كيف يعمّق الذكاء الاصطناعي الهوّة بين الروائع الأدبية والكتابات الرخيصة؟

مقال لدانيال باردسلي*

بقلم: حمزة عمر

لو كان بإمكان ألف قرد يستعملون ألف آلة كاتبة أن يخطّوا أعمال شكسبير، عندها يمكن لفكرة أن تقوم برمجية ذكية اصطناعية بإبداع رائعة أبدية أن تكون محتملة بنفس القدر.

إذا عدنا بضعة عقود إلى الوراء، كانت فكرة أن تقوم الآلات بكتابة الروايات تبدو خيالية، إلى حدّ أنه لا يمكن أن نجدها إلا في الخيال العلمي. اليوم، أصبح ذلك واقعا. تطوّرت إمكانيات الذكاء الاصطناعي إلى الحدّ الذي يجعل من الممكن لمجموعة من اللوحات الكهربائية أن تكتب  أحد الكتب الأكثر مبيعا.

صديق أم خصم؟

عندما تسلمت الكاتبة ري كوجان أسمى الجائزات الأدبية اليابانية عن كتابها “طوكيو-تو دوجو-تو” الذي تدور أحداثه في طوكيو في المستقبل، قالت أنها استعملت الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنتاج الكتاب الذي تمثّل التكنولوحيا أحد ثيماته.

في نفس الوقت، يحتجّ كتّاب مرموقون بشدة على استعمال كتبهم لتدريب برمجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهو ما يمنح التكنولوجيا القدرة على كتابة روايات مماثلة في أسلوبها لتلك التي كافحوا عدّة سنوات لإنتاجها.

تقول د. كولفندر بانسار، وهي أستاذة مساعدة في تطبيقات السكاء الاصطناعي بكلية الهندسة والتقنيات الرقمية بجامعة برادفورد بالمملكة المتحدة، أنّه يمكن للتكنولوجيا “بالتأكيد” أن تنتج روايات بنفس أسلوب تلك التي وقع نشرها سابقا. وتضيف أنه يمكن لـ”نماذج اللغة الكبيرة” أن تولدّ مضمونا يمكن أن يحاكي ويستعمل معارف هائلة، على غرار كلّ الروايات التي نشرها شخص ما. وتقول “من أجل ذلك، فهذه النماذج هي قطعا ضخمة بشكل مهول وتحتاج قدرا كبيرا من قوّة المعالجة”.

الهندسة الفورية

تزوّد تقنية، تسمّى توليد الاسترجاع المعزّز، نماذج اللغة الكبيرة بمعلومات إضافية  حتى يمكنها إنتاج مخرجات بشكل معيّن. تقول د. بانسار “يمكن لك تعريف رواية حسب ما تريد أن تشبهه من خلال مجموعة من الأوامر. [مثلا]، يمكن لك أن تحدّد “أسلوب أليستر كامبل”، أو أن تحدّد عدد الشخصيات أو السياق الذي تدور فيه الأحداث”.

تحدّد مثل هذه “الترتيبات الفورية” نوع الرواية أو غيرها من المخرجات المطلوبة، بينما يمكّن اشتغال لاحق من تحسينها.

تقول د. بانسار أنّ “هذه الهندسة الفورية شغل في حدّ ذاته. يمكن أن نرى بعض التزايد في هذا النوع من الشغل، فيتحوّل كتّاب إلى مهندسين فوريين.

إنّ توظيف الذكاء الاصطناعي في الكتابة الإبداعية كان أحد المواضيع الهامة خلال إضراب كتّاب هوليود العام الماضي، والذي انتهى في شهر سبتمبر باتّفاق بين نقابة الكتّاب الأمريكيين وتحالف منتجي الأفلام والتلفزيون.

مُدح الاتفاق باعتباره انتصارا للبشر على الآلات، وهو يقتضي إمكانية استعمال الذكاء الاصطناعي كوسيلة، ولكن ليس لتعويض الكتّاب من البشر.

عند سؤاله إذا كان من الممكن للذكاء الاصطناعي أن يجسّد دقائق الشخصية البشرية على غرار ما يقوم به كاتب من البشر، يجيب جايمس روبرت كارسون، وهو أستاذ مساعد وعضو مجموعة بحث الكتابة الإبداعية بجامعة غرب أنجليا بالمملكة المتحدة، أنّه بالنسبة لبعض أنواع الكتابات، يمكن للجمهور المستهدف أن يلاحظ الفروق الضئيلة بين ما تنتجه الآلة أو ما ينتجه الإنسان. يقول كارسون “على كلّ حال، ينتج العديد من الكتّاب دراما من نوع مألوف. هم يقلّدون أساليب معيّنة. وربما، في بعض المجالات، لن يكون هناك تحوّل كبير”.

محاكاة كتّاب حاليين

في العام الماضي، قام طيف واسع من الكتّاب، بما في ذلك كتّاب معروفون على غرار مارغريت آتوود ودان براون، بكتابة رسالة مفتوحة إلى شركات التكنولوجيا طالبين منهم الحصول على موافقتهم ودفع مبالغ مالية لهم إذا استعملت كتاباتهم المنشورة لتدريب برامجهم التوليدية للذكاء الاصطناعي.

كان فال ماكدرميد، وهو كاتب قصص بوليسية مشهور من اسكتلندا، من بين الروائيين الذين رفعوا أصواتهم عاليا في خصوص استعمال كتاباتهم دون موافقتهم.

يقول د. كيفان مانوارينغ، وهو يدرّس الكتابة الإبداعية بكلية الفنون ببورنموث بالمملكة المتحدة، أنه رغم أنّه من الممكن للذكاء الاصطناعي أن يستخدم ما نشره كاتب ما لينتج كتبا أخرى من نفس النوع، فإنه لا يمكن له أن يعوّض المدخلات البشرية. د. مانوارينغ هو نفسه كاتب غزير الانتاج، إذ كتب أو شارك في كتابة أو أشرف على أكثر من ثلاثين كتابا، من بينها عدّة روايات. ويضيف “أظنّ  أنّ الذكاء الاصطناعي اسم بلا مسمّى، بل تجدر تسميته الذكاء المكدّس، فذلك ما هو عليه. فهو فقط يستعيد أو يعيد تشكيل ما هو موجود على الانترنت، ولا يخترع شيئا إذ لا يستطيع أن يتجاوز ما هو موجود في الدائرة الافتراضية، وهي تتمثّل فيما نختار نحن تحميلها إليها. لا يمكنه إلا أن يكون اشتقاقيا، لا ابتكاريا. هو ممتاز في التوليف… إذا شئت نُسخة مقلّدة عن ديكنز أو فال ماكدرميد، أعتقد أنّ الذكاء الاصطناعي يقوم بذلك بامتياز”.

يوافق عدنان بشير، وهو مدير دولي للاتصالات الخارجية بشركة برمجيات، على هذه النقطة إذ يقول أنّ الذكاء الاصطناعي لا يمكنه أن يعوّض العبقرية والإبداع والتفكّر والتنسيب الثقافي الموجود لدى البشر. ويضيف: “إنّ بعض الأعمال الإبداعية خلال العقود القليلة الماضية نبعت من تجارب الأشخاص المعاشة وأعماق التعقيدات الوجدانية فضلا عن تشعبات التاريخ البشري والأحداث العالمية. لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون بديلا عن أيّ من ذلك. إنّ الرواية والمسرحية والتسجيل هي كلّها نتاج للثقافة. وهي تجسد بطرق مختلفة روح العصر ومشاعر المجتمع الذي يولدها.” ويقول أنّ أنظمة الذكاء الاصطناعي معرّضة لتحيّزات مبرمجيها، وهو ما قد يتجلّى في الروايات أو المسرحيات أو المقالات أو القصائد أو غيرها من الأعمال الفنيّة الّتي تنتجها.

بالرغم من كلّ ما يبدو عليها من محدودية إبداعية، يبدو أنّ روايات الذكاء الاصطناعي، ذات المضمون الزهيد في تكلفة إنتاجه وتوزيعه الكترونيا، ستصبح أكثر عددا وأيسر في الحصول عليها.

يقول د. مانوارينغ أنّه من المرجّح أن نشهد جيلا من روايات الذكاء الاصطناعي وهو يغزو منصّات النشر الذاتي. وهو يرى “انقساما في السوق” بين الناشرين المرموقين الحريصين على الحفاظ على سمعتهم والّذين سيستمرّون في نشر كتب عالية الجودة يكتبها بشر، بينما سيعمل الناشرون الذاتيون على إغراق السوق بروايات رخيصة يولّدها الذكاء الاصطناعي. وهو لا يشكّ في الجانب الّذي سينحاز إليه حين حدوث هذا الانقسام، إذ يقول: “بالنسبة لأولئك الّذين ليست لهم مخيّلة أو قدرات فعلية أو مواهب حقيقية، لا بدّ أنّهم يرون في الذكاء الاصطناعي مثيلا للقدوم الثاني [للمسيح]. أمّا الّذين هم على شاكلتي، من تعهّدوا شعلة الموهبة لديهم، [فلن] يودّوا استخدامه. كما أقول، إنني أحبّ الكتابة. هي مكاني السعيد. لا أرغب في فقدانه”

 

*نشر هذا المقال بموقع جريدة The National  بتاريخ 29 مارس 2024.
رابط المقال الأصلي:
https://www.thenationalnews.com/news/2024/03/29/how-ai-will-deepen-the-divide-between-literary-masterpieces-and-cheap-reads/

 

نُشر هذا المقال في مجلّة حروف حرّة، العدد 36، خريف 2024.

للاطّلاع على كامل العدد: tiny.cc/hourouf36

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights