النشاط الإرهابي للعصابات الصهيونية في فلسطين قبل 1948 (الجزء الأول)

بقلم: فهمي رمضاني

مثًل نجاح الحركة الصهيونية في ماي 1948 في تأسيس كيان سياسي لليهود على الأراضي الفلسطينية تتويجا لمشروع استيطاني إحلالي، امتلك مفاتيح اللعبة منذ البداية، فإضافة إلى الدعم العالمي الذي حظي به الصهاينة وما رافق ذلك من تمويل ضخم، فإن المشروع الصهيوني قد ارتكز على تخطيط استراتيجي وممنهج عمل على سرقة الأرض أولا ثم إبادة السكان الأصليين ثانيا في إطار عمليات التطهير العرقي والمذابح والاغتيالات.

وبذلك فإن الإرهاب أمر كامن في المشروع الصهيوني، إذ لا يمكن تخيل إمكانية قيام الكيان الصهيوني من دونه، فقد أُعتبر الآلية المثلى التي تم من خلالها تفريغ جزء من فلسطين من سكانها، كما اعترف دعاة الصهيونية في أكثر من موقف بأن هدفهم السياسي لا يمكن تحقيقه إلا باستخدام العنف ضد السكان. وقد تميز الإرهاب الصهيوني قبل 1948 بكونه إرهاب غير مؤسسي أي أنه لا تشرف عليه المؤسسات الرسمية الصهيونية لكن يمكن القول بأن الإرهاب الصهيوني المؤسسي وغير المؤسسي مرتبطان تمام الارتباط، إذ ستندمج أغلب المنظمات الإرهابية الصهيونية في جيش الدولة بعد تأسيسها.

وسنركز في هذا المقال على النشاط الإرهابي للمنظمات الصهيونية قبل 1948 والمتمثلة أساسا في الهاغانا وشتيرن (أو ليحي) والإرغون ودورها في التأسيس للكيان الصهيوني ومسؤوليتها عن عمليات التطهير العرقي في القرى والمدن الفلسطينية.

الجذور

يرتبط الإرهاب الصهيوني بالدعم الإمبريالي الغربي الذي حظيت به الحركة الصهيونية وذلك تزامنا مع دخول فلسطين تحت مظلة الانتداب البريطاني، إذ شجعت حكومة الانتداب على الهجرة إلى فلسطين وقامت بحماية المستوطنين وتأمين موطن قدم لهم، كما سمحت بتأسيس البنية التحتية العسكرية المكونة من المستوطنات التعاونية المعروفة بالكيبوتس التي يمكن اعتبارها أولى نواة المستوطنات الصهيونية المسلحة.  ساعدت كذلك حكومة الانتداب على تكوين المنظمات الصهيونية المسلحة ودعمتها عسكريا ولوجستيا للسيطرة على الأراضي الفلسطينية وتكوين المستوطنات. وقد انخرط الشباب الذي تشبع بالأفكار الصهيونية في المنظمات الصهيونية المسلحة التي تأسست منذ عشرينات القرن العشرين أي بعد سنوات قليلة من دخول فلسطين تحت الانتداب البريطاني. فتأسست “الهاغانا” ممثلة الذراع العسكري للوكالة اليهودية منذ 1920 وقد احتوت داخل تنظيمها فرقا مختلفة كان لكل منها وظيفة. وسينشق عن الهاغانا فيما بعد تنظيم عسكري أكثر تطرفا ودموية وهو الإرغون أو إتسل التي ستعرف بدورها انشقاقات عديدة ستفضي إلى تأسيس عصابة شتيرن الدموية نسبة إلى مؤسسها أفراهام شتيرن. وتعتبر هذه المنظمات الإرهابية العسكرية العمود الفقري للإرهاب الصهيوني إلى حدود 1948 حتى أنه يندر أن نجد عملا إرهابيا في فلسطين منسوبا إلى جماعات غيرها. وقد تم بناء الجيش الإسرائيلي استناد إلى هذه المنظمات الثلاث.

 

الهاغانا

تعني الهاغانا، وهي كلمة عبرية، الدفاع. وهي منظمة عسكرية صهيونية استيطانية أسست في القدس سنة 1920 وجاء تشكيلها ثمرة نقاشات طويلة بين قيادات التجمع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين وقد كان اليهودي الأوكراني فلاديمير زئيف جابوتنسكي صاحب فكرة تأسيس مجموعات عسكرية يهودية علنية تتعاون مع سلطات الانتداب، بينما كان قادة اتحاد العمل والماباي يفضلون خلق قوة مسلحة غير رسمية مستقلة تماما عن السلطات البريطانية وسرية بطبيعة الحال. وقد قبل جابوتنسكي في النهاية اقتراح إلياهو غولمب -وهو من أهم زعماء الماباي ولعب دورا بارزا في تأسيس البالماخ – بإنشاء منظمة عسكرية سرية تحت اسم “هاغانا وعفودا” أي الدفاع والعمل ثم حذفت فيما بعد كلمة عمل. اعتبر مؤسسو الهاغانا أنفسهم امتداد لعصابة “هشومير” وهي منظمة تأسست سنة 1909 على يد مجموعة من المهاجرين الذين أخذوا على عاتقهم حراسة المستوطنات والعمل المسلح. وارتبطت الهاغانا منذ ولادتها بمنظمة العمال العامة “الهستدروت” والحركة الاستيطانية الصهيونية في فلسطين، ولسنوات طويلة بقيت المنظمة خاضعة لتعليمات وتوجيهات المنظمة الصهيونية والييشوف اليهودي في فلسطين وهو ما يكشف عن ارتباط الإرهاب غير الرسمي بالإرهاب المؤسسي الصهيوني. وفي سنة 1929، شاركت الهاغانا في قمع انتفاضة الفلسطينيين وقامت بالهجوم على المساكن والممتلكات العربية ونظمت المسيرات لاستفزاز المواطنين العرب وإرهابهم كما ساهمت في عمليات الاستيطان من خلال أسلوب “السور والبرج” لبناء المستوطنات الصهيونية في يوم واحد والتعهد بحمايتها وحراستها.

 ونظم أعضاء الهاغانا عمليات التدريب على استخدام الأسلحة في الكيبوتسات والمستوطنات اليهودية البعيدة عن أعين البريطانيين وتمت تدريبات أخرى في أطر رسمية تحت إشراف السلطات البريطانية من خلال دخول عناصر من الهاغانا في الشرطة البريطانية في فلسطين، وهكذا كسب أعضاء هذه المنظمة تدريبا عسكريا مجانيا ساعدهم في عملياتهم الإرهابية فيما بعد سواء ضد الفلسطينيين أو ضد البريطانيين. اعتمدت منظمة الهاغانا بالأساس على الوكالة اليهودية التي اتخذت على عاتقها مسؤولية التنظيم وتجنيد مقاتلين من كل أنحاء فلسطين. عقدت هذه المنظمة عدة صفقات لشراء الأسلحة من خارج فلسطين ونظمت عمليات تدريبية على مختلف أنواع الأسلحة كما أنتجت قسم آخر من الأسلحة في مصانع وورشات صغيرة أعدت للغرض في الكيبوتسات.

تعرضت الهاغانا لعدة انشقاقات أبرزها سنة 1931 عندما انشق جناح بقيادة أبراهام تيهومي وكون تنظيما مستقلا سمي “هاغانا ب” وهو الذي اندمج مع منظمة “بيتار” في العام نفسه لتشكيل منظمة إتسل أو الإرغون. وقد شهدت سنوات الانتفاضة العربية في فلسطين (1936-1939) تعاونا كبيرا بين الهاغانا والانتداب البريطاني، حيث تعاونت القوات البريطانية مع أعضاء الهاغانا لتشكيل شرطة لحراسة المستوطنات اليهودية كما ساعدت بريطانيا كذلك في إنشاء وتدريب القوة الضاربة للهاغانا المسماة البالماخ وهي اختصار للعبارة العبرية “بلوجوت ماحاتس” أي “سرايا الصاعقة” شُكًلت سنة 1941 لتعمل كوحدات متقدمة وقادرة على القيام بالمهام الخاصة أثناء الحرب العالمية الثانية ويعد يتسحاق ساريه مؤسسها الفعلي وأول من تولى قيادتها.  مرت العلاقة فيما بعد بفترة توتر قصيرة في أعقاب صدور الكتاب الأبيض سنة 1939 حيث واجهته الهاغانا بتشجيع هجرة اليهود غير الشرعية لفلسطين، إلا أن نشوب الحرب العالمية الثانية أدى إلى استعادة علاقات التحالف القديمة. وحينما وضعت الحرب أوزارها، تفجر الصراع من جديد وأعلنت المنظمات الصهيونية حرب تحرير الأرض المقدسة من يد البريطانيين في إطار ما عرف بحركة المقاومة العبرية.

وبلغ عدد الأعضاء المنتسبين رسميا إلى عصابة الهاغانا حوالي ستين ألفا من الرجال والنساء وامتلكت العصابة أجهزة استخبارية قوية مكنتها من جمع معلومات كثيرة عن العرب وقراهم مواقع تواجدهم واستفادت من كل المعلومات التي جمعتها في تنفيذ العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين في عامي 1947 و1948 كما سنبين لاحقا. وقبيل إعلان دولة إسرائيل اكتمل البناء التنظيمي للهاغانا الأمر الذي سهل عملية تحويلها إلى جيش موحد ومحترف للدولة الصهيونية حيث أصدر بن غوريون في 31 ماي 1948 قرارا بحل الإطار التنظيمي القديم للهاغانا وتحويلها إلى جيش الدفاع الإسرائيلي.

الإرغون

منظمة إتسل أو الإرغون هي اختصار للعبارة العبرية “إرغون تسفاي ليومي بإرتس إسرائيل” أي “المنظمة العسكرية القومية في أرض إسرائيل” وهي منظمة عسكرية صهيونية تأسست في فلسطين سنة 1931 من اتحاد أعضاء الهاغانا الذين انشقوا عن المنظمة الأم وكان من أبرز مؤسسيها روبرت بيتكر وخلفه موشي روزنبرغ ثم ديفيد رزيئيل. بنيت المنظمة على أفكار فلاديمير جابوتنسكي صاحب نظرية الجدار الحديدي أي ضرورة استعمال القوة المسلحة المفرطة لإقامة الدولة وقتل الرغبة في المقاومة لدى الفلسطينيين لذلك كان شعار المنظمة يدا تمسك بندقية فوق خريطة أرض إسرائيل على ضفتي نهر الأردن وكتب عليها بحروف كبيرة “راك كاخ” أي هكذا فقط. انطلقت أعمال العصابة الإرهابية سنة 1937 عندما نفذ عدد من أعضائها سلسلة من العمليات ضد الفلسطينيين في مناطق متفرقة من فلسطين.

كانت الاعمال الإرهابية لمنظمة إتسل موجهة بالأساس نحو الفلسطينيين لكنها تحولت بعد صدور الكتاب الأبيض نحو بريطانيا وتواصل ذلك بعد الحرب العالمية الثانية ضمن ما أطلق عليه حركة المقاومة العبرية. وخلال تلك الفترة أخذ دور مناحيم بيغن زعيم إتسل الجديد في البروز بشكل واضح ونفذت بالتعاون مع ليحي وبمباركة الهاغانا مذبحة دير ياسين في 9 افريل 1948 التي ذهب ضحيتها أكثر من مئتين من أهالي القرية العزل.

أجبرت الأعمال الإرهابية والوحشية لهذه المنظمة المزارعين الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم، كما لجأت المنظمة إلى الهجوم على السيارات العربية المدنية، مما بث الرعب في نفوس سكان المدن الفلسطينية الكبرى. وبعد قيام إسرائيل، أدمجت المنظمة في جيش الدفاع الإسرائيلي. وفي السنة نفسها (1948) أعلن مناحيم بيغن عن تأسيس حزب حيروت ونقل إلى حزبه المبادئ التي آمن بها أثناء وجوده بإتسل. وقد كرم الرئيس الإسرائيلي قيادات هذه المنظمة في نوفمبر 1968 تقديرا لدورهم القيادي في تأسيس دولة إسرائيل.

شتيرن (ليحي)

أما المنظمة الصهيونية الأخيرة فقد كانت شتيرن أو ليحي وهي اختصار للعبارة العبرية “لوحمي حيروت يسرائيل” أي المحاربون من أجل حرية إسرائيل” وهي منظمة عسكرية صهيونية سرية أسسها أبراهام شتيرن سنة 1940 بعد انشقاقه هو وعدد من أنصاره عن إتسل وقد أطلق المنشقون عن أنفسهم في البداية “إرجون تسفاي ليومي بإسرائيل” أي المنظمة العسكرية القومية في إسرائيل   تمييزا عن اسم المنظمة الأم ثم تغير فيما بعد إلى ليحي. أصبحت المنظمة تعرف أيضا باسم مؤسسها شتيرن منذ سنة 1942 وذلك بعد مقتله على أيدي سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين، حيث كان شتيرن معارضا لفكرة التعاون مع بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية وطرح في المقابل إمكانية التحالف مع ألمانيا النازية لتلحق الهزيمة ببريطانيا، فيقع التخلص من الانتداب البريطاني على فلسطين ويصبح بالإمكان تأسيس دولة صهيونية في حين اتجهت المنظمة الأم إلى التعاون مع القوات البريطانية

ولإبراز أهدافها والتعبير عن مبادئها، أصدرت المنظمة مجلتين هما “هافريت” أي الجبهة و”هاماس ” أي العقل وقد كانت موجهة للأوساط الصهيونية الاستيطانية. وقد اعتبرت شتيرن أن أرض إسرائيل هي الأرض المقدسة الممتدة من نهر مصر إلى نهر الفرات وهي أرض يسكنها الشعب العبري بأمان. تعرضت هذه المنظمة لعدة صراعات وهزات داخلية، حيث انسحب اثنان من أبرز المؤسسين هما هانوخ قلعي وبنيامين زرعوني واستعادت قوتها بانضمام أعضاء جديدة مثل يتسحاق شامير وإلياهو جلعادي. ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية شاركت ليحي مع كل من الهاغانا وإتسل في العمليات الإرهابية التي استهدفت الانتداب البريطاني، فقد شبهت شتيرن نفسها بالحركات المناهضة للإمبريالية في إفريقيا والهند، كما شاركت في الهجوم على القرى والممتلكات العربية. وبعد إعلان قيام إسرائيل حلت ليحي وأدمجت في الجيش الإسرائيلي وحصلت أرملة شتيرن على وشاح التكريم الذي أهداه رئيس إسرائيل زلمان شازار إلى كل المنظمات والمجموعات التي شاركت في جهود تأسيس الدولة.

 

الأعمال الإرهابية للمنظمات الصهيونية: من التأسيس إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية

بدأ الإرهاب الصهيوني مع وصول أولى المستوطنين إلى أرض فلسطين فقد كتب اليهودي زفي غنسبيرغ في يومياته عندما زار فلسطين سنة 1891 “وجدت أن المستوطنين يتصرفون بقسوة وعدوانية ضد العرب ويعتدون على حدودهم ويضربونهم من دون خجل وبلا سبب …بل يتباهون بذلك ” ويؤكد في موضع آخر بأن المستوطنين كانوا يشنون حملة إرهاب على الأهالي على غرار المذابح التي تعرض لها اليهود في روسيا. وفي سنة 1907، نظّم المهاجرون الصهاينة الجدد ومنهم الشاب ديفيد بن غوريون حملات مقاطعة لتجويع غير اليهود وتخليص البلاد منهم وذلك عبر منع العمالة العربية واقتصارها على العمالة اليهودية فقط وقد أعتبر بن غوريون التحريم الصهيوني للعمالة العربية أقدس من يوم السبت.

وتبرز هذه الأحداث ترسخ العنف والإرهاب والتمييز العرقي داخل الفكر الصهيوني وقد جسد المستوطنون الأوائل ذلك، ليأخذ هذا الفكر الإرهابي في النمو والترسخ خاصة مع تأسيس المنظمات الإرهابية المسلحة والمتمثلة أساس في الهاغانا والإرغون وشتيرن. وقد مارست هذه الجماعات أعمالا إرهابية اختلفت حدتها حسب الظرفية التاريخية، فلئن كانت ضعيفة خلال العشرينات، فقد شهدت قفزة واضحة خلال الثلاثينات وهي القفزة التي تزامنت مع صعود المد الفاشي في أوروبا وتدفق جيل من الشباب الصهاينة الذين تمرسوا على العمل السري والإرهابي في بلدان أوروبا الشرقية خاصة. وتشير مذكرة رسمية بريطانية إلى أن الإرهابيين الصهاينة يأتون من روسيا وبولندا والبلقان ولا يعرفون التسامح وهم نتاج أنظمة تعليمية تغذي التعصب والشوفينية، كما ترتبط القفزة الواضحة في حجم النشاط الإرهابي الصهيوني آنذاك ببداية تبلور حركة وطنية فلسطينية مناهضة للمشروع الصهيوني.

ومن أهم مظاهر تزايد العمليات العسكرية  الإرهابية التي استهدفت الفلسطينيين والتي قامت على مبدأ “أقتل العربي في أي مكان ” قيام عناصر منظمة الهاغانا بقتل مواطنين فلسطينيين عزّل بجوار مستوطنة بتاح تكفا رميا بالرصاص سنة 1936 وقد هدفت هذه العملية حسب الهاغانا إلى نشر الرعب والخوف في صفوف الفلسطينيين وإثبات وجود منظمات عسكرية صهيونية تعمل على خلق دولة إسرائيل .كما شهدت سنة 1937 سلسلة من الأعمال الإرهابية التي استهدفت الفلسطينيين، حيث ألقت منظمة الإرغون  قنابل يدوية في المقاهي والأسواق وكان أشهرها إلقاء قنبلة على سوق الخضر المجاور لبوابة نابلس في القدس، فسقط عشرات من العرب بين قتيل وجريح . هاجمت كذلك منظمة إتسل قافلة عربية فقتلوا ثلاثة منها بينهم امرأتان في 14 نوفمبر 1937. إلى جانب عمليات القتل والتخويف والإرهاب، قامت العصابات الصهيونية بسرقة البنوك حيث تم سرقة البنك العثماني في 13 سبتمبر 1936. وفي 11 نوفمبر 1937 ألقت منظمة الإرغون قنبلة على مجموعة من الفلسطينيين في شارع يافا في القدس كما هاجمت في نفس الشهر المقاهي والأسواق بالرشاشات والقنابل ولم تسلم كذلك السيارات ووسائل النقل الأخرى كالحافلات والقطارات.

وفي 6 مارس 1937، لقي 18 فلسطينيا مصرعهم وأصيب 38 آخرون من جراء إلقاء قنبلة يدوية في سوق حيفا، كما تعرضت نفس السوق في شهر جوان من السنة نفسها إلى تفجير سيارة ملغومة أودى بحياة 350 فلسطيني وجرح 70 آخرين. وقد كانت المنظمات الصهيونية تفتخر بأن العدد كان أكبر بكثير مما أعلنت عنه سلطات الانتداب. وفي اليوم التالي سقط 27 فلسطينيا وأصيب 46 آخرون بجروح من جراء قنبلة يدوية ألقتها العصابات الصهيونية على السوق المزدحم في يافا، كما فجرت منظمة إتسل قنبلة يدوية أمام أحد المساجد في مدينة القدس في 15 جويلية 1937 أثناء خروج المصلين، فقتلت عشرة أشخاص وأصابت ثلاثين. ومن أبرز العمليات الإرهابية التي شهدتها سنة 1939 الهجوم الذي دبرته إتسل على السينما في القدس حيث جرى تخطيط متعدد المراحل لتحقيق أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية بواسطة المتفجرات التي تم تسريبها إلى المبنى، إضافة إلى إلقاء القنابل داخله ثم فتح نيران الرشاشات على رواد السينما الذين خرجوا في حالة من الذعر والخوف.

وبعد حادثة السينما في القدس، ألقيت قنبلة على حافلة مملوءة بالفلاحين قرب يافا فقتلت أربعة وجرحت الأغلبية وقد اكتشف البريطانيون فيما بعد أن تلميذة صهيونية كانت وراء العملية، فتباهت منظمة الإرغون بذلك خاصة أن التفجير قد سبب فزعا شديدا بين الفلسطينيين، وقد رأى البريطانيون في ذلك إشارة مبكرة إلى سعي الصهاينة لتحويل الأطفال إلى متطرفين. ويشير مقطع من دفتر يوميات تابع لمنظمة الإرغون على تكثف النشاط الإرهابي لهذه المنظمة خلال سنة 1939، ففي 26 جوان 1939 وعند الخامسة والنصف صباحا، أطلق رجال الإرغون النار على عربة قرب بيت شيريم، فقتلوا أربعة فلسطينيين وجرح آخر. وفي يوم 7 جويلية 1939، انفجرت قنبلة في المقهى العربي في حيفا. وأما في يوم 8 جويلية فقد ألقيت قنبلة على محطة الإذاعة الجديدة في القدس فقتل مهندس فلسطيني.  وقد كتب مراسل جريدة التايمز في جنيف معلقا على الأعمال الإرهابية لمنظمة الإرغون: “المجموعة منظمة سرية واسعة الانتشار في فلسطين وتشبه التنظيمات النازية ووظيفتها هي الاستعداد لاتخاذ الإجراءات اللازمة ضد العرب ولدى المنظمة أموال كثيرة تحت تصرفها وهدفها النهائي هو السيطرة على فلسطين في وقت ما في المستقبل واستيطانها هي وشرق الأردن”.

ويمكننا ان نفهم هنا بأن الإرهاب الذي كانت تمارسه المنظمات الصهيونية في أواخر ثلاثينات القرن العشرين كان يهدف أولا إلى ترويع وتخويف الفلسطينيين والسيطرة على أرض إسرائيل التوراتية ثانيا. وفي نهاية سنة 1938 تأكدت المنظمات الصهيونية بأن البريطانيين قد أدوا وظيفتين إلى حد هذه اللحظة، فقد رسخوا حركة الاستيطان وقمعوا الثورة الفلسطينية الكبرى مما سيدفعهم إلى تكثيف الأعمال الإرهابية خلال الحرب العالمية الثانية للظفر بالدولة اليهودية، ولكن ستكون هذه الأعمال موجهة بالأساس ضد سلطات الانتداب البريطاني.

 

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights