وغيره من متقدّمي الفلاسفة في كثير من آرائهم. وكان يزعم أنّه أفسد الفلسفة… وكتابه في الطبّ الروحاني وغير ذلك من تبه الدّالة على استحسانه لمذهب لمذهب الثنويّة في الإشراك ولآراء البراهمة في إبطال النبوّة ولاعتقاد عوام الصابئة في التناسخ”.[9] وممّا يلفت النّظر أن هذه الأفكار تتطابق مع أفكار البراهمة في إنكارهم للنبوّات والقول بانعدام الحاجة إلى الشرائع التي يأتون بها لاحتوائها على ما تستقبحه العقول وتوجب رفضها وإنكارها كإباحتها ذبح الحيوان وقتله بغير ذنب ارتكبه.
لقد بدا واضحا إعجاب بعض فلاسفة الإسلام بالفكر الإغريقيّ والفكر الشرقيّ حيث تأثّروا بموضوعاته وكان ذلك جليّا في دخول الكثير من المصطلحات إلى المعجم اللّغوي العربيّ ومن أمثلتها: الواجب والممكن والجوهر والعرض… ولكنّ ذلك الإعجاب لا يعني التّسليم بل بدّلوا فيه وعارضوه مثلما عارض ابن سينا رأي أفلاطون في النّفس. ومن جانب آخر فإنّ المسلمين قد خالفوا الفلسفة اليونانيّة في أمور كثيرة؛ ففرّق الفارابي بين النبيّ والفيلسوف وحين رسم مدينته الفاضلة جعل من الإسلام منطلقا لها.
لم يقف الفكر الإسلامي عند طور الاستمداد من الفكر اليونانيّ، بل بلغ دور الاستيعاب والابتكار، خصوصا وأنّ المفكرين الأوائل، لا سيما متكلمي المعتزلة، قد تنبهوا إلى ما في هذا الموروث اليوناني الهجين والمرّكب من عناصر فلسفيّة لا تتلاءم مع أصول ومقرّرات الدّين الإسلامي، فبذلوا جهودا لا تخفى على باحث في إماطة اللّثام عن وجوه الخلاف ثمّ الردّ عليها.
هذا دون أن ننسى الجهود التوفيقيّة لفلاسفة العرب من أمثال الكندي (ت260هـ/873م) والفارابي، وابن سينا الذين حاولوا الجمع بين ما ذهبت إليه كبرى المذاهب الفلسفيّة اليونانيّة وبين مقرّرات الوحي والنبوّة كونهم كانوا مدفوعين من منطلق إحساسهم بالرّابطة الوثيقة بين الفلسفة والدّين في محاولة منهم لكشف حقائق الوجود وفهم الحقائق الكونيّة بقدر ما تسمح به الطّاقة البشريّة والكشف عن الحقيقة الإلهيّة ثمّ الاتّصال به وتحقيق معرفته ومعرفة أفعاله ومخلوقاته ومعرفة الإنسان لذاته وتقوية عقيدته وإزالة لما يحوم حولها من شبهات وإحلال الإيمان والأمن والطّمأنينة وإيقاظ الوعي الإنسانيّ في النّفوس وتحقيق الإخاء الإنسانيّ والتّمهيد لنهضة كونيّة تستمدّ عالميتها من عالميّة الدّين وحريّة الفكر.
الخاتمة
نخلص إلى أنّه لا يمكن أن ننفي بصفة قطعيّة تأثّر المتكلّمين بالفلسفة اليونانيّة لأنّ الوقائع تكذّب هذا النّفي ولكن لا يمكننا أيضا أن نلحق علم الكلام الإسلاميّ بالفلسفة اليونانيّة لأنّ هذا العلم نشأ تدريجيّا من رحم الواقع الإسلاميّ الذي ولّد اختلافا بين المسلمين ظهرت بسببه الفرق الكلاميّة والمذاهب وتعامل المسلمون مع النصّ والواقع بأشكال أثارت الجدل وأنشأت علما يدافع عن العقائد بالحجّة العقليّة فكان المتكلّمون يدافعون عن هذه العقائد بكلّ ما وصل إليهم من فلسفة ومنطق وبما أوتوا من علم وبيان وبما لديهم من حديث وقرآن ولذلك نجد مزجا عند المتكلمين بين الفلسفة والكلام.
الهوامش
1) أسسها الاسقف يوسطاثيوس على منوال مدرسة الإسكندرية الكبرى، فاستقطبت النّاس وعظم شأنها بعد أن نقلت مدرسة الإسكندرية ومكتبتها إليها… ولم تزل أنطاكيّة قصبة العواصم من الثغور الشاميّة وهي من أعيان البلاد وأمهاتها.
الحموي، ياقوت، معجم البلدان، دار صادر، بيروت، 1977، 1/266.
2) مدرسة أسّسها الاسكندر الأكبر سنة 323ق.م وقد كان محبّا للفلسفة وتلميذا لأرسطو.
دي لاسي أوليري، علوم اليونان وسبل انتقالها إلى العرب، ترجمة وهيب كامل، مكتبة النهضة، القاهرة، 1962، ص25.
3) النشّار، علي سامي، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، دار المعارف، د.ت، 1/108.
4) ابن خلدون، المقدّمة، دار القلم، بيروت، ط4، 1981، ص ص480-481.
5) رينان، ابن رشد والرشدية، ترجمة عادل زعيتر، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1957، ص15.
6) ابن خلدون، المقدّمة، ص478.
7) ابن سينا: الشفاء، ،تح:الأب قنواتي وسعيد زايد، مرا: ابراهيم مدور، مكتبة آية الله العظمى للمرعشي النجفي، قم- إيران، ط/2، 2016، ج: الإلهيات، مقالة 4، فصل 1، 1/165-167.
8) الشهرستاني، نهاية الإقدام في علم الكلام، تح: ألفرد جيوم، مطبعة المثنى، بغداد، د.ت، ص15.
9) الأندلسي، صاعد، طبقات الأمم، المكتبة الكاثوليكيّة للآباء اليسوعيين، بيروت- لبنان،د.ط، 1912، ص33.
نُشر هذا المقال بمجلّة حروف حرّة، العدد 37، شتاء 2025
لتحميل كامل العدد: http://tiny.cc/hourouf37