دولة الطائف المعطوبة: الأسوأ لم يأت بعد
|بقلم: أنيس عكروتي
شهدت لبنان خلال منتصف شهر جويلية من هذا العام احتجاجات واسعة امتدت من طرابلس شمالا إلى قلب بيروت، وذلك على خلفيّة تعطّل الحوار بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، ممّا أدّى إلى اعتذار الأخير عن تشكيل الحكومة التي انتظرها اللبنانيون لأشهر عديدة.
هذه الاحتجاجات ليست بالمستغربة في بلد يشهد حراكا شبه متواصل منذ تشرين الأوّل أكتوبر 2019 ينادي أنصاره بإسقاط النظام ردّا على إجراءات حكومية تقضي بفرض رسوم مالية على الاتصالات المجانية عبر تطبيقات المراسلة الإلكترونية.
شعارات مثل ” كلّن يعني كلّن”، ” الشعب يريد إسقاط النظام”، ” يسقط حكم المصرف” دقّت آخر مسمار في نعش نظام الطائف المهترىء (نسبة لاتفاق الطائف سنة 1989 الذي جمع فرقاء الحرب الأهلية اللبنانية ورسم ملامح النظام السياسي الحالي).
عند الإطّلاع على نص الاتفاق، نجد أنّه يدعو إلى إنهاء الطائفية لكنّه عمليّا قام بإعادة تشكيل المشهد السياسي ونقل الصلاحيّات من مجموعة إلى أخرى على أسس طائفية وبالتالي فإنّ التغيير لم يعالج المشاكل البنيوية داخل الدولة بل أنّه ساهم في تعميق الأزمة.
إنّ النظام السياسي اللبناني بشكله الحالي لم يتمكّن من تأسيس دولة متماسكة خاصّة في ظلّ تواجد السلاح بيد الميليشيات المختلفة والتأثيرات الخارجية القويّة على القرار اللبناني.
فالطائف لا يعدّ إلّا نتيجة لالتقاء مصالح أمريكي سوري وصيغة نهائية بترتيب سعودي كما جاء في كتاب “حزب الله والدولة في لبنان” لصاحبه حسن فضل الله القيادي في حزب الله والنائب السابق في البرلمان.
منذ أزمة النفايات وانفجار مرفأ بيروت وانهيار قيمة الليرة اللبنانية إلى حدود الأزمة السياسية المتواصلة منذ أشهر، يعي قسم كبير من اللبنانيين أنّ هناك ارتباطا وثيقا بين طبيعة النظام السياسي الذي وصل إلى نهايته وبين الأزمة الاقتصاديّة المتفاقمة.
وحتّى الفاعلون السياسيون يدركون هذا الأمر جيّدا لكنّهم عالقون بالمصيدة وعاجزون على تلبية مطالب اللبنانيين ألا وهي تغيير النظام الحالي جذريّا وبناء دولة مؤسسات فعليّة، لا دولة محاصصات وتسويات من وراء الستار.
وأسوأ ما في الأمر أنّ مفاتيح الحلّ لن تكون إلّا خارجيّة فالطبقة السياسية الحالية منفصلة عن الواقع الحالي وغير قادرة على اتخاذ قرارات جريئة تساهم في حلحلة جزءٍ من المشاكل العالقة.
فمنذ شهر أكتوبر الماضي كُلّف سعد الحريري بتشكيل الحكومة ورغم مرور كلّ هذا الوقت وتعدّد المشاورات والتصريحات الإيجابيّة وخاصّة مع انهيار العملة اللبنانية وفقدانها لأكثر من 85 بالمائة من قيمتها، تبدو الطبقة السياسية متعنتة في اختياراتها وغير مستعدة لتقديم تنازلات وخاصّة غير عابئة بمعاناة الشعب اللبناني الذي بات غير قادر حتّى على تأمين احتياجاته الغذائية، وهو
وضع يبدو شبيها بما تشهده العراق نتيجة للفشل السياسي والشلل الذي تعرفه مؤسسات الدولة نتيجة للمحاصصة الطائفية والانقسامات الداخلية الحادة و”بلطجة” الميليشيات.
فبعد مرور قرابة 78 سنة على استقلال دولة الأرز، يجد اللبنانيون أنفسهم معولّين على المستعمر السابق (والذي أسس للطائفية والانقسامات) لقيادة تسوية إقليمية دولية بمساهمة صندوق النقد الدولي، تتكون من خلالها حكومة إنقاذ وطني تلتزم بالقيام بإصلاحات جذرية وتخضع لرقابة مالية مشددة.
نشر هذا المقال بمجلّة حروف حرّة، العدد السادس، أوت 2021، ص. 3.
لتحميل كامل العدد: http://tiny.cc/hourouf6